تختلف العائلات السياسية في المشهد التونسي , و من أهم محددات هذا الاِختلاف , المرجعية الفكرية , و من هذه العائلات , الجبهة الشعبية ذات المرجعية الشيوعية اليسارية أساسا , و التي تضم مجموعة أحزاب تشترك أو تتشابه في التوجه الفكري و الإيديولوجي .
من المعقول أن يلفت أصحاب النجاحات النظر إليهم فيفرضون على المتابعين التطرق إلى تجربتهم , إن بدراستها أو الإشادة بها أو تحليلها و الإستفادة منها , لكن الجبهة الشعبية فرضت الإشارة إليها دون الإشادة , تبعا لمحصول الفشل الذي تحصده يوما بعد يوم , إذ لم يتمكن قياداتها من التخلص من منطق الرفض المطلق و عدم الرضا الدائم بل الأبدي عن كل ما يحدث , هذا المنطق الذي تتميز به الجبهة الشعبية و " تتمعش منه " إعلاميا , جعل منها محط سخرية و محل تندر سياسي يمثله كأحسن تمثيل " زعيمها " و الناطق الرسمي باِسمها حمة الهمامي .
هذا " الزعيم " الذي يمثل لسان حال الجبهة و الناطق الرسمي باِسمها , لم نر له فعلا و لم نسمع له ركزا غير " التنبير " و تصيد الأخطاء و الزلات , و هذا ما يخرجه , و من ورائه زمرته , من دائرة الفاعلين السياسيين , و يدخله , حتى يكون الأمر أدق , في دائرة المنفعلين , العاجزين عن الفعل .
هذا المنطق العدمي , أو العلامة التجارية المسجلة للجبهة الشعبية , الرافض لأي توافق أو اِتفاق , يسير بها إلى العزلة السياسية فضلا عن العزلة المجتمعية , و لا أدل على ذلك من الرسائل التي حملتها تصريحات رئيس الجمهورية حول اليسار المتطرف و تصريحاته الأخيرة التي اِتهم فيها الجبهة الشعبية بممارسة الإرهاب الفكري و أنها لا تمثل تونس , كما يظهر ذلك في اِستبعاد راضية النصراوي ( زوجة حمة الهمامي ) من عضوية الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب , على الرغم من مسيرتها المشهودة في هذا المجال , لكن هذه المسيرة لا تنفي عنها توجهها السياسي و الحزبي , و لا يحصنها من مضاعفات و اِرتدادات سياسة الرفض المطلق و العدمية التي ينتهجها الزوج و رفاقه .
لا شك أن لحمة الهمامي دورا رئيسيا في ما تعيشه الجبهة الشعبية من تراجع و ما لحق بها من نفور بسبب خطاب الرفض الدائم و السلبية القاتمة التي كست مواقفه و تصريحاته , لكن يبدو أن " حمة " ليس واحدا بل هو " متعدد " , فلا فرق بينه و بين " رفاقه " إلا بالحدة و السبْقِ في مهاجمة الخصوم .