لم تكن موفقة داخل حزب «نداء تونس» نفسه، الفائز بالبرلمانية والرئاسية، ذلك أن الطريقة التي حسم بها اسم رئيس الوزراء الحبيب الصيد لا تشي بمستقبل زاهر لمبدأ الديمقراطية داخل هذا الحزب الذي ما زال يبحث عن هويته السياسية النهائية.
لم تكن موفقة في طريقة إدارته المفاوضات مع باقي الأحزاب حيث اشتكى الكثير من قادة هؤلاء، وأغلبهم بالمناسبة لا يكنون مشاعر سيئة تجاهه، أنه لم يقع التعامل معهم بالطريقة المناسبة في مشاورات كان يفترض أن تكون أكثر عمقا وجدية.
لم تكن موفقة في التشكيل نفسه الذي أعلنه رئيس الحكومة المكلف الحبيب الصيد والذي سقط في امتحان الثقة، حتى قبل أن يعرض على البرلمان، فقد كان هناك شبه إجماع أن هذا التشكيل لا يستجيب لما كان مؤملا منه بل وتضمن بعض الأسماء الإشكالية.
والحقيقة أنه بغض النظر عن موقف المعجبين بـ «نداء تونس» أو الكارهين له، فإنه ما كان لأحد أن يتمنى أن تكون إنطلاقة هذا الحزب في حكم البلاد بمثل هذا الارتجال لا سيما وأن الجميع تقريبا لم يتردد في الإعراب عن الاستعداد للتعاون معه سواء من بين أولئك الذين كانوا قريبين منه كحزب «آفاق تونس» أو المختلفين معه مثل حركة «النهضة».
لم يكن لأحد أن يتمنى مثل هذه الانطلاقة لأنه كان يفترض أن تكون أول حكومة بعد الانتخابات الأخيرة حكومة مختلفة أسلوبا وأشخاصا، غير مسلوقة أو مشوشة، تطبخ مع الجميع وبكثير من التروي حتى نقدم نموذجا مختلفا، ليس فقط عن حكومات ما قبل الثورة، بل وبالأساس عن الحكومات التي جاءت بعدها والتي لم يستفد أحد في رصيده من خزان الغضب منها أكثر من حزب «نداء تونس» نفسه.
لم يكن لأحد أن يتمنى مثل هذه الانطلاقة لأن لا عذر لمن أمسك بالرئاسة وأكبر كتلة في البرلمان، ويتسابق كثيرون في كسب وده، أن ينفض الناس من حول أول خطوة يخطوها على درب طويل شائك ومعقد فذلك قد يمهد لمناخ من الشك لا يستفيد منه أحد.
أما وقد حصل الذي حصل وتأجلت جلسة البرلمان لمنح الثقة منعا لإحراج عدم الحصول عليها، أو للحصول عليها كسيحة مهزوزة، فإن الإيجابي من مثل هذه التجربة معرفة أن سقف التونسيين واشتراطاتهم على نوعية من يحكمهم باتت عالية جدا بل وأعلى من أن تلبى بالكامل فكيف إذا لم تلب أصلا بحدها الأدنى.
ومع ذلك، فما حصل ليس نهاية العالم وإمكانية التصحيح تبقى متاحة وممكنة، ثم أن نتعثر الآن أفضل من أن ننطلق على أسس رخوة. إن طبيعة الحكومة التي سترى النور قريبا في تونس تحددها قبل كل شيء طبيعة المرحلة المقدمة عليها البلاد.
وطالما لم نشخص بدقة هذه المرحلة ونصارح الشعب بحقيقتها المرة فمن الصعب جدا بل ومن المستحيل أن نوفق في تحديد ملامح الفريق الذي سيتصدى لأعبائها وإكراهاتها المختلفة.
الوضع الإقتصادي في البلاد كارثي ولم يعد هناك من مجال للتحمل أكثر كما أن أعباء الحياة ازدادت على الجميع وخاصة على ضعاف الحال الذين كانوا يحلمون بتغير الأوضاع إلى الأحسن بعد الإطاحة بالدكتاتورية.
عجلة التنمية في أمس الحاجة إلى أن تدور من جديد وتنتعش السياحة ثانية وتتدفق الاستثمارات الوطنية والأجنبية التي كانت مترددة أو محجمة لأسباب سياسية تتعلق بالموقف من توليفة الحكم الذي كان قائما برئاسة حركة «النهضة».
لا بد من «مشروع إقتصادي إنقاذي» يراعي تلك المعادلة المستحيلة أحيانا بين التدابير الإقتصادية الصعبة وكلفتها الإجتماعية. إعادة جذوة الأمل من جديد ممكنة شرط أن تقوم على تشخيص شجاع للأوضاع السياسية والإقتصادية، يصارح به الشعب دون لف ولا دوران فلا انتخابات قريبة حتى يشرع البعض في إطلاق الوعود الوردية الكاذبة.
ومن أجل هذه المهمة لا بد من تكاتف الجميع، مهما كانت مشاربهم السياسية، مع مصالحة وطنية كبرى ترسي العدالة قبل الصفح.
تونس، وبخاصة الآن، في حاجة لكل عائلاتها السياسية من يسارييها وإسلامييها وليبرالييها وكل التلوينات الأخرى الموجودة أو الممكنة – المؤمنة بنبذ العنف والتداول السلمي على السلطة- بكل مسؤولية بعيدا عن منطق المحاصصة أو الإجماع المغشوش.
هذه الروح يجب أن تنعكس في الحكومة الجديدة التي عليها أن تؤمّــن أوسع شراكة ممكنة حتى تستطيع البلاد أن تجتاز السنوات الصعبة المقبلة بأخف التكاليف وبأقل إحتقان ممكن. بعده يمكن أن نعود من جديد إلى مربع الأحزاب الحاكمة والأحزاب المعارضــــة.
وفي هذا فليتنافس المتنافسون.