قد يكون بورقيبة رمزا يستحق أن تخلد ذكراه بالوسائل المتاحة , و زعيما وطنيا له من الفضل ما يخوِّل نصب تمثال يمجده , و قد تم ذلك بالفعل و نصبت تماثيل بدل التمثال في العديد من المناطق إلى أن أزيح بعضها من بعض الساحات أيام الرئيس المخلوع , دون اِعتراض من قريب أو من بعيد , من ذلك تمثاله الذي كان في الشارع الرئيس بالعاصمة و الذي سمي باِسمه , شارع الحبيب بورقيبة ( و أيضا شارع الثورة بعد 14 جانفي ) , و الذي نُقل إلى حلق الواد , و الذي يعود هذه الأيام إلى مثواه الأول .
هناك من المعارضين لعودة تمثال بورقيبة من يستعيض عن كلمة تمثال بكلمة صنم , مبررا موقفه بأن درجة " التقديس " لبورقيبة قد فاقت كل الحدود و قاربت " التأليه " . هذا المبرر و هذه الرؤية يرفضها المؤيدون لعودة التمثال مؤكدين أن العملية لا تعدو أن تكون اِعترافا بزعامة الرجل و اِنجازاته و بطولاته , و تذكيرا بما قدمه للبلاد .
يبرز رأي ثالث , بعيدا عن ثنائية الصنم و التمثال , يرى أن عملية الإعادة هذه سياسية بالأساس , و اِستثمار لصورة الرجل تدخل في باب التوظيف السياسي لا غير , و تهدف إلى اِستمالة و اِستقطاب محبيه و اِستغلالهم اِنتخابيا ليس أكثر .
بعد ثورة هزت البلاد , و فتحت الآفاق , و جددت الآمال , و ضاعفت الأحلام , يستوي الصنم و التمثال , فالأول يُلهي عن عبادة الله الحق , و الثاني يُلهي عن التركيز على القضايا الأحق , و عن ما يهم الناس و ينفعهم , يبقى أن نشير إلى أن لإعادة التمثال رمزيتان اِثنتان ; رمزية أولى ظاهرة , فيها اِعتراف و تخليد لزعيم وطني , و رمزية ثانية مستبطنة , فيها إيحاء بثانوية قضايا العباد و مشاكلهم و همومهم و آلامهم .