طبيعة الحراك لم يكن منذ بدايته يحمل خلفيات الايديولوجيا واختلافات السياسة ، وانما كان هاجسه الاساسي الثورة على الاوضاع الاجتماعية والخصاصة والفقر، الذي مزال منتشرا في بلادنا .
ثورة على التفاوت التنموي بين الجهات ولكنه كان حينها يرسخ مفاهيم مغلوطة من قبيل انّ سوسة اخذت حظّها دون القيروان ونابل اخذت حظّها دون القصرين وصفاقس اخذت حظّها دون قفصة
وللاسف فانّ الكثير من المحسوبين على النخب وعلى الكفاءات ساهموا في تركيز هذه المغالطات وهم يدركون جيدا ان الفقر والمعاناة عنصرٌ مشركٌ بين ارياف صفاقس واحيائها الشعبية وبين ارياف سوسة واحيائها الشعبية وبين القيروان والقصرين وسيدي بوزيد ...
نحن نحتاج الى قراءةٍ موضوعية وعلمية، متجردة من الخُزعبلات والشعبويات حتى نحدد الداء والالم ونعمل جميعًا، نُخب وشعب وعمّال على النهوض بواقع البلاد .
من منافع الحرية انها تُعرِّي المسكوت عنه ، بل تفضحه وتجعله في صفحات الفايسبوك واعمدة الجرائد ...
استغرقنا وقتا طويلا لاننا ابدعنا في صياغة دستورٍ طال فيه الخلافُ والنقاشُ وهذا يتحمّل فيه بالاساس النّخبة السياسية التي سلّم لها الشعب حينها مصيرهُ ، فأزْبدت وغرْغَرت بدستورٍ طويل صُغناه من البداية ،،، في حين انّه كان يَسعُنا خياراتٍ اقصرَ واجودَ وانفعَ للبلاد .
حيث انّه كان بالامكان ان نُعدّل الدستور القديم ونُدْخل عليه اصلاحاتٍ متعلقة بضمان التعدد والحريات ، ونُوفّر وقتا وجهدا على الشعب المُنتفض ، الذي طالت معاناته زمن زبانية بن على ، حيث انحراف الحكم بِصوْلات الطرابلسية الذين ضربوا الدولة في المقْتل ... و عاثوا فيها فسادا وهلاكا ...
أطلْنااااا جَدَلَ الانتقال السياسي ولم نحسن تقديم الاصلح لقيادة الانتقال خاصة في مواقع القرار ... فليس كل سياسي رجل دولة، وليس كل مفكر قائد للميدان ... الاستبداد احيانا يصنع ابطالا من الفراغ والغموض
لقد استفاد الكثير من ابطال الماضي بفضل سياسة الغموض والامنيات، حسبناهم كفاءاتٍ مُقتدرة وجهابذ مفعمة ،
سواء من كفاءات النظام ما قبل الثورة او رجالات ما بعد الثورة ولكن حينما اختبرْناهم وجدْناهم اقل بكثير من انتظارات شعبنا ، بل احيانا صُدِمنا فيهم الى حد الاهانة !!!! لقد اهانوا انفسهم واهانو تونس ولا استثني من الاحزاب احدا الا ما رحم ربك
"ولا يختلف عن تقدير المُقتدر والقوي عاقلان "
لا نسطيع الان بحكم سنّة التاريخ ان نعود بالاعوام الى الوراء ولكن يسعنا حقيقةً ان لا نسمح باعدة الاخطاء ،
بل وجب ان نراكم على مكتسبات الثورة فليس في عالمنا العربيِّ دولة تضاهي تونس في مؤسساتها المنتخبة وشعبها الحر واعلامها المُجتهد وقضائها المستقل .
ولكن ليس من المعقول ان تفشل بلادنا في معركة التنمية والصعود الاقتصادي فلا توجد ديمقراطية في العالم
و في تقديري الشخصي لن نتقدم مستقبلا الا في صورة اصلاحاتٍ ومراجعاتٍ ضرورية أُبوِّبُها وِفق الاولويات التالية
المستوى السياسي :
* تعديل القانون الانتخابي وفرض العتبة بشكل لا تقل على 10%
* رئيس الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية هو من يتولى رئاسة الحكومة
* رئيس الجمهورية ينتخب من دورة واحدة فليس هنالك معنى لنظام سياسي يميل الى قوة البرلمان ومعظم سلطاته لصالح رئيس الحكومة ان يكون في مقابله طريقة مختلّة في الافراز الشعبي والجماهيري بشكل يوقع الناخب في مغالطة غير متطابقة مع القانون وواقعه حيث يظن ان الرئيس هو الاقوى سلطة وقوة في الحكم والعكس غير ذلك تماما .
المستوى الاكاديمي والتعليمي :
*اعادة النظر في كل المشاريع البيداغوجية واختبار قدرتها على مدى الملائمة مع سوق الشغل
*مراجعة نظام التقييم للتلامذة والطلبة بالكامل
فلا ينجح الا من يستحق فلقد بلغنا من رداءة التكوين ما يعفُّ اللّسان عن ذكره الا عند القلّة القليلة
*اغلاق الشُّعب الجامعية التي لا يوجد فيها مستقبلٌ شُغْلي او بلغت ذروتها من الخريجين
*اجبارية تعلم الانجليزية والصينية على كل الاجيال الجديدة انطلاقا من التعليم الاساسي
على المستوى الاجتماعي :
*الصدق في تفعيل القانون الذي يقضي بتشغيل من فاقت بطالتهم العشر سنوات
*تشغيل واحد على الاقل من كل عائلة في الوظيفة العمومية
*الغاء العمل للاجيال الجديدة بمنظومة الحيطة الاجتماعية "صندوق التضامن الاجتماعي "
وتُعطى الرواتب كاملة دون اقتطاعات ويبقى الحق في التداوي والصحة مكفول من الدولة وتحدد سياسة مخصوصة في ذلك للتّنزيل ومراعاة الخصوصيات دون مفعول رجعي للاجراء .
*مراجعة منح الفقراء والمعاقين والعائلات المعوزة ورفعها بم يحفظ كرامتهم وحقهم في العيش الكريم
*تحديد خطة لاعادة تهيئة الاحياء الشعبية في شكل جديد يجعل في سلم اولوياته الحماية من الانحراف لاجيال المستقبل عبر مقاربة علمية واجتماعية ونفسية عميقة وجادّة . والانطلاق باحياء نموذجية يُعاد تهيئتها وانشائها من جديد
ملاحظات ختامية :
●كفانا شعاراتٍ واهية ولْنقدمْ الحلولَ و البرامجَ الواقعية لبلادنا من خلال دراسة معطيات الواقع وتقديم الحلول العلمية
●لا حل للبلاد من اجل القضاء على الفساد ومنطق "الغَمّة" الا بالرقمنة العامّة في القضاء والمعاملات المالية والمؤسسات الامنية وكل اجهزة الدولة
نحتاج الى الاندراج الكامل دون اي مبرر في رقمنة كل المعطيات دون تردد او توانٍ
●نحتاج ان نعمّق الحوار حول ما تحتاجه البلاد من الاجيال كلِّها شيبا وشبابا
●آن الاوان ان نعطي الثقة في الأجيال الشابة ونقدم لها الفرصة لكي تستفيد وتُفيد " نُصِرْت بالشباب "
●كفانا من الشعبويات والاحلام العابثة بالوطن يمينا ويسارا .
فليس هنالك من سيعلمنا الاسلام من جديد وليس هنالك من سيُقْنِعنا ان نعيش عبيدا للعسكر والحكم الواحد والاب الواحد والاعلام الخشبي وقضاء التعليمات وأمن التحقيقات
●البلاد مفتوحة على فُرصٍ حقيقيةٍ ولكنّها تحتاج الى الاذكياء والمجتهدين والمخلصين من اجل اكتشافه
بقلم محمد الغنودي.