لا يتطلب الأمر جهدا كبيرا حتى يتبين المتابع للإعلام في تونس حقيقة اِفتائه بحرمة التعاطي مع " وثائق بنما " , و أنها رجس من عمل الأمريكان لا يجوز التعامل معها , بل يجب غض البصر عنها قدر الاِستطاعة , و آثم من كشف و فضح و عرَّى الحقيقة , و أما من تورط و أخطأ و أذنب , فلا تحل محاسبته و لا يجوز تعزيره , و أمره إلى الله .
التعاطي الإعلامي التونسي مع " وثائق بنما " , على خلاف التعاطي الإعلامي الغربي , يثير الريبة و يطرح ألف سؤال و سؤال , و يستفز العقل و المنطق و " المادة الشخمة " , و أيضا الوعي الذي أعلن هذه المرة رفضه القاطع لمحاولات تجاوزه و اِستدراجه من حيث لا يدري و تحويل وجهته قسرا و عمدا . فقد عمدت وسائل إعلام تونسية إلى التشكيك في مصدر الوثائق و اِتهام الناشرين بالتوظيف السياسي و فضلوا التركيز على الشكل متناسين و مبعدين المحتوى و المضمون عن البحث و السؤال متجنبين الغوص فيه و تحليل اِستتباعاته و تأثيرات كشفه .
هذه التأثيرات التي أسقطت رئيس وزراء أيسلندا و أجبرت رئيس وزراء المملكة المتحدة على الاِعتراف بنوع من التعامل و أخرست الكثيرين أمام قوة الدليل و عِظَمِ الحجة , لم تلفت اِنتباه " صحافيينا " , و لم تَرُقْ لفطاحلة إعلامنا و من يقودهم من الخلف , من متحكمين فاسدين و ذوي مصالح مفسدين .
يبدو أن عورة الفساد بدأت تنكشف و تتضح و تتوسع , هذا ما جعل " الخائفين " يتجندون , فطفقوا يخصفون على الخبر من ورق الإلهاء و التضليل ليُوارُوا سوءات أعمالهم .