يستطيع الاعلام , باعتباره الناقل للمعلومة و المصدر الاول لبثها , ان يتحكم في طريقة عرضها و توقيتات طرحها و ان يشكلها حسب رغبته او بعبارة ادق حسب رغبة المتنفذين فيه , لكن لو القينا نظرة ناقدة متجردة الى اغلب وسائل الاعلام التونسية اليوم , يمكن ان نقارن بين حجم المساحة التي يعطيها إعلامنا للقضايا الحساسة و الرئيسية ذات المصلحة العامة و بين المساحة التي يخصصها للقضايا الجانبية التي تستثير العاطفة لا الفكر و تخاطب الاهواء البشرية بدل مخاطبة العقل , ومن خلال هذه المقارنة نتبين كيف يتشكل الوعي المزيف الذي يسهل معه توجيه الافراد و المجموعات و تكوين الاراء و المواقف .
هذا الرفع من شان القضايا الثانوية سيكون طبعا من خلال تهميش القضايا الاساسية و هنا يعيد الاعلام ترتيب الاولويات وفق مصالح معينة و يقوم بإلهاء ممنهج قد تختلف غاياته ( مادية , سياسية , فكرية...) لكن نتائجه ستكون سلبية بل كارثية على وعي الناس . يجب علينا جميعا ان نكتسب القدرة على التفكير المنطقي كي نحسن الفهم و الاستيعاب و التلقي و نتخلص من "عبودية" استوطنتنا دون وعي منا .
يتوسل الاعلام في تحويل وجهة الوعي عدة وسائل و استراتيجيات اهمها التي ذكرها تشومسكي و هي سياسة الإلهاء و التوجه الى عاطفة الانسان بدل التوجه الى عقله و فكره و ابقاء الشعب في حالة من الجهل و الحماقة و ابتكار المشاكل و افتعال المعارك و تمرير الافكار بطرق ذكية قد تكون من خلال الدعابة و الاضحاك او التكرار و التدرج و غيرها من الاساليب الاخرى.
لا مناص اذن من التفكير السليم و التلقي الحذر حتى ننجو من التبعية العقلية و من الشلل الفكري و حتى لا يُتَلاعب بوعينا.