وأضاف الجلاصي في تدوينته "لم اكن أتصور احتفالا بصدور كتاب عن دستور الجمهورية الثانية يغيب عنه الدكتوران: المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر، والمهندسان حمادي الجبالي وعلي العريض. لم اكن أتصور احتفالا بالنص المؤسس تغيب عنه علامات التأسيس: رئيس الجمهورية ورئيس المجلس ورئيسا الحكومتين" متابعا "زال استغرابي لما تصفحت الكتاب. حينها تاكدت ان الامر لا يتعلق بغياب وانما بتغييب. واننا امام فضيحة اخلاقية وسياسية".
وفي ما يلي نص التدوينة:
"قد نتناسى الماضي ولكن لن نسمح بتزييف التاريخ
سيدي رييس المجلس الوطني التأسيسي: السيد مصطفى بن جعفر
كل سنة وانتم وتونس بخير.
قبل ان اقرا نصكم المعنون: "يريدون طمس الحقيقة ونحن احياء"، بلغتني أصداء الاحتفال الذي نظمه مجلس نواب الشعب بالتعاون مع البرنامج الانمائي للأمم المتحدة بمناسبة صدور النسخة الفرنسية من كتاب "الدستور التونسي: المسار والمبادىء والآفاق".
قد نتفهم الا يحضر بعض أهالي العروسين احتفالهما، لكنني لم اكن أتصور احتفالا يغيب فيه العروسان.
لم اكن أتصور احتفالا بصدور كتاب عن دستور الجمهورية الثانية يغيب عنه الدكتوران: المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر، والمهندسان حمادي الجبالي وعلي العريض. لم اكن أتصور احتفالا بالنص المؤسس تغيب عنه علامات التاسيس: رييس الجمهورية ورييس المجلس ورئيسا الحكومتين.
زال استغرابي لما تصفحت الكتاب. حينها تاكدت ان الامر لا يتعلق بغياب وانما بتغييب. واننا امام فضيحة اخلاقية وسياسية.
ليعذرني السيد الرئيس، عبارتك في الاحتجاج كانت لطيفة. فالامر لا يتعلق بطمس، اذ الطمس اخفاء، ولكن يتعلق بتزييف، اذ التزييف إظهار، ولكنه إظهار لغير الحقيقة. انه صنع لحقيقة اخرى.
كنت أتقبل تقديم سرديات متنوعة لمسار التاسيس من الزاوية السياسية والمضمونية. ولكن الاحتفال قدم سردية واحدة. ولا اريد الدخول في الجدال حول موازين القوى حينها.
رمزيا يمكن ان نقرا من خلال منصة المتدخلين، ومن خلال قائمة الغائبين، ارتدادا على اهم ما حققناه: التوافق.
والتوافق اشتغال على الماضي لتحويله معراجا للآتي. انه يشتغل على الحقيقة "السياسية" لنزع الألغام وتفكيكها.
للاسف ترافقت هذه الفضيحة -لا ندري من صنعها او ساهم فيها- مع حدثين فاقما لدي الحيرة:
-فقد حضرت ندوة نظمها "مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية" بالتعاون مع "موسسة هانس زايدل" وجامعة "لياج" تحت عنوان "النحو السياسي للتوافق في تونس بعد الثورة". وجدت في هندسة الندوة، وفي كثير من مضمونها، كثيرا من الأيديولوجيا، وكثيرا من الإقصاء. فخفت على بلادي، وعلى مستقبل أولادي.
-كما تناهى الى اسماعي ما حصل من إخلال بروتوكولية اثناء الحفل الافتتاحي لرابطة حقوق الانسان.
هناك خيط ناظم بين كل ذلك. نفس المشكاة، ونفس القمقم الايديولوجي.
سيدي الرئيس:
الدستور مكسب أساسي، و لكن طريقنا الى الديموقراطية الراسخة لا تزال طويلة.
فالقناعات لا نصلها بالتأمل في الغرف المغلقة، وانما نصلها عادة بالاحتكاك والتدافع والاختبار. والذكي هو الذي تكون له القدرة على تجديد أفكاره، هو الذي يدرك ان الكينونة مسار، وان الهوية ملحمة تصنع. واول القدرة جرأة وسؤال.
الانسان لا يولد ديموقراطيا، بل هو الى الاستبداد أميل، والكيانات كذلك. وما الديموقراطية الا التربية والثقافة والاليات والقوانين التي تمنعنا ان نكون مستبدين.
اذكر الحوارات في الهيئة القيادية لاحزاب الترويكا. كان الاستاذ المولدي الرياحي يقول: "هذا التقاء سياسي مع الاحتفاظ باختلافاتنا الفكرية". وكنت اشاكسه، وصداقتنا كانت، ولا تزال، تسمح بذلك: "لو دفعنا النقاش الفكري لما وجدنا اختلافات عميقة كما نتوهم".
يكفيك شرفا ان خط سيرك كانت مستقيمة.
يكفيك شرفا انه لما اغلقت الأبواب على التونسيين أعلنت التمرد وسط التسعينات، فأشعلت شمعة في ليل سجناء ما كانوا يلمحون نهاية لنفقهم.
يكفيك شرفا انك نذرت حياتك، وانت "البلدي" الميسور لقضية العدالة الاجتماعية القيمة الثانية، بعد الحرية، التي لا يكون الانسان بدونها إنسانا.
يكفيك شرفا انك صرخت بصوت عال بعد انتخابات 2011 ان الاصطفاف الايديولوجي سيقضي على الثورة فاخترت الخيار الصعب بفك الارتباط عما يعتبره البعض "قبيلة ايديولوجية". ساهمت بنصيب مقدر في بناء جمهوريتنا الثانية، ولكنك قد تكون دفعت ثمنا انتخابيا باهظا لهذا الخيار، وقد تكون محاولة "الالغاء" التي تتعرض لها من بعض العقوبة التي تلحقك.
لا أشك ان ضميرك مرتاح، كما لا أشك ان مقامك سيظل محفوظا لدى كثيرين. كما لا أشك ان التاريخ سيسجل اسم الدكتور بن جعفر في طليعة المؤسسين لجمهوريتنا الثانية.
الديموقراطية سماحة ومقاومة لطرفي الاستبداد والعبودية.
والتوافق سياسة وليس دينا او ايديولوجيا. وهو مسار وليس وصفة، وهو تراكم وليس إلغاء.
واحدى مقوماته الاحتفاظ بثروات البلاد، واحدى اهم ثرواتها رموزها وزعاماتها.
واحدى مقوماته كتابة سردية تحتضن الجميع وتتجه نحو المستقبل.
سيدي الرئيس:
تحت سطح السياسة التي قد تفرقنا حساباتها احيانا هناك قيم تجمعنا، وهناك جوهر انساني نشترك فيه.
قد تفرق السياسة ولكن القيم الانسانية ادوم وابقي.
تحياتي سيدي، وتهاني بالسنة الهجرية الجديدة من خلالكم الى علامات مرحلة التاسيس، بل الى من سبقهم ومهد لهم الطريق.
فتونس اليوم تحتاجنا جميعا.
ولا يمكن للمستقبل ان يحضننا الا بذاكرة سليمة
والله معكم ولن يتركم اعمالكم"