وقد أكد منصور في كلمته الافتتاحية أنّ "لا دولة بدون قضاء يردّ المظالم ويحمي الحقوق فينسجم ميزان العدل وتعتدل الأنفس والضّمائر وتهذّب الغرائز والنوازع".
و بيّن أن القضاء أيضا "سنة ماضية في تاريخ البشرية لا يخلو من وجوده زمان ولا يضيق عليه مكان لحاجة الناس إليه طلبا للسلم ورغبة في الأمن"، مشيرا إلى أن التاريخ حفظ لنا نماذج من قضاة تجنّدوا لخدمة الحق والعدل والإنصاف فتخلد ذكرهم وذاع صيتهم.
وأضاف قائلا " أجدني اليوم حاضرا بين أجيال ثلاثة من القضاة، جيل أنهى مهامه الرسمية بشرف وحقّ له أن يستريح بعد أن أنهكته أعباء المهنة وأثقال الأمانة، جيل مؤسس في دولة الاستقلال كان له السبق في بناء صرح العدالة في بلادنا وبلورة التوجهات القضائية الكبرى إعمالا للعقل وتفعيلا للنص، هذا الجيل نجتمع اليوم لتكريم بعض رموزه وجيل ثان لا يزال فاعلا استلم المشعل ممن سبقه وأصر على مواصلة الجهد لاستكمال البناء، بناء السلطة القضائية وما يقتضيه ذلك من إعادة ترتيب لمشهد العدالة وتثبيته ضمن سياقه الدستوري وكذلك إعادة تركيب وعي القضاة حول معاني الاستقلالية والحياد وغيرها من ثوابت أخلاقيات القاضي. أما الجيل الثالث فهو جيل شباب القضاة، جيل مشحون بالعزم، مسكون بالإرادة ومثقل بالأحلام والآمال. له شرف المشاركة في ملحمة إعادة البناء ببلادنا خاصة في مجال القضاء والعدالة، هذه الأجيال جميعها تشكّل وحدة متكاملة ومتجانسة يأخذ فيها الشباب قواعد الصنعة وفنون المهنة وأخلاقيات الصفة ممن سبقهم."
ثم توجه وزير العدل بالدعوة إلى المعهد الأعلى للقضاء للعمل على تقوية الروابط بين أجيال القضاة من خلال إشاعة ثقافة النصح والتقويم والتعليم من جانب الكبار وما يقابله من أدب التقدير والتبجيل والتوقير من جانب الشباب ضمن سياقات ومناهج التكوين بالمعهد بالقدر الذي يضمن انتقال الخبرة والكفاءة من الحائزين عليها إلى طالبيها والجادّين في اكتسابها، منتهيا عند عملية إصدار القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء وما يتطلبه من تجنّد القضاة لبناء واجهة السلطة القضائية وعنوانها المجلس الأعلى للقضاء.
كما اختتم الوزير كلمته بالاعتراف بالفضل لرؤسائه وغيرهم من الذين جمعته هذه المناسبة لتكريمهم ممن تقلّد مهمات الإشراف والتسيير بالمعهد الأعلى للقضاء، داعيا في ذات الوقت الملحقين القضائيين إلى العمل في مستويين إثنين مترابطين :
أولهما تعميق قدراتهم على استيعاب المضامين القانونية النظرية واكتساب المهارات اللازمة لتحويلها إلى كفاءات وبراعات مهنية صناعية
وثانيهما تنمية استعداداتهم للتقيد بمجمل القيم الأخلاقية التي تفرضها الصفة القضائية لأن القاضي خادم للعدل، صائن للحقّ، رافع للظلم ولا يمكنه أن يكون كذلك إلا إذا أقام الحق على نفسه قبل غيره والتزم الحياد والنزاهة وكره أن يكون أداة للظلم أو مصدرا له.
وانتهى وزير العدل عمر منصور بالتذكير بأن "القاضي ولي من لا ولي له، فلْيستعفف ولا ينزل منازل الشبهة، ولْيتلطف بالمتقاضين حتى لا يطمع شريف في حيفه ولا ييأس ضعيف من عدله".
وإثر جلسة الافتتاح تم تكريم عدد من المديرين العامين السابقين للمعهد الأعلى للقضاء كما تم فسح المجال لتقديم عدد من المداخلات العلمية تتعلق بشرط الكفاءة العلمية وشرط الكفاءة المهنية إلى جانب الالتزام الأخلاقي للقاضي.