يعني التحرشُ , التعرضَ لشخص بهدف إثارته و اِستفزازه , و هذا عين ما نراه على مسرح السياسة في تونس , إذ أصبحت المناكفات و التجاذبات و السجالات و التلميح و التصريح... " ماعون الصنعة " عند أغلب السياسيين , و غدا الآخر المخالف الشغل الشاغل , و أصبح التقليل من شأنه و النيل منه أولى الأولويات , بدل الإهتمام بالإصلاح الداخلي و الدفع نحو التطوير و مزيد العمل للنهوض بالبلاد .
فعلا , طغت النقاشات الجانبية و الخلافات الشكلية على الساحة السياسية في تونس , و اِحتلت المنابرَ الإعلاميةَ و تصدرت عناوين الصحف , لا شك أن الإعلام هو من غذى هذه " الهوامش " و وسع دائرتها , لكن أصل المشكل و مكمن الداء يعود إلى أصحاب السياسة و إلى ضعف برامجهم و تطفل أغلبهم على الساحة التي صيَّروها , بفعل " تحرشاتهم " , إلى غابة يرتعون فيها و إلى مركب تحيد شيئا فشيئا عن وجهتها و مقصدها و هي التي تصارع الموج المتلاطم حتى تصل إلى بر الأمان و تستقرَّ .
هذا " التحرش " يحمل وجها آخر , نقيضا ربما , فالإثارة و الإستفزاز لا يكون فقط من خلال المناكفة و المناقشة الضدية , و إنما تكون أيضا من خلال المغازلة و المخاتلة , فيراود البعضُ البعضَ الآخر عن حزبه , بإغراءات و وعود قد تثير النفس و تُرضِخُها , " سمسرة حزبية " تنشط و تنتعش كثيرا في سوق البرلمان .
ما من شك أن الشعب في النهاية هو المقصود بالتحرش , و هو المؤمل في رضاه , فمنتهى غاية السياسيين هي إقناع الناس و حشدهم في صفهم , و لا تهم الوسيلة في منطق السياسيين , فالعبرة بالنتائج , لكن الكلمة الفصل تبقى للشعب , فإما أن يرضى و إما أن ينفر و يستعصم .