آخر الأخبار

حكاية الدولة الإسلاميّة من الدّاخل

كريمة قندوزي | الاثنين، 23 فيفري، 2015 على الساعة 12:25 | عدد الزيارات : 3981
في صيف 2004، اقتاد الجنود شاباً جهادياً مكبلاً بالقيود الى داخل اسوار سجن بوكا في جنوب العراق. لقد كان متوتراً عندما اقتاده جنود أمريكيون عبر ثلاث بنايات ومن ثم عبر دهاليز مليئة بالاسلاك ليصل الى ساحة مفتوحة مليئة. بسجناء يرتدون زي السجن ذي الالوان الصارخة، ينظرون اليه بحذر واعينهم تراقب تحركاته.  

«لقد تعرفت على بعضهم فورا» هذا ما قاله لي عند مقابلته الشهر الماضي. «كنت خائفا من سجن بوكا وبقيت افكر فيه وانا في الطائره ولكنه كان احسن مما توقعته.»

دخل الجهادي الذي أعطاني الاسم الحركي ابو احمد الى سجن بوكا كشاب في العقد الماضي ولكنه الان قيادي كبير في الدولة الاسلامية. لقد حصل على رتبة رفيعة مع زملائه الذين قضوا السجن معه. ان قصته لا تختلف كثيراً عن السجناء الاخرين الذين قبض عليهم الامريكيين في المدن والقرى العراقية ثم نقلوهم بالطائرات الى سجن مجهول في الصحراء الذي ساعد في تكوين اسطورة الوجود الامريكي في العراق.

قال ابو احمد ان «لقد السجناء يحب له خلال وقتٍ قصيرٍ. كان السجناء يرتعدون خوفاً من سجن بوكا ولكن سرعان ما عرفوا انه ليس سيئا للغاية حيث انه كانت الفرصة الذهبية التي وفرها لهم السجن تحت قيادة الجيش الامريكي. لم يكن باستطاعتنا ان نجتمع في بغداد او في اي مكان آخر بهذه الطريقة». و أضاف «لقد كنا امنين هنا في السجن. الأوضاع خطرة للغاية خارج اسوار السجن ولكننا هنا على بعد بضعة امتار من القيادة الرئيسية للقاعدة.»

التقى ابو احمد بابو بكر البغدادي للمرة الاولى وهو ما يعرف الآن بأمير الدولة الاسلامية والذي وصف بأنه أخطر رجل في العالم. قال ابو احمد«لقد توجه السجناء إليه منذ البداية ولكن لم يتوقع أحد أن يصل الى هذا المنصب.»

كان ابو احمد عضوا اساسيا في تشكيل الدولة الاسلامية. اجبر على الإنخراط في المليشيات وهو شاباً صغيراً بسبب الاحتلال الامريكي الذي كان يريد تغيير القوى وإعطاء السلطة الى الاغلبية الشيعية على حساب السنة الذين كانوا القوة المسيطرة سابقاً وهو ما يعتقده ابو احمد واخرين.

ان مشاركته في تكوين ما يعرف الآن بالدولة الاسلامية أدت الى حصوله على مركز رفيع في الخلايا المستجدة التي تسربت من الحدود السورية. يعتقد العديد من زملائه ان تساقط النظام في المنطقة ساهم بإعادة طموحهم في العراق والذي يعتبر الهدف الغير محقق بعد ولكن الحرب في سوريا اعطتهم ميداناً جديداً.

وافق ابو احمد للتحدث معي بعد اكثر من سنتين من المشاورات والتي من خلالها افصح عن ماضية وعن كونه جزأً رئيساً في أكبر شبكة مليشيات وعبر عن قلقه عن انتشار الدولة الاسلامية في العراق والشام وعن نظرة الدولة الاسلامية في المنقطة.

لقد أعاد ابو احمد النظر في أفكاره بعد إندلاع الحرب في العراق وسوريا و في الأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط والتي ستستمر الى أجيالٍ قادمة ملية ببحر من الدماء على أيدي رفاقه الأيديولوجيين. ان وحشية الدولة الاسلامية تتزايد بشكل كبير حسب وجهة نظر ابو احمد الذي بدأ بالتتغير مع مرور الوقت حيث أعاد النظر حول تفسير القران وليس تطبيقة حرفياً.

تفهمه لما آلت اليه الدولة الاسلامية وذلك من خلال جلسات مطولة من خلالها قدم معلومات وفيرة عن القائد الغامض وعن نشأة الخلية الارهابية والتي تعود من سنة ٢٠٠٤ وهي السنة التي التقى فيها مع ابو بكر البغدادي في سجن بوكا و إلى عام ٢٠١١ عندما بدأ العراقيون المتمردون بعبور الحدود الى سوريا.

في بداية أيام سجن بوكا اصبح السجين اليوم اخطر شخص في العالم اكثر عزلة عن بقية السجناء الاخرين الذين كانوا يرونه كشخص متحفظ وغامض. لكن سجانيه كانت لهم نظرة مختلفة حيث كانوا يرون انه شخص مراضية ومهدئ لبث الهدوء في وسط يشوبة الريبة. إن هذا التاثير ساعده لفض الشباكات بين السجناء. «كان هذا كله جزء من تمثيله» يقول ابو احمد.«أحسست انه يخفي شي غامض الذي في داخله الذي لم يرد أحدًا ان يراه. لقد كان مختلفًا جداً عن كل الأمراء الذين كانت معاملتهم سهلة. لقد كان منطويا وبعيدا عنا جميعا.»

******

ولد البغدادي إبراهيم ابن عواد البدري السامرائي في عام ١٩٧١ في مدينة سامراء العراقية. ألقي القبض عليه من قبل القوات الامريكية في الفلوجة في شهر شباط ٢٠٠٤.قام بمساعدة تشكيل المليشيات المسماة بجيش اهل السنة الجماعة والتي انتشرت بين الجماعات السنية الثائرة حول مسقط رأسه.

«لقد القي القبض عليه في منزل صديقه» قال الدكتور هشام الهاشمي المحلل والمستشار الحكومة العراقية على ما يخص بالدولة الاسلامية.

لقد كان في منزل صديقه ناصيف جاسم ناصيف. ونقل الى سجن بوكا ولكن الامريكيون لم يتعرفواعلى هويتة الحقيقة.

لقد وُزِعَ رفاق البغدادي السجناء والذين هم اكثر من ٢٤٠٠٠ سجين على ٢٤ معسكر وكل هؤلاء السجناء لم يعرفوا هويتة الحقيقية.

كان السجن هرمي التقسيم وذلك يبرز من خلال ألوان زي السجناء حيث يتعرف السجانين من خلالهم على نوع التهمة.

قال ابو احمد: «اللون الاحمر للذين إقترفوا أخطاءً في السجن، والأبيض لزعيم السجناء، والأخضر للسجن الطويل الامد والأصفر والبرتقالي للسجناء العاديين. هذا حسب ما اتذكر.»

دخل البغدادي سجن بوكا وهو يناهز 33من العمر و كان يشن حملة ضد الامريكيين والتي كان يحشد لها مليشيات من وسط وغرب العراق. إن الاحتلال الذي جاء متقنعاً بحرب التحرير اصبح استعمارًا طاحنًا. حرم اهل السنة من راعيهم صدام حسين و بدأوا القتال ضد القوات الامريكية وبعدها وجهوا بنادقهم الى المستفيدين من إطاحة صدام حسين وهم الاغلبية الشيعية.

تُعتبر مليشيات البغدادي إحدى عشرات المليشيات التي ظهرت من الجماعات السنية المتمردة تحت راية القاعدة في العراق ومن ثم تحولت الى الدولة الاسلامية في العراق. هوُلاء هم السلائف لما يُعرف الآن بالدولة الاسلامية والتي هي الان تحت قيادة البغدادي وتسيطر على وسط و غرب العراق وشرق سوريا. هذه القوة التي جذبت الجيش الامريكي الى المنطقة الهشة بعد ان انسحبوا قبل ثلاث سنوات وظنوا انهم لن يرجعوا إليها.

كانت خلية البغدادي معروفة قليلاً خلال فترة سجنه التي قضاها في سجن بوكا وكان هوا من الشخصيات الأقل تاثيرًا من قائد المتمردين ابو مصعب الزرقاوي الذي يمثل الرعب الحقيقي في العراق واوروبا وامريكا. لكن البغدادي عرف كيف يبرز شخصيته ويطغي على كل القادة الذين كانوا في بوكا و في كل أنحاء العراق و يُنسب اصل البغدادي الى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وحصل على شهادة الدكتوراة في الدراسات الاسلامية من جامعة بغداد الإسلامية. إعتمد البغدادي على كلا نسبه و شهادته لإعلان شرعيةالخلافة الاسلامية في تموز ٢٠١٤. و كان ذلك مصيرٌ متبين في ساحة السجن قبل عشرة سنوات.

قال ابو احمد «إن البغدادي معروف بهدوءه و بشخصيته الجذابة. عرفت انه شخص مهم ولكني في الحقيقة لم اتوقعه ان يصل الى هذا المستوى.»

حسب ما رواه ابو احمد و مسجونين آخرين في سجن بوكا في 2004 ان البغدادي كان له طريقته للتعامل مع سجانيه. إعتبره الامريكيون الشخص الذي يلجون اليه لحل النزاعات بين السجناء و لفرض الهدوء داخل اسوار السجن.

قال ابو احمد «مع مرور الأيام،و كلما كان هناك مشكلة في السجن برزالبغدادي كعنصر هام. وأراد ان يكون المسوُول الأول للسجناء. عندما أَنظُرُ مرةً أُخرى اجد بأنه كان يستخدم اسلوب’ فرق تسد‘ للحصول على غايته.» أُطلق سراح البغدادي في كانون الاول 2004 بعد ان قُرِّرَ انه لا يشكل خطراً.

قال ابو احمد «ان الامريكيون احترموه كثيرًا. و لذلك إستطاع زيارة السجناء في معسكر آخر متى اراد. ولكننا لم نستطع الحصول على نفس المطلب. وخلال تلك الفترة، كان يقود حملته خفيه عن انظارهم ويقوم ببناء الدولة الاسلامية. لو لا السجن الامريكي في العراق لما كان هناك الدولة الاسلامية. نحن نعتبر بوكا مصنع الذي ساعد في وبناء عقيدتنا.»

بدات الدولة الاسلامية بالانتشار في المنطقة تحت راية الرجال الذين كانوا في السجون الامريكية خلال فترة الاحتلال الامريكي للعراق. بالاضافة الى سجن بوكا، كان هناك معسكر كروبر قرب مطار بغداد كما كان هناك سجن ابو غريب في غرب بغداد الذي أُغلق بعد 18 شهرفي بداية الحرب. وحسب أقوال العديد من المسوُولين الامريكيين الذين كانوا يديرون عمليات الاعتقال إن الكثير من السجناء الذين أُطلق سراحهم ساهموا بشكل كبير في العمليات التخريبية.

«لقد حضرت عدة إجتماعات والتي قال فيها العديد ان الامور تجري على ما يرام» و هذ ما قاله علي خضيري، المساعد للسفراء الامريكيين في العراق بين 2003 و 2011 وهو ايضا مساعد لثلاث قادة عسكريون امريكيون. ومع مرور الوقت، بدأ القادة الامريكيون بقبول الواقع «أصبحت هنالك عناصر متشددة وهنالك نتائج عكسية في عدة مجالات. لقد بدوا بالتخطيط والتنظيم لتعيين قادة وشن حملات.»

ووافق ابو احمدعلى هذ.«كل الامراء كانوا يجتمعون في السجن بشكلٍ مترددٍ. وتقربنا جداً من بعضنا البعض. عرفنا مدى قدراتهم و كيفية إستخدامهم لأي سبب ما. اهم السجناء في بوكا كانوا المقرّبين من الزرقاوي الذي إعتُبر قائد المجاهدين في 2004.

اضاف ابو احمد « كان لدينا الكثير من الوقت للتفكير والتخطيط. انها البيئة المثالية. اتفقنا ان نجتمع بعد إطلاق سراحنا وكانت عملية الاتصال سهلة. كتبنا ارقامنا في ملابسنا الداخلية وعندما خرجنا من السجن اتصلنا ببعضنا. كان عندي ارقام هواتف وعنواين كل المهمين لي. و في 2009 عاد الكثير منا ليقوم بما قام قبل القبض علينا. ولكننا الان نقوم بها بطريقة افضل.»

قال المحلل العسكري الدكتور هشام الهاشمي ان الحكومة العراقية تقدر بأن عدد القادة الكبار في الدولة الاسلامية هم17 من اصل ٢٥ يديرون المعركة في العراق وسوريا كانوا مسجونين في السجون الامريكية بين 2004 و 2011. ان البعض منهم نُقلوا من السجون الامريكية الى السجون العراقية و في تلك الأثناء تم اقتحامها في السنوات الماضية و ذلك ما سمح للعديد من القاده الكبار في الدولة الاسلامية بالهروب و الإنضمام ثانية الى صفوف المتمرّدين.

تم هروب اكثر من 500 سجين عند اقتحام سجن ابو غريب في 2013 حيث كان البعض منهم قاده جهاديين الذين تم اعتقالهم من قبل الامريكان وقد هربوا في تموز 2013 بعد ان اقتحمة عناصر الدولة الاسلامية وقامت هذه العناصر بنفس العملية على سجن الطاجي.

اغلقت الحكومة العراقية سجن ابو غريب في نيسان 2014 الذي يبعد 15 ميلا عن غرب بغداد و مازال مقفلا. هو قريب من الخط الامامي للقتال بين الدولة الاسلامية والقوات العراقية قليل الجاهزية وهو قرب الطريق بين الفلوجة والرمادي.

ان اجزاء من هاتين المدينتين اصبحوا ارضا محظورة للقوات العراقية المحاصرة الذين دحرتهم الدولة الاسلامية فهي عصابة من القتلة الذين لا نظير لهم في بلاد ما بين الرافدين منذ المغول. عندما زرت السجن المهجور في آخر هذا الصيف، كان هنك جنود عراقيون في نقطة التفتيش على طريق بغداد الرئيسي يأكلون البطيخ كم كان هناك دوي القنابل البعيدة. كانت جدران السجن خلفهم والجهاديين الاعداء راهنين على الطريق امامهم.

ان الكشف عن التعذيب في سجن ابو غريب كان له التأثير المتشدد في نفوس العراقيين الذين رأوا في الاحتلال الامريكي حضارة مزعومة و تقدم بسيط بعد طغيان صدام. بالرغم من وجود شكوى قليلة عن التعذيب في سجن بوكا الى حيث اقفاله في عام 2009، الّا ان العراقيين اعتبروه كرمز قوي للسياسة الغير عادله التي أدى بالآباء والأبناء والأزواج العراقيين — بعضهم مدنيين — في سجون كنتيجة للمداهمات العسكرية على مناطق سكنية.

وفي ذلك الوقت رد الجيش الامريكي علميات التوقيف قانونية وانها شبيهة بما تقوم به اي قوات ضد العمليات الارهابية كعمليات الجيش البريطاني في ايرلندا الشمالية، الاسرائيلية في غزة والضفة الغربية وكذلك النظامين السوري والمصري.

ان البنتاغون يستمر بالدفاع عن سجن بوكا حتى بعد مرور 5 سنوات على إغلاقه ويعتبره مثلًا لتطبيق القانون في وقتٍ صعبٍ. «خلال العمليات العسكرية بين 2003 و 2011 قامت القوات الامريكية بسجن آلاف من سجناء الحرب» صرح الكولونيل ميلز ب كاجينز وهو المتحدث الرسمي لوزارة الدفاع الامريكية لشوُون السجناء. «هذا النوع من التوقيف سائد خلال الحروب. إن توقيف المشبوهين في عمليات الارهاب هو امر قانوني وهو الطريق الانساني لحماية امن واستقرار المواطنين.»

********

بعد إفراج عن البغدادي، أُفرج عن أبو أحمد أيضًا. بعد وصوله الى مطر بغداد اخذه رجال قابلهم في سجن بوكا الى بيت في غرب العاصمة ومن هناك إنضم ثانية للمجاهدين الذي تحول من المعركة ضد الاحتلال الى حرب دامية ضد العراقيين الشيعة.

انتشرت فرق الموت في بغداد وخاصة في مركز العاصمة وقاموا بقتل عناصر من الشيعة وبدوا بتهجير السكان من المناطق التي يسيطرون عليها. تغيرت العاصمة كثيراً على ابو احمد. اصبح من الممكن مراقبة كل تطور جديد في الحرب الطائفية بمساعدة السجناء الجدد قي بوكا . لقد عرف ابو احمد الاجواء التي عاد اليها و كان لقادته في السجن خطط له.

عندما وصل ابو احمد الى منزله في غرب بغداد، قام بقطع الحبل الموجود في لباسه الداخلي والذي يحوي ارقام زملاءه في السجن وبدأ الاتصال بهم لبدا العمل. «قام زملائي في السجن بالاتصال ببعض وكانت العملية سهلة للبقاء على اتصال.» يبتسم ابو احمد خلال الحديث معي عندما يتذكر خطتهم. «ان ملابسنا الداخلية جعلنا نربح الحرب.»

كان هدف الزرقاوي اعاده احياء 11 ايلول لتصعيد الموقف. لقد اراد شيئا لنقل الحرب الى قلب العدو وبالنسبة له يمكن ان يحدث هذا من خلال هدفين: كرسي للقوى الشيعية او تشكيل رمز ديني. في شهر شباط 2006، وبعد شهرين ثانين’ فجر الزرقاوي الامام العسكري في سامراء شرق بغداد. عندها اشتعلت الحرب الاهلية وتحققت طموحات الزرقاوي.

عندما سالته عن نتائج هذا العنف، سكت ابو احمد لثواني لاول مرة خلال جلساتنا المتعددة. «كان هنالك سبب لاشعال الحرب، و لم يكن السبب لانهم شيعة ولكن لان الشيعة دفعونا لهذا الموقف. لقد سهل الجيش الامريكي نقل السلطة لهم وهم كانوا متواطئين مع بعض.»

عندها بدأ الحديث عن الرجل الذي اعطى الاوامر: «كان الزرقاوي ذكيا وكان من احسن المخططين الاستراتيجيين الذين حضت بهم الدولة الإسلامية. كان ابو عمر البغدادي شرسا» قال ابو احمد وهو يصف خليفة الزرقاوي والذي قتلته القوات الامريكية في نيسان 2010 . «ولكن البغدادي هو الاكثر تعطشا للدماء.»

« عندما قتل الزرقاوي، ظهر العديد من رفاقه اللذين كانوا متعطشين للدماء اكثر منه. كان فهمهم للشريعة والانسانية رخيص جدا. لم يفهموا التوحيد ( المبدأ القراني لتوحيد الله) بالطريقه التي يجب فهمها. لا يجب علينا فرض التوحيد عن طريق الحرب.»

بالرغم من التحفضات التي بدأت تظهر بعد 2006، اصبح ابو احمد جزءأ من جهاز القتل البشري التي تعمل بسرعتها القصوى خلال سنتين. تم تشريد الملايين وتهجير العديد من الاحياء السكنية وتعرض العديد للقسوة الوحشية.

في ذلك الصيف، قتل الجيش الامريكي الزرقاوي بمساعدة المخابرات الاردنية في ضربة جوية شمال بغداد. في نهاية 2006، اصبح التنظيم ضعيفا حيث اقتلعت جذورة من الانبار واضمحل وجودهم في انحاء العراق. ولكن حسب ما قال ابو احمد ان التنظيم استخدم هذه الفرصة لاعادة احيائة وابراز النظام و تاكيد هويته. اعتبرت السنوات بين 2008 و 2011 سنوات هدوء موقت وليس هزيمة.

في هذا الوقت، ظهر ابو بكر البغدادي وشاع صيطه كمساعد امين للقائد ابو عمر البغدادي ومساعدة الجهادي المصري ابو ايوب المصري. منذ ذلك الحين، قال ابو احمد، بدأت الدولة الإسلامية بالاتصال بالعناصر البعثية في النظام السابق وهم الذين يشاركونهم المبدأ بان العدو هو الامريكان والحكومة الشيعية التي تساندة.

ان التجسيد الاولي للدولة الاسلامية انخرط مع البعثيين الذين خسروا كل شي عندما اطيح بصدام حسين واصبح المبدأ «عدو عدوي صديقي» ولكن في بداية 2008 وهذا حسب ما قاله ابو احمد ومصادر اخرى ان هذه الاجتماعات اصبحت متكررة والعديد منها كان في سوريا.

ان الربط بين سوريا والمتمردين السنة في العراق كان مصدر قلقللحكومة الامريكية والتي اشارت اليه في اجتماعات عده في بغداد مع الحكومة العراقية. ان الحكومتين العرالعراقية والامريكية مقتنعون ان الرئيس السوري بشار الاسد يساهم في فتح الابواب للجهاديين والسماح لهم للطيران من الاراضي السورية وان المسوولين السوريين ساعدوا في عبورهم للاراضي العراقية. “ ان كل الاجانب دخلوا عن طريق سوريا. هذا امر معروف” قال ابو احمد

*****

في عام 2008، بدأ الجيش الامريكي بالتفاوض حول نقل السلطة الى المؤسسات العراقية الضعيفة وتمهيد الطريق لخروجهم من العراق. لقد كان هناك فئات عراقية قله استطاع الامريكان الوثوق بهم في الحكومة العراقية ومن ضمنهم الجنرال حسين علي كمال، مدير المخابرات في وزارة الداخلية. كان علمانيا كرديا وحصل على ثقة الحكومة الشيعية. من اهم احد مسوؤلياته هو تامين بغداد من العمليات الارهابية.

كان حسين علي كمال مقتنعا مثل الامريكان ان سوريا وراء زعزعة الامن في العراق. لقد وصل الجنرال الى هذه النتيجة بعد عدة تحقيقات اجراها مع جهاديين الذين تم القاء القبض عليهم. خلال العام 2009، افصح الجنرال وذلك خلال لقاءات عديدة عن ادلته واستخدم خرائط توضح الطرق التي سلكها الارهابيون لعبور الحدود الى غرب العراق كما انه قال لي الاعترافات التي ساندت رحلات الارهابين وعلاقاتهم مع مسؤولين سوريين في المخابرات السورية.

عندما انحسرت عمليات الدولة الإسلامية في العراق، اصبح مهووسا باجتماعين حصلوا في سوريا عام 2009 والتي حظر بها جهاديين عراقيين ومسؤؤلين سوريين وبعثيين سوريين وعراقيين. اصيب الجنرال حسين بسرطان نادر في 2012 وتوفي في بداية هذا العام وهو صرح لي بنشر حوارنا وقال: « قل لهم الحقيقة» وهذا خلال اخر مقابله معه في شهر حزيران 2014.

قابلته للمرة الاولى في 2009 واعطاني تفاصيلا دقيقه حول الاجتماعين السريين في منطقة الزبداني قرب دمشق، والتي حدثت في ربيع تلك السنة. كان من الحاضرين للاجتماع قادة بعثية التجؤا الى سوريا بعد سقوط نظام صدام، ومخابرات سورية وشخصيات مهمه في ما يعرف ذاك الوقت بالقاعدة في العراق. لقد طور النظام السوري علاقاته مع المتمردين خلال الايام الاولى من الاحتلال الامريكي واستخدموهم كاداة لزعزة امن الامريكان وخططهم في العراق.

«عند بداية 2004 و 2005 بدا التواصل بين المتمردين الاسلاميين والبعثيين» حسب اقوال علي قدري، المستشار السابق للسفاراء الامريكان و المسوؤلين الرفيعين المستوى في العراق. «لقد كانوا منظمين وعالمين بالوضع على ارض الواقع. مع مرور الوقت. تحول بعض البعثيين الى اسلاميين متشددين وبدأ الوضع بالتأزم. مع سنة 2007، قال الجنرال ديفيد بطرس ان الامور واضحة جدا وان العلاقه بين المخابرات السورية والجهاديين متوطدة ولكن الحوافز ليست متطابقه ٪ 100.»

اوضح ابو احمد من خلال مقابلاتنا ان العلاقات السورية واضحة في العمليات التخريبية في العراق. «لقد عبر المجاهدين من سوريا. لقد عملت مع العديد منهم. ان اصحابي الذين كانوا معي في بوكا قدموا الى العراق عبر المطاؤ في دمشق. وهناك عدد قليل جاء من تركيا او ايران. ان غالبية الذين جاؤا لمساعدتنا عبروا من سوريا.»

يعتبر المسؤولون العرافيون خط التمويل الخطر الاساسي للحكومة العراقية والذي يعتبر العامل الرئيسي لتسميم العلاقات بين رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي والرئيس السوري بشار الاسد. كان المالكي مقتنعا ان بداية الحرب الاهلية هي خطة بشار الاسد لزعزعة نظامة وهي طريقة لاحراج الامريكان وان الادلة التي امتلكها في 2009 خلال مقابلته في دمشق ادت الى اشمئزازة من الرئيس السوري .

«كان مصدرنا في الغرفة مرتديا جهاز تصنت» قال الجنرال حسين. «كان هذا اكثر المصادر حساسية. حسب علمنا، هذه هي المرة الاولى التي حصل فيها لقاء استراتيجي على هذا المستوى بين كل الاطراف. هذه هي بدايه نقطه هامة في التاريخ.»

وفق مصدر الجنرال حسين ان حضور البعثيين للاجتماع هو للتوافق على سلسلة من الهجمات على بغداد وتقليل شعبية رئيس الوزراء العراقي الشيعي نوري المالكي والذي للمرة الاولى ساهم في تنظيم ما بعد الحرب الاهلية في العراق. حتى ذلك الوقت، كان البعثيوم والقاعدة في العراق على اختلاف تام في الايديولوجية ولكن الصعود للشيعة في العراق ومساندة ايران لهم دفعت الطرفين للتوحد.

في تموز 2009، زادت وزارة الداخلية عدد نقاط التفتيش حول نهر دجله في بغداد مما اصبح من الصعب التنقل في اي وقت. تلقى الجنرال حسين رسالة من مصدرة في سوريا يقول فيها ان تشدد الامن على الجسور دفع بالقاعدة لتغيير الخطة. لقد اختاروا الان اهدافا جديده ولكنه لا يعلم ما هي الاهداف او متى ستتعرض للقصف. قضى الجنرال حسين اسبوعين كاملين في مكتبه جنوب بغداد في منطقه العرصات قبل ان يهاجم رتل على جسر 14 تموز وهو الهجوم الذي حصل قبل ايام من ضرب بيته في المنطقة الخضراء.

اما بالنسبة لبقية الشهر، قضى الجنرال ساعات عديدة يركض فيها على جهاز الركض يامل ان يساعده التدريب على التفكير بشكل جيد وان يسبق الارهابين في خططهم ويحبطها.

«ان الركض يساعدني على الخسه ولكته لم يساعدني على معرفة خطط الارهابيين» هذا ما قاله لي قبل ان تحصل الهجمات.«انا اعلم ان لديهم خطة كبيرة.»

في صباح 19 ايلول، انفجرت اول الشاحنات الثلاث المحملة بالمتفجرات قرب وزارة المالية جنوب شرق بغداد. سمعت اصداء الانفجار في كل انحاء المدينة. وبعد ثلاث دقائق، حصل الانفجار الثاني على ابواب وزارة الخارجية في الجهة الشمالية من المنطقة الخضراء وبعدها بقليل انفجار على رتل الشرطة قرب وزارة المالية. هذه الانفجارات ادت بحياه 101 شخص وجرحت 600 اخرين. كانت هذه من اعنف الهجمات خلال الست سنوات من العنف في العراق.

«لقد فشلت» قال الجنرال في ذلك اليوم. «لقد فشلنا جميعا» هذا ما قاله لرئيس الوزراء نوري المالكي وقادته الامنين. كان رئيس الوزراء غاضبا جدا. «لقد طلب مني تقديم كل الادلة الى السوريين وطلبنا من تركيا ان تكون الوسيط. سافرت الى انقرة وقابلتهم هناك واخذت معي الملف الذي يحوي كل المعلومات» اشار الى الملف الابيض على مكتبه. «لم يستطيعوا تجاهل او انكار ما ابرزته من ادلة. كانت القضية واضحة والسوريون عالمون بها. كان علي مملوك (المسؤول عن الامن السوري) حاضرا والذي ابتسم لي وقال:< انا لا اعترف باي اوراق رسمية من حكومة تحت الاحتلال الامريكي.> هذه مضيعة للوقت.» سحب العراق دبلوماسيية من دمشق وقامت سوريا بسحب دبلوماسييها. بقيت العلاقات متوترة حتى بداية 2010 بين المالكي والاسد.

في اذار 2010، القت القوات العراقية القبض على القائد الاسلامي مناف عبد الرحيم الراوي وذلك بمساعدة الامريكان. تم التحري عنه وعرف العراقيون انه واحد من اهم القادة المتمردين في بغداد وهو واحد من القلة الذين لهم علاقة وثيقة بابو عمر البغدادي. اعترف الراوي وقامت اجهزه المخابرات العراقية بالتعاون لالقاء القبض على ابو عمر البغدادي بعد ان وضعوا جهاز تنصت في باقة ورد ارسلت الى بيته.

قام الامريكان بمداهمة المكان بعد ان تم التاكد ان ابو عمر ومساعدة ابو ايوب المصري حاضرين في بيت يبعد 6 اميال عن جنوب غرب تكريت. فجر الشخصين نفسهم ليتجنبوا السجن. لقد وجد الامريكان رسائل الى ابن لادن وايمن الظواهري في الكمبيوتر في ذلك البيت. كان منزل ابو عمر شبيها بمنزل ابن لادن في باكستان حيث لا يوجد انترت او خط للهاتف. كل الرسائل تتناقل عن طريق ثلاثة رجال. احدهم هو ابو بكر البغدادي.

«كان ابو بكر المراسل لابو عمر» قال ابو احمد. «لقد اصبح المساغد المقرب له. قام ابو بكر بكتابه اكثر الرسائل المرسلة الى ابن لادن . اصبح ابو بكر القائد بعد ان قتل ابو عمر. ان الوقت الذي قضيناه في بوكا كان في غاية الاهمية.»

اعتبرت الدولة الاسلامية مقتل ابو عمر البغدادي وابو ايمن المصري نكبة كبيرة ولكن سرعان ما احتل المنصبين من قبل خريجي بوكا وقام المنسقون بعملية التحضير لهذه اللحظة وذلك خلف جدران السجن جنوب بغداد. « لقد كانت مدرسة ادرايه ولم يكن هنالك اي بطاله لان الجميع لديهم معلمين جيدين في السجن.»

«عندما بدات الحرب الاهلية في سوريا تشتد» اضاف ابو احمد. «لم يكن من الصعب ان ننقل خبراتنا الى معركة مختلفة. ان العراقيين يحتلون المناصب المهمة في الجيش وفي مجلس الشورى في الدولة الاسلامية الان وذلك بسبب تحضيراتهم لسنوات عديدة. لقد استخففت دور البغدادي كما استخف الامريكان به.»

*****

لقد بقي ابو احمد عنصرا في الدولة الإسلامية وهو عنصر فعال في العمليات العسكرية في العراق وسوريا. لقد بين لي من خلال اللقاءات المتعددة انه باق في هذا التنظيم قسرا ولكنه يخشى المغامرة بتركهم.

ان الحياة في هذا التنظيم تعني السلطة، المال والزوجات والهيبة. ان كل هذه العناصر مغرية للشباب الذين يريدون القتال لهدف ما. ولكنها ايضا تعني القتل والسيطرة من خلال نظرتهم على العالم. قال ابو احمد ان هنالك العديد من الرجال مثله الذين انخرطوا للجهاد ضد الاحتلال الامريكي ولكنهم لا يومنون بان المظاهر الاخيرة في هذه الحرب الطويلة تبقى تمثل نفس النهج.

«انها اكبر غلطة في حياتي اني انظممت اليهم» قال ابو احمد ثم اضاف ان ترك التنظيم يعني الموت الموكد له ولجميع افراد عائلته. ان البقاء في التنظيم وفرض نظرتهم الوحشية بالرغم من التبرأ الجزئي منهم لا يزعج ابو احمد الذي يرى ان هناك خيارات قليلة له.

«اريدك ان تعلم اني اومن بالجهاد» قال ابو احمد «ولكن ما هي الخيارات التي املكها الان؟ سوف يقتلوني اذا تركتهم.»

ان الاساس لانخراطه بما يعرف الان باخطر خلية ارهابية في العالم والذي يعكس سبب انخراط العديد ايضا وحصوله على مركز مسوول في هذا التنظيم هو اولا بسبب المعركة ضد الجيش المحتل واحراز هدف ضد العدو الطائفي والان اصبح حربا التي ممكن ان تثبت نهاية النبوءة.

في عالم الخريجين من بوكا، هناك مساحة صغيرة للتعديل او التامل. لقد انجرف ابو احمد خلال الاحداث مثل العديد من اصدقائه.

«هناك اخرين الذين ليسوا ايدولوجيين» وهو يشير الى عناصر قيادية في الدولة الإسلامية وهم مقربين الى البغدادي . «هولاء اشخاص بدوا من بوكا مثلي وبعدها اصبح الامر اكبر واقوى منهم. لا نستطيع التوقف الان. كل شي خارج عن ارادتنا وخارج عن ارادة البغدادي او اي شخص اخر في هذه الدوامه.»

المصدر : ذوقارديان The Guardian

كلمات مفاتيح : داعش،
آخر الأخبار