لما كان التاريخ كما يقول صاحب المقدمة "في ظاهره لا يزيد عن الإخبار وفي باطنه نظر و تحقيق" تعين على أصحاب الشأن في تونس من مهتمين بالشأن العام و المجتمع المدني و هم ذروة سنام الوعي الجمعي الذي يُعاد صياغته التنبه لكل ما قد يهدد التجربة الديمقراطية الفتية في البلاد.
نقول هذا الكلام و نحن مقرون بانتخابات حرة و نزيهة و شرعية (شابتها شوائب مقبولة في الديمقراطية العربية الوحيدة الناشئة) صعد بموجبها حزب لم يكن له قبل الثورة هو حزب حركة نداء تونس هذا الحزب الذي يقر في نظامه الأساسي باستناده إلى "الفكر الإصلاحي التونسي وإلى التراث الإنساني العالمي وقيم الحرية والعدالة الاجتماعية" كما يؤكد على التمسك بالمكاسب "العصرية للدولة التونسية التي حققت منذ خمسين سنة وفي المقدمة مجلة الأحوال الشخصية
هذا الحزب الذي حصل على التأشيرة القانونية في عهد الترويكا (7 جويلية2012 ) لم يقم مؤتمره الأول بعد و لم تُعرف آليات التصعيد فيه يُرجع أسباب الثورة فيما يرجعها إلى "أن العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية غيبت بهيمنة الحزب الواحد في إدارة شؤون الدولة وهو ما أفسح المجال للشباب بالقيام بثورة حقيقيّة أطاحت بنظام الفساد و الاستبداد في هبّة شعبيّة أعادت لتونس روحها التّحرّريّة النّيّرة ، وامتدت رحّاها لتشمل أوطانا عربيّة أخرى"
كما يرجع في جزء من وثائقه التأسيسية نجاح الثورة في جزء منها إلى "الحفاظ على أركان الدولة وإطلاق الحريات والانفراج السياسي واستمرار الخدمات العمومية تفاديا للانهيار العمومي" إضافة إلى "إدارة أزمة سياسية إنسانية حادة على حدودنا الجنوبية"
أما ما حدى برئيسه إلى المبادرة بإصلاح "نتائج التشتت السياسي الكارثية" فهو غياب التوازن في الحياة السياسية الذي أكدته انتخابات 23 أكتوبر 2011 و التي نجم عنها "تشويه صورة تونس" و "المس من مصداقيتها بتخفيض الرقم السيادي" و"انتشار العنف و الاعتداء على البعثات". هذا من ناحية الشكل الذي ارتضاه محمد الباجي حسونة قائد السبسي (88 سنة)أما من ناصره و كان معه لحظة التأسيس فهم رعيل من “الجيل الخامس من الحركة الوطنية التونسية ” ضم نقابيين و تجمعيين و يساريين في خليط جمع الفكر البورقيبي بالتروتسكي اليساري بالنضالي في خلطة فريدة يرجع البعض لها الفضل في تقدم الحزب على غيره من المنافسين.
هذه التركيبة تم جمعها في هيئة تأسيسية من صلاحياتها ” فتح باب الانخراط و تسيير الحزب و تحوير القانون الأساسي للحزب بطلب من أغلبية أعضائها إلى حين انعقاد مؤتمره الأول الذي تتكفل الهيئة التأسيسية بالإعداد له و بانجازه والتي تحلّ مباشرة إبان انعقاده.”
و تم تطعيمها بدائرة ثانية لا يُعرف شكل التصعيد الذي تم من خلاله التحصل على تركيبتها هذه الدائرة الثانية هي المكتب التنفيذي الذي يضم 97 عضو والذي ينتخبه ، و يتولى القيام بالمهام التالية :
1) تنفيذ قرارات المؤتمر و المجلس الوطني
2) وضع برامج عمل سنوي.
3) وضع اللوائح المنظمة للهيكلة التنفيذية و عرضها على المجلس الوطني.
4) وضع مشروع الميزانية العامة و متابعة تنفيذها بعد المصادقة عليها.
5) إتخاذ المواقف مختلف المسائل المطروحة على مستويين الوطني و الدولي.
6) تكوين لجان مختصة دائمة و مؤقتة
7) إمكانية إحداث فروع في الخارج تمثل الحزب.
8) الاعداد للمؤتمر العام و لدورات المجلس الوطني وفقا للنظام الأساسي للحركة.
9) المصادقة على قرارات لجنة النظام و التأديب و له صلاحيات العفو و التخفيف من العقوبات. و الذي ينتخب كذلك أعضاء المكتب التنفيذي من بين "قائمة من أعضاء الحزب الذين سبق لهم تحمل مسؤولية مركزية أو جهوية لمدة لا تقل عن ثلاثة اعوام".
يجدر التنويه أن لحركة حزب نداء تونس مجلسا وطنيا يضم 480 عضوا عقد منذ تأسيس الحزب 4 دورات عادية آخرها قبل أكثر من 5 أشهر .
في معرض التعليق الرقي على ما ورد من معطيات يمكن أن نستنتج :
1) كان من المثير تحول عدد كبير من النواب عن الأحزاب التي ترشحوا ليلحقوا بحزب نداء تونس و نذكر منه خميس كسيلة و عبد العزيز القطي و ابراهيم القصاص. فما الذي قد يجمع بين خلفية كل واحد منهم ليترك الحزب الذي مكنه من مقعد تحت قبة باردو ليلتحق بالنداء دون غيره؟
2) أثار النداء لغطا إثر مساندته بل قيادته لما سمي "اعتصام الرحيل" الذي شهدته بطحاء المجلس الوطني التأسيسي إثر استشهاد النائب عن التيار القومي الحاج محمد البراهمي و الذي تلاقى بموجبه اليساري المتطرف الذي ينادي بإلغاء ديون تونس الخارجية مع الليبرالي وكيل الشركات الكبرى المنتم لحركة نداء تونس و الذي زود الاعتصام الرمضاني بـ "الروز بالفاكهة" و المحليات. ما الذي قد يجمع بينهما ليتنادى شباب الوطد و منظمة الشباب الشيوعي و غيرهما من فصائل اليسار و النداء و آفاق تونس الليبرالي و ما لف لفهما من أحزاب “ديمقراطية مناضلة "لإقامة خيام موازية" بجانب المؤسسات الرسمية و إقامة حكومة "النافورة" محاكاة لحكومة القصبة ؟ و هل لزيارة نجيب ساويرس عراب الانقلاب المصري هذه الأيام لتونس علاقة بما أُشيع عن رغبة البعض في استنساخ النموذج المصري
3) هل كانت دعوات النداء المساندة لجرائم بشار و الزيارة التي قام بها عضو المكتب التنفيذي و العضو المؤسسة الأزهر العكرمي إلى دمشق أثناء الحملة الانتخابية رسالة طمئنة لأطراف ما و توعد لأطراف أخرى؟
4) و هل لاعتقال الناشط السياسي “توفيق الطاهري ” بمنطقة قرقورة من ولاية صفاقس على خلفية كتابات منددة بعودة التجمع علاقة بما أُشيع عن احتفال بعض انصار النداء برجوع المنظومة القديمة و تهديدهم لبعض المواطنين من المنتسبين إلى أحزاب أخرى بالسحل؟
5) و هل أن التدقيق في مصارف بعض الجمعيات التنموية و الخيرية و مداخيلها و غلق حسابات بعضها علاقة باستبعاد الكاتب العام للحكومة السابق و استقدام آخر يتناقل البعض قربه الشديد من رجالات النداء؟ هل الأمر مجرد تطبيق للقانون ؟ أم هو محاولة لتدجين جزء هام من المجتمع المدني ؟ أم أن منظمو التجمع بدأت في العودة؟
6) هل أن ظاهرة نزع بعض التونسيات للحجاب في إدارات بعينها (وزارات السيادة خاصة) علاقة بنتائج الإنتخابات و الأنباء الواردة عن تهديدات بالرجوع إلى سياسة التصنيف ؟ أم أن الأمر متربط بطبيعة التونسي؟
7) هل ان تحرش الباجي قائد السبسي بهيئة الحقيقة والكرامة المدسترة و نعته لها بأنها هيئة ” تصفية حسابات” مؤشر مطمئن على مسار العدالة الإنتقالية ؟ و ما علاقة هذه التصريحات باستقالة السيدة نورة البورصالي التي تفيد المصادر أنها تعرضت لضغوط شديدة الفترة الأخيرة؟
8) و ما هو موقف المتابعين من المجتمع المدني و الطبقة السياسي من دعوة الأمين العام لحزب نداء تونس رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان سابقا الأستاذ الطيب البكوش الذي ضمنها في حوار له مع إحدى اليوميات دعوة صريحة إلى حل الأحزاب التي تدعم المرشح الرئاسي محمد منصف المرزوقي؟ ألا يُعتبر الامر تدخلا في شان قضائي بحت؟بل و مؤشرا على غلبة الطبع على التطبع؟
9) و هل أن التهديد الذي رواه الصحفي سمير الوافي و الذي جاء على لسان السيد محسن مرزوقي المنسحب من مناظرة تلفزية و الذي مفاده أنه لن ينسى للصحفي استضافته لمرشح آخر للرئاسية و هو يدخرها له لوقت آخر .هل أن هذا التهديد أمر هين؟سيما إذا علمنا أن السيد محسن مرزوق الناشط المدني كان قد هدد سابقا مراسل الجزيرة حافظ مريبيح في تونس (على هامش اعتصام الرحيل) بمصير مماثل لمصير مكتب الجزيرة في مصر.و هدد رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي الذي أبدى رأيه في انتخاب الباجي ؟ هل هذه حرية الإعلام التي ينتظرها التونسيون؟
10) و هل يمكن الاطمئنان إلى الدعوة التي أطلقها السيد خميس كسيلة القيادي البارز المنشق عن حزب التكتل و الملتحف بنداء تونس و التي توعد فيها البشير بن حسن بالعزل؟و ألا يكون تناقض حزب نداء تونس الذي استقبل رئيسه من يصفهم بمشائخ الزيتونة (رغم أن الزيتونة مغلقة من أكثر من نصف قرن ؟؟ ) صارخا و هو الذي ينكر على الشيخ البشير بن حسن ظهوره مع المرزوقي؟و هل من علاقة بذلك بالحمالة التي انطلقت لمهاجمة بعض الدعاة (الاعتداء على منزل داعية أصيل بنزرت و طعن الشيخ محفوظ درعة أصيل القصرين؟هل يأمن التونسيون على معتقداتهم و حرية ممارسة الشعائر الدينية بمثل هذا الخطاب ؟خصوصا أنه صادر عن شخصية عُرفت بالشذوذ في المواقف و الأفعال (حادثة محاول اغتصاب السكرتيرة و بيان جمعية النساء الديمقراطيات المساند لها مثالا).
11) هل أن قبول جزء واسع من التونسيين لشخصية الباجي و تعلقهم(شأنهم شان جماهير الأمة العربية منذ عبد الناصر) بـ "قائد" أو "أب" روحي يعطيه الحق ليقول ما قال على منصة القبة يوم 15 نوفمبر من كلام خادش للحياء في باب التدليل على قدرته البدينة؟
12) و هل أن تقسيم المجتمع بين "حداثة و رقي" و "سلفية و تكفير" هو أفضل خطاب انتخابي ممكن؟ هل من الصواب تقسيم التونسيين(الذي طالعنا به السيد مرزوق) إلى أصحاب دم أحمر و أصحاب دم أسود ؟ هل هذه هي الرسائل المنتظرة في فترات الانتقال الديمقراطي الصعبة؟هل يلوم قائد النداء غيره على ما بنى هو عليه استراتيجيته : تقسيم التونسيين طولا و عرضا شمالا و جنوبا و تخلفا و فقرا. هل يطمئن كل التونسيين لهذا الخطاب ؟ هل هو مؤشر على تشارك في الحكم و تداول سلمي على السلطة؟
ختاما يعتقد جانب كبير من المتابعين و المهتمين بالشأن السياسي أنه يتعين على الذين يخشون على الثورة من ناحية إتمام بنائها و الحرص على عدم تشوهها وعدم الإنجرار لمربع العنف و رد الفعل الانتباه إلى ما قد يحدث من رغبة بعض أنصار النظام القديم و أذنابه من دعوات للانتقام خاصة في هذه المرحلة الدقيقة و ذلك أساسا من خلال :
الهوامش :
la Reconquista : كلمة إسبانية و تستعل في البرتغالية ايضا معناها المتداول يحلي على معارك الإسترداد التي أقامها المسيحيون لطرد المسلمين من الأندلس و التي صحبتها عمليات انتقامية واسعة و محاكم تفتيش على الهوية الخ..و هو مصطلح استعرناه لبيان نمط في التفكير ظهرت أماراته لدى قلة قليلة من التونسيين تجاه جزء آخر من باب التنبيه على خطورة الأمر و وجوب تجاوز هذه المرحلة الحساسة من خلال خطاب عقلاني يحقق للثورة أهدافها دون إفلات للجناة من العقاب
ملاحظة : يستعمل الإسبان في لغتهم أداة الإستفهام في أول الجملة و آخرها.
المراجع :