السياسة هي فنّ التّعامل مع الواقع / مع الممكن ...و ليست حروب دونكيشوتيّة لا تنتهي و لا تثمر غير الخيبة وراء الخيبة ..
السياسة هي أيضا نوع من الحروب السّلميّة - إن جاز التّعبير - لها وسائلها و تكتيكاتها و خططها و استراتيجيّاتها ... و ليست مجرّد ترديد هستيريّ لشعارات الثّوريّة دون تعامل مع مفردات الواقع ، ودون العمل على الانتشار في المجتمع وتقوية المنظومة الحزبيّة كما فعلت النهضة ...
ما حدث قد حدث ... من أراد أن يدافع عن الثورة حقيقة كان عليه أن يقوّي حزبه و أن يعمل على جعله قوة مادية محسوسة في الشارع ، يستفيد منها انتخابيا أو جماهيريا في التحركات الكبرى ...
هذا ما لم يفعله المؤتمر ولا وفاء ولا التكتل ولا الجمهوري ولا ولا ولا ...
إذن لم يبق في خط المقاومة سوى النهضة وحيدة عزلاء إلاّ من حناجر أبنائها و سياسة قادتها ... لا حليف يسندها داخل تجمّع ذئاب يحيط بها من كلّ جانب ( النداء ، الجبهة ، الحرّ ، آفاق ، الإعلام ، الاتّحاد ، الجهل ... ) والجميع يدفعونها إلى الحرب بالوكالة ... اذهب أنت وربّك و قاتلا ... يسبّونها لأنّها لم تقدّم مرشّحا لرئاسة البرلمان ، ونتمنّى أن يجيبونا : من كان سينتخبها ؟ أحزابكم العظيمة الصّفريّة أم عنتريّاتكم المجيدة ...؟
المهمّ : حافظوا على آخر قلاعكم في مواجهة الاستبداد ، وأقيموا عليها الحجّة إذا غدرت ... لا تهدموا أحجارها بأيديكم لمجرّد الاستعراض و المزايدة ...
حركة النّهضة أمامها امتحان محدّد ، إذا رأيتموها تفشل فيه و تعلن مساندتها للسبسي في الرئاسة ، و لو سياسيّا ، فإنّي أقسم أنّ ذلك سيكون مقياس الحكم عليها و لن يشفع لها بعد ذلك شيء مهما تحجّجت و تعلّلت ...
في انتظار ذلك ... ركّزوا على المعركة الحقيقيّة ... العمل على مساندة المرزوقي بكلّ وسيلة ممكنة ، والتعويل على الجميع ، نهضة و غير نهضة ،
هناك دخان كثيف و عجاج و غباره تثيره أيدٍ لها مصلحة في هذا التّلاسن و التّهجّم و المزايدات ... إنّهم يخلقون لكم ساحة موهومة لحرب غير موجودة و أنتم تنجرّون إليها كالفئران التي لا تستطيع أن تقاوم الجبن ، وفي النهاية تجد نفسها في المصيدة