لشعب في الصناديق في انتخابات 23 أكتوبر 2011. لقد تكشفت نوايا عديدة وغريبة إثر انهيار سقف النظام القديم وعبرت أطراف عدة وبشكل مباشر وبأساليب مستفزة عن مواقف معادية لهوية الشعب التونسي سواء عبر الخطاب الإيديولوجي أو عبر أعمال تصنف فنية وإبداعية. وسواء كانت تلك المعركة حقيقية أو مفتعلة بهدف صرف أنظار التونسيين عن الملفات الحقيقية فقد خاض "مثقفو الهوية" تلك المعركة ببسالة وشجاعة وبدرجة عالية من المعقولية والموضوعية ضمن رؤية توحيدية للتونسيين وضمن هوية جامعة مؤلفة بعيدا عن منطق "نحن وهُم" وبعيدا عن دعوات الصراع الهَوَوي . ـ دون إغفال بعض الأساليب المنفعلة أو العنفية الصادرة عن شباب متحمس مندفع مارس بعض الثأر التعبيري ممن يتهم بكونهم قد أهانوا معتقده وتحالفوا عليه مع الإستبداد طيلة عقود ـ . لقد خسرت تلك الأطراف معركتها بداية من نتائج الإنتخابات واكتشفت أن الشعب قد عاقبها بسبب مواقفها المتعالية والمُهينة لهويته العقدية والثقافية والقِيمية فكانت مراجعاتٌ ظاهرةٌ في الخطاب وفي الشعار بقطع النظر عن مدى مبدئية تلك المراجعات لقد تخلى أحد أهم الأحزاب الراديكالية عن صفته "الشيوعية" حين اكتشف قادتُه ومُنظِّروه أنهم يتحركون في بيئة غير مناسبة لمشروعهم وخطابهم وبدأ أولائك القادة في تحلية خطابهم بمفردات ذات إحالات دينية اجتذابا للروح التدَيّنية لدى التونسيين..إقرار الفصل الأول من الدستور هو تسليم بعنوان الهوية الإسلامية ثم الحرص على سن فصل يُجرّم التكفير إنما هو تعبير عن شعور عدة أطراف بمخاطر تلك "الوَصفة الكُفرية"على مستقبلهم السياسي وعلى سلامتهم البدنية في ظل مجتمع مغروس عميقا في هوية إسلامية ثرية ومتعددة المستويات والطبقات. انتخابات أكتوبر 2014 تُخاض تحت عنوانين جديدين : عنوان التنمية وعنوان الحرية. * إن التونسيين بدأوا فعلا يفقدون الثقة في "الخطاب" كل الخطاب وفي "السياسة" كل السياسة وفي السياسيين عموما بسبب ما انتهت إليه المعارك الحزبية والإيديولوجية من تعكير الأجواء وإفساد العلاقات وتعطيل الكثير من المصالح ومن فرص التنمية وحظوظ تحسين ظروف العيش خاصة لدى الطبقات الفقيرة والمتوسطة. يتساءل الفقراء المُعدمون والمعطلون وكل المنسيين عن مكانتهم ومكانهم لدى الأحزاب ويتساءلون عما حققته إليهم خطابات الإيديولوجيات أو حتى خطابات الهوية؟ خاصة إذا ما تناهت إلى مسامعهم أو تبدَّت إلى أبصارهم حالاتُ الإستثراء الجديدة، وفي الحديث الشريف :" وإنه لن يَجْهَدَ الفقراءُ إذا جاعوا أو عَرَوْا إلا بما كسب أغنياؤهم". * إن أحزاب الهوية إذا ما خسرت معركة التنمية فستخسر حتما معركة الهوية مستقبلا بعد أن انتصرت فيها سابقا وفي ظروف عاطفية وحماسية. * وتساوقا مع معركة التنمية فإننا مدعوون إلى خوض معركة الحرية ضد كل ما يتهددها من مشاريع فوضوية ومن مخططات داخلية وخارجية تريد الإيقاع بين التونسيين حتى يفقدوا نهائيا الثقة في أنفسهم وفي وعيهم وفي قدرتهم على بناء دولة مدنية يتساوى أهلها في صفة المواطنة ويتحدون في مواجهة الفقر والجهل والتخلف. * معركة الحرية هي عنوان المرحلة الراهنة حتى لا يتسلل إلى مستقبلنا أشباحٌ من ماضٍ كئيب وحزين يريدون من جديد التحكم في مصائرنا ويُضمرون رغبة في معاقبة التونسيين بسبب غضبتهم المدوية التي هشمت مراكبهم وشردت أربابهم... معركة التحرر ليست معركة حزب أو حركة وإنما هي معركة التونسيين جميعا ضد مشاريع الهيمنة الأجنبية المتسللة عبر أكثر من معبر وعبر ترتيبات تُرتّبُ في الإقامات المغلقة والزيارات الغامضة والتسويات المائلة. * التونسيون سيخوضون معركتهم التاريخية بأساليب مدنية هادئة وواعية تبدأ تحديدا من الصناديق لتصعيد أسماء منسجمة مع روح "ثورة" يريدونها أن تستكمل ملامحها وأن تحقق شعاراتها وأن تنتصر لأوجاعهم وأن تذهب بهم نحو مستقبل أرقى وأنقى. * النهضة تَهْطُل في كل ربوع تونس/ الغنوشي تحول سحابةً مثقلةً يَطوّفُ شمالا جنوبا شرقا غربا/ الجماهير كما سيل عرمرم في الساحات والقاعات/ كأنها "الصرخة الواحدة" فإذا همُ من كل حَدْبٍ ينسلون/ الغاضبون والمستقيلون والمُحبطون كلهم انتصبوا فجأة وامتشقوا غَضْبتهم لأهلهم واندفعوا في الزحام/ النهضة تختزل الفُصول فتزرع وتجني بغير حساب كما لو أن بركات من الغيب تجعل قلوب التونسيين تميل إلى حقلها ... النهضة انتصرت في معركة المعاني والقيم وفي استراتيجيا "الإرتماء في أحضان الخصم". * "الحسد" في السياسة ليس "ضَرْبةَ عينٍ"...الحسد في السياسة أعمالٌ سيئةٌ .. اللهم إنك لا تنام وإنا صاحون دائما.. اللهم إنها تونس.