استقالة البكوش أم أزمة النداء الهيكلية و المُزمنة
زووم تونيزيا
| الخميس، 17 جويلية، 2014 على الساعة 11:12 | عدد الزيارات : 1003
بعد قرارات الهيئة التأسيسية للنداء واجتماع الهيئة العليا للاتحاد من أجل تونس
أزمة البكوش ومطالبه، أم أزمة…
لنداء الهيكلية و المُزمنة
استقال الطيب البكوش الأمين العام لحزب نداء تونس، ثم تم التراجع عنها، لماذا؟، بل الأحرى لماذا لم تصمد قرارات المجلس الوطني الأخير أمام طبيعة التجاذبات والتحالفات والصراعات المتكررة والمتواصلة؟، وهل يعني كل هذا أن مطالب البكوش قد أثبتت فعلا وبما لا يدع مجالا للشك أن أزمة الحزب مُزمنة وأنها عمليا ذات طبيعة هيكلية، وهل أن الحزب أصبح فعليا كما يقول رئيسه في عديد الاجتماعات، "فترينة" (واجهة) لماكينة التجمع القديمة؟
1- الهيئة التأسيسية تنتقد البكوش وترفض التجميد
الثابت أن قرار الرفض الذي اتخذته الهيئة التأسيسية لنداء تونس تجاه مطلب تجميد عضوية الطيب البكوش من الأمانة العامة، جاء لامتصاص ردات الفعل والتي كانت مُنتظرة بل وتوضحت بعد انتشار خبر الاستقالة عشية الاثنين وهي تعبير أن الباجي أراد تجنب عواقب أزمة جديدة قد تحل بالحزب بعد تواتر الاستقالات داخله محليا و جهويا رغم قرارات المجلس الوطني الخامس منذ أسابيع والتي اعتبرت إطفائية، خاصة وان الحزب يستعد لخوض غمار الانتخابات التشريعية والرئاسية، إلا أن هذا الرفض لن ينهي أزمة البكوش داخل النداء،خاصة وأن مطالب الرجل عديدة ومتعددة ومنها المعلن ومنها الخفي:
* إحساس الرجل أن قرارات المجلس الأخيرة جاءت على حساب مُكوّن اليسار المتحالف معه داخل الحزب، وخاصة على علاقاته مع مكونات الاتحاد من أجل تونس ....
* اصطدام البكوش بمعاملة السبسي له وبردات فعله حول مطالبه، فالسبسي جاء بمحمد الناصر ليتموقع قبله، كما أصر السبسي على الترشح للرئاسية رغم سنه، مما يعني أن البكوش ببقائه في الحزب لن يكون مرشحا ولن يكون مدار ومحور القرارات و الأفعال والتطورات كما تعود أن يكون في نقابة التعليم العالي (السبعينات) و المنظمة الشغيلة (بداية الثمانيات) والمعهد العربي لحقوق الإنسان(بداية الالفية)، وفي حكومتي الغنوشي وحكومة السبسي (بعد الثورة مباشرة)....
* رفض السبسي أن يضمن للبكوش من الآن بأن يكون رئيسا للحكومة في فرضية حصول النداء على الأغلبية النيابية (رغم استبعاد هذه الفرضية واقعيا) وعمد السبسي إلى تهميش دوره في أكثر من محطة ...
وعمليا رفضت الهيئة التأسيسية لحزب حركة نداء تونس، الثلاثاء مطلب تجميد العضوية الذي طرحه البكوش، وتم تقديم سبب ظاهري وهو الرغبة في إبقاء تحالف "الاتحاد من أجل تونس"(وهو ما تم عمليا حيث عقدت الهيئة العليا صبيحة أول أمس الأربعاء)، رغم أن كل المتابعين يعون جيدا الأسباب السالفة الذكر، خاصة وان البعض يعرف أن البكوش تغيب في المدة الأخيرة على اجتماع السبت الماضي في نزل "الأكربول" كما لم يحضر احتفالات السفارة الفرنسية ممثلا للحزب بالعيد الوطني الفرنسي وحضر اللومي بدلا منه ....
ورغم أن ظاهر الأمر يُشير إلى حل للإشكالات المترتبة عن ما سمي باستقالة البكوش خلال الأيام الأخيرة ، إلا أن كل ذلك لا يمنع من التأكيد أن علاقة البكوش بالسبسي والنداء قد طوت صفحاتها، بل أن صفحات جديدة ستبدأ في قادم الأيام وخاصة عند الحسم النهائي للقائمات الانتخابية وأساسا رؤساؤها، ذلك أن تلويح البكوش بالاستقالة بعد سنتين من الترتيب والبناء لحزب خدمته عديد الأجندات وبعض عمليات سبر الآراء ( المشكوك طبعا في نتائجها طبعا من طرف الجميع)، وتقديمه لمطلب تجميد عضويته في ثاني أهم منصب في الحزب مع عزمه التنسيق صلب تحالف الاتحاد من أجل تونس لن يمر بسهولة ويسر بل سيفتح عديد الجبهات مستقبلا، كما سيُثير الشكوك لدى كل التنسيقيات وقيادات الحزب في الداخل والخارج حول إستراتيجية الرجل و حقيقة مطالبه الخفية أو المعلنة و أيضا الخلفيات السياسية والتنظيمية لقراره مغادرة حزب وما كان يضمر من وراء ذلك ومن هي الأطراف التي رتبت لذلك .
2- إجتماع الثلاثاء و قراراته
تُشير كُل المعطيات المؤكدة والمنشورة في وسائل الإعلام وما تسرب في الكواليس ومن بعض التصريحات حول اجتماع الثلاثاء الماضي، أن الطيب البكوش قدم شرحا و تقديما للأسباب التي أدت به إلى طلب تجميد عضويته من الأمانة العامة للحزب، و الخلاصة أنه أراد التفرغ لتحالف للاتحاد من أجل تونس وامتعاضا من الوضع العام صلب الحزب منذ مدة وطبيعة القرارات المتخذة بشأن الهياكل والتجاذبات بشأن الانتخابات...، إلا أن هذه الإجابات لم يتفهمها باقي أعضاء الهيئة التأسيسية للحزب، التي اعتبرت أن الرغبة في التفرغ للاتحاد من أجل تونس
لا تتناقض مع منصب الأمانة العامة من جهة وبأن قرار البكوش مُناف للانضباط الحزبي ذلك أن الحزب هو من يختار من يمثله من بين قياداته في مهمة التنسيق داخل هذا التحالف وان القرارات يجب أن تتخذ بشكل توافقي وديمقراطي....، كما واجهت الهيئة التأسيسية الأمين العام أن :
* "الاتحاد من أجل تونس" لم يسقط من حسابات الحزب وأنه كتحالف استراتيجي هو في الأخير قرار يهم النداء ككل وليس الأمين العام فقط ....
* قرار تجميد العضوية سيقع توظيفه إعلاميا من طرف البعض وخاصة داخل المشهد السياسي ويتحول إلى موقف يحسب ضد الحزب ( وفعلا تداولت الشبكات الاجتماعية والصحف ووسائل الإعلام أنه استقالة وانسلاخ وأزمة كبيرة ,,,,)
وكل ذلك، حدا بالبكوش أن يتعهد عمليا بتوضيح موقفه بصفة شخصية وإبراز ماذا كان يعتزم فعله من وراء تقديمه مطلب تجميد العضوية، خاصة وأن السبسي قد دخل للاجتماع وهو مصحوب بملف صحفي فيه كل تصريحات البكوش بل ومنذ مدة طويلة ....
و عمليا يمكن الجزم أن عديد القيادات بما فيهم مناصري البكوش قد ردوا الفعل بشكل "عقلاني"، فاغلبهم قد تجنبوا التعليق على مطلب تجميد العضوية بل ورفضوا الدخول في سجال حول خلفياتها وأسبابها ومآلاتها، وهو ما يعني أن صورة الحزب والحسابات الانتخابية كانت حاضرة خاصة وأن بعضهم بدأ يحس أن الحزب لم يعد فعلا ماكينة للوصول للمجلس النيابي القادم فما بالك بسدة السلطة ....
كما لابد من ملاحظة أن رفض الهيئة التأسيسية لمطلب البكوش بتجميد عضويته يدل عمليا على :
* رغبة قيادة الحزب في تجنب أي هزات جديدة أو زعزعة أخرى متوقعة أو محتملة أيضا،
* أن السبسي مازال يمتهن الدهاء السياسي، فقرر تمرير المطلب على أنظار الهيئة التأسيسية رغم أن كل الهياكل قد فوضته للقيام بما يراه صالحا (مركزيا وجهويا ومحليا خلال المجلس الوطني الأخير) ،
* أن السبسي تجنب حصول أزمة أخرى قبل موعد الانتخابات أو مما قد يحول أزمة الحزب إلى أزمة هيكلية أو بالأحرى أزمة مزمنة هي بصدد التشكل، خاصة وأنه قد قال سابقا في أكثر من تصريح صحفي ، انه "لا يرفض أي مطلب استقالة يُقدم إليه ومن طرف أي كان"، بل و أضاف يومها أن "كُل من يريد مغادرة الحزب لن يمنعه احد من ذلك"، و هي التصريحات التي تلت الأزمة السابقة إبان الخلاف بين نجله والمدير التنفيذي للحزب...
* أن قرار الهيئة التأسيسية تم اتخاذه للنأي بالنداء عن أي تجاذبات أخرى داخل دوليبه و كواليسه و خارجه (أي في مواجهة خصومه) ، و تأكيد أيضا بأن مجهودات الحزب ستوجه للتحضير للانتخابات القادمة وهي الحجة التي تم رفعها أيضا أثناء الأزمة السابقة والتي تم حلها يومها بين بيت الباجي ومقر الحزب والنزل الذي عُقدت فيه أشغال المجلس في دورته الخامسة...
وكل ما سبق يؤكد رغم أن استقالة البكوش قد مرت حاليا على الأقل مرور الكرام، و رغم أنّ قيادة الحزب استطاعت على الأقل ظاهريا ردم أزمة أخرى، الا أن الحقيقة الراسخة عند جل المتابعين وعند بعض القيادات في الحزب، أن طبيعة تركيبة الحزب بين مكونات و أشخاص لا يمكن لهم التعايش إلا في حلبة ملاكمة أو مصارعة وان منطق الإطفاء لن يكون مجديا في أي أزمة قادمة...
3- أزمة البكوش أم أزمة الحزب الهيكلية المزمنة
نجاح السبسي في احتواء مطلب تجميد عضوية الأمين العام لن يكون في صالح الطيب البكوش ، الذي بات من الواضح انه يعيش أزمة داخل الحزب رغم انه يتقلد أهم المناصب فيه و الأقرب إلى أهم المناصب الحكومية بحكم هذا المنصب في صورة نجاح الحزب في الاستحقاقات الانتخابية القادمة .
و أزمة البكوش يؤكدها أكثر من طرف في الحزب، ومردها وفق تقديرات بعضها هو محدودية صلاحياته خاصة بعد صعود حافظ قائد السبسي في المشهد القيادي للحزب بعد فوزه بمنصب الإدارة العامة للهياكل، و قبلها بتعيين محمد الناصر نائبا لرئيس الحزب ليتحول البكوش الى المركز الثالث في الترتيب القيادي، إضافة إلى تدخل عائلة كل أفراد عائلة الباجي في شؤون الحزب ( زوجته وابنته) ، وأيضا تصاعد أدوار كل من مرزوق واللومي وشقيته ورافع بن عاشور مقارنة بتقلص دوره ودور المقربين منه....
بخلاف معضلة محدودية صلاحياته، كان للبكوش العديد من الهزات داخل الحزب منها تكتل بعض القيادات ضده بغاية إبعاده عن منصبه كأمين العام و السبب كما يقولون فشل مشاركته في الحوار الوطني و في إدارة الهياكل و في اخذ مسافة من كل التيارات و المكونات الممثلة للحزب .
ضعف البكوش في فرض نفسه داخل الحزب كما يتهمه بذلك شق في نداء تونس و بحثه عن الزعامة و حتى عن نفس المكانة التي يحظى بها السبسي زاد من حدة الانتقادات ضده و جعل من البكوش يبحث عن دائرة يتحرك من حلالها فقرر تعيين أربعة أمناء عامين مساعدين قبل ان تقرر الهيئة التسييرية رفض ذاك ....، ومع ذلك أكد جلفاء البكوش أنهم صمام أمان أمام عودة النظام السابق و أنهم يدافعون عن هوية الحزب (التنوع الفكري و السياسي اساسا) و بان الرهان الحقيقي الذي يتحرك من منطلقه البكوش هو تجميع العائلة الديمقراطية الواسعة....
والاكيد أن اجتماع الهيئة التأسيسية للحزب كان عمليا محاكمة فعلية للبكوش، بل وتم اعتبار تصريحاته متناقضة مع خط السياسي للحزب و تمس من قراراته و من مواقفه، بل أن البكوش وجد نفسه في موقف ضعف خاصة بعد تدخل لزهر القروي الشابي اذي اعتبر قاسيا باعتباره امتعض من تصرفات البكوش و قراره الاستقالة ثم التراجع عنها ، خاصة و ان اغلب اعضاء
الهيئة أبدوا تحفظات كبيرة على قرار البكوش و ما يستبطنه من مس لحظوظ الحزب في الانتخابات القادمة .
كما لابد من التأكيد أن البكوش كان له اجتماع مع عدد من القيادات اليسارية للحزب في منزله مساء الثلاثاء، وقد تم إقناعه بالعدول عن قراره ذاك خاصة و أن الأصداء المرافقة له لم تكن أصلا في صالحه، في وقت اعتقد هو أن قرار الاستقالة سيغير من موازين القوى صلب الحزب لفائدته و لفائدة حلفائه لتزامن ذلك مع تشكيل القائمات الانتخابية وتحديد رؤسائها...
4- الخلاصة
رغم ما يبدو أن قيادة الحزب قد استطاعت احتواء الأزمة ورغم قدرة الباجي امتصاص ردات الفعل، و رغم عقد اجتماع الهيئة التأسيسية للحزب واتخاذها لقرارات هامة تخص البكوش، ورغم عقد اجتماع للهيئة العليا للاتحاد من أجل تونس (والذي سارعت صفحات مقربة من البكوش ومن الحزب في نشر صوره)، فانه ما يمكن التأكيد عليه أن الأزمات داخل النداء لن تنتهي لطبيعة هويته كحزب مُجمع لمكونات عديدة و متناقضة فكريا وسياسيا، بل ومتصارعة خاصة وان أغلب الملتحقين به وبقيادته مركزيا وجهويا كانوا يعتقدون جازما انه ماكينة انتخابية سيصلهم لسدة الحكم، كما من الواضح أن استقالة البكوش دلت على وجود أزمة هيكلية للحزب باتت مزمنة وهي حتى إن هدأت حاليا فإنها تبقى قابلة للاندلاع عند أول منعطف سياسي أو تنظيمي، خاصة و أن تطورات الاستحقاقات الانتخابية سيزيد في تبلورها أكثر فأكثر...