المشهد المصري..عبرة لمن يعتبر !
زووم تونيزيا
| الجمعة، 27 جوان، 2014 على الساعة 13:41 | عدد الزيارات : 906
ما يحصل في مصر اليوم ، من حرب شاملة على الحريات (حرية الصحافة..حق التنظّم..حق التظاهر) ، و محاصرة وحشية لجزء من…
لشعب المصري ، و ترهيبه عبر القتل..و الحبس..و التهديد...كل هذا يجب أن لا يُنظر له على أنه شأن مصري..و لا يعني التونسيين في شيء ! و أن الأوضاع في تونس مختلفة !..بل يجب الانتباه..و الحذر..لأن هناك في تونس – للأسف – ممن يريد حكم تونس.. وهو يرى في قائد الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي..مثله الأعلى و يلقبه بــ "فخامة الرئيس"...
بعيدا عن الموقف من الأوضاع السياسية في مصر..و بعيدا عن الموقف من الانقلاب و مآلاته (رغم إصرار جزء من نخبتنا على أن ما حصل في مصر في 30 جوان 2013 هو ثورة !)..بعيدا عن هذا الجدل..يجب استخلاص العبر من واقع الحريات في مصر في ظل "النظام الجديد"..
فبالنسبة لحرية الإعلام و الصحافة..يوجد في مصر اليوم ، شقان من الصحافيين و الإعلاميين :
شق تحول – من جديد – إلى بوق دعاية للسيسي..و يحظى هذا الشق بالدعم و الحماية و المال..و جميع التسهيلات لبعث المؤسسات الإعلامية (صحف ، تلفزات ، إذاعات..)
و شق رافض للانقلاب و منهم من يحاول التزام "الحياد" و النأي بنفسه عن جرائم الانقلابيين..هؤلاء..يُحاصرون.. و مُراقبون..و يُسجنون.. و يقتلون.. !
أما بالنسبة إلى حرية التنظّم و التظاهر..فالأمر لا يختلف أيضا عن وضع الإعلام و الصحافة..فالسيسي قسم أيضا الساحات و الشوارع إلى صنفين :
ساحات مدعومة و مُمولة من "مداخيل بترول المسلمين"..و محمية.. تُسخر لحمايتها تشكيلات عسكرية ترصد لها ميزانيات ضخمة.. و تلقى لها من طائرات سلاح الجو المصري مناشير الدعم و التشجيع !
و أخرى مُسيّجة بأسوار ضخمة من الإسمنت المسلح ، على شاكلة "جدار العزل" الذي يفرضه الكيان الصهيوني على إخوتنا في فلسطين.. و كل من ينجح في اجتياز هذه الأسوار ، و يحاول التظاهر أو التعبير عن رأيه..يواجه بالسلاح !
هذا هو الوضع في مصر..هذا هو الحال في ظل حكم الانقلاب..و كما قلنا في البداية..يجب على التونسيين ، و على نخبنا خاصة ، أن يعلموا أن تونس لا تزال عرضة ، رغم فشل محاولات استيراد الانقلاب المصري بشكله الدموي عبر الجيش أو الأمن..أو بعض المليشيات الحزبية ، لمحاولات الالتفاف عن أهم المكاسب التي تحققت بعد الثورة و هو مكسب الحرية..
يجب على نخبنا أن يعتبروا من التاريخ ، و إن صعب عليهم استحضار التاريخ..فليتفكروا و يتدبّروا في ما يحصل اليوم في مصر..فالقراءة الموضوعية للأوضاع في بلاد النيل..ستؤدي – بالضرورة – إلى الاقتناع بأن التحدي ليس استئصال طرف سياسي بعينه (الإسلاميين)..فهذا الخيار أثبت التاريخ.. و تثبت الأحداث و المشهد المصري الراهن ، أنه ليس إلا مقدمة لحقبة من الدكتاتورية و الاستبداد.. التي لا تستثني.إسلاميا و لا ليبيراليا..و لا ماركسيا..و لا عروبيا..و لا "مستقلا"..هذه الحقيقة..التي لا يراها – للأسف - بعض المناضلين الذين لطالما قالوا.. لا للضلم و الاستبداد..لكنهم ساهموا – ربما عن حسن نية – عبر خيار و موقف سياسي ، و سوء تقدير و تحديد "للعدو" الحقيقي ، في صنع الدكتاتور...
طبعا هناك من يعتبر بأن الأوضاع تختلف..و أن السياقات تتباين..و لهؤلاء نقول :
أليس في تونس من يتباهى بمواقفه الإستئصالية..و يتوعد بإعادة اجتثاث جزء من التونسيين ؟
أليس في تونس من يمجد الانقلابات العسكرية و يتجاهل مشاهد السحل و القتل بالجرافات التي صاحبت الأيام الأولى للانقلاب..؟
ألم تبرر قيادات سياسية تونسية الانقلاب..بل و أرسلت الوفود "للتنسيق" السياسي و الإعلامي مع قياداته ؟
ألم تذهب وجوه تُسمي نفسها "ديمقراطية" لتهنئة قائد الانقلاب بعد فوزه في انتخابات مهزلة ؟
ألم يقف أحد "الديمقراطيين" المفروضين على التونسيين من وراء البحار أمام السيسي ليقول له "يا فخامة الرئيس".. ؟ !
ماذا تنتظر نخبنا من مثل هؤلاء إذا أعادوا السيطرة على مؤسسات الدولة ؟ !..ماذا تنتظر نخبنا ممن يعتبر الثورة خطأ يجب إصلاحه..بكل الوسائل؟ !..ماذا تنتظر نخبنا ممن يروج أن الحرية تعني الفوضى.. من خلال توظيف حالة الانفلات التي تصاحب كل الثورات؟ ! ماذا تنتظر نخبنا ممن يرى في العفو التشريعي العام وهو أحد أبرز المطالب " التاريخية" للقوى المناهضة للدكتاتورية ، "غلطة".. و يُحرض على المنتفعين بالعفو و يمنعهم من حق العمل..بعد ما خسروا جزءا من أعمارهم بين السجون و الملاحقة و التجويع ؟..ماذا ننتظر من هؤلاء..؟
لا أنتظر أجوبة حينية عن هذه الأسئلة..لكن أتمنى من أبناء بلدي.. و خاصة من نخبنا و القيادات السياسية "الوطنية" بمختل مشاربهم و توجهاتهم..أن يعيدوا قراءة الأحداث..و أن يتحرروا قليلا من قيود الإيديولوجيا و الحزب..و يحاولوا إعادة حساباتهم..و تقدير مواقفهم..خاصة في علاقة بمستقبل الحريات في تونس..و في المشهد المصري عبرة لمن يعتبر...