تقدير موقف : وضع معقول ما لم تشتغل الدراجة النارية
زووم تونيزيا
| الاثنين، 28 أفريل، 2014 على الساعة 14:11 | عدد الزيارات : 900
بقلم : الحبيب بوعجيلة
الاستقرار النسبي للوضع عامة في اتجاه التسريع بالاستحقاق الانتخابي لتتويج هذه المرحلة…
لانتقالية العسيرة يسمح بقراءة عامة للمشهد السياسي على ابواب الانتخابات القادمة .
سنتان من عمر الانتقال السياسي في سياق ثوري حكمته سياسة هرسلة تشكل فيها المشهد بصورة غرائبية سقطت فيها المعايير التقليدية لتلتقي اطراف سياسية استثمرت في القصووية الثورية عقودا طويلة مع بقايا منظومة طالما ادعت معاداتها .
لم تكن مفاعيل الهرسلة منتجة لأكثر من تعويض مؤسسات الارادة الشعبية على علاتها بارادة "طبقة سياسية" متعطشة للسلطة أو مهووسة بصراعاتها و ارادة منظمات مدنية تم اقحامها قسرا في أجندات "التحزب ما قبل الحداثي" الذي تمثله "مجاميع سياسية" بلا مشاريع مجتمعية أكثر من نزوات قياداتها الآتية من احباطات عهد استبداد قتل السياسة و خرب قيم "النخبة" .
لكن أهم ما انتجته خيارات "الهرسلة" العمياء بعيدا عن مصلحة المسار الثوري هو استعادة المنظومة القديمة للمبادرة على ساحة المشهد برموزها السياسية و أعوانها في الادارة العميقة و حزامها في اقتصاد الفساد و الريع المافيوزي . و لكن هذا الصعود الاستفزازي للمنظومة القديمة عبر "نداء تونس" و كسور الأحزاب الدستوتجمعية قد كانت له مع ذلك ارتداداته السلبية من حسن حظ البلاد و الثورة و المسار الديمقراطي ذلك أن فاشية قيادات هذه الأطراف و سقوطهم الاخلاقي التاريخي و ضمور القيم الديمقراطية لديهم بالاضافة الى قابليتهم للانشطار الانتهازي يجعل حظوظهم محدودة رغم ماكينة المخبرين و البلطجية و بيروقراطية الدولة العميقة و علاقات الارتهان الاجنبي التي يحوزونها .
و في هذا السياق تبدو القوى "اليسارية " التي ساهمت في هرسلة البلاد من زاوية "ادعاء " مواجهة "الرجعية" خارجة من المولد بلا حمص و لا زبيب مطعونا في "طهريتها النضالية" أمام شبيبتها تنتظر مكافأة نهاية الخدمة من أساطين المنظومة البائدة في شكل استجداء تحالفات انتخابية قد لا تنالها أما المنظمات الاجتماعية و الحقوقية التي منحت جهدها للهرسلة الاستقطابية فانها مشغولة بمواجهة خطر التشظي و غضب القواعد .
دعاة ملأ الوسط خارج الاستقطاب من بعض القوى "المعارضة" التي غادرت جبهة الانقاذ و الاتحاد من اجل تونس (الجمهوري) أو "التحالف" الذي نأى بنفسه عن الكتلة الديمقراطية فانهم مدعوون الى بذل جهدا كبير لتبرير "شراستهم" السابقة في مواجهة مخرجات الارادة الشعبية كما يجب أن يبذلوا جهدا أكبر لترويض بعض رموزهم ممن بنوا نجوميتهم الاعلامية على خطاب سب الترويكا و اثارة "الهرج" في المجلس التاسيسي و لا تبدو جاذبيتهم كبيرة لبناء هذا "الوسط".
لاشك أن النهضة في وضع مريح بعد ان غادرت الحكم بسلاسة جنت منها مكاسب كثيرة أولها حالة قبول دولي معقولة و وضعية تفرغ ضروري لاعادة ترتيب البيت الداخلي استعدادا للاستحقاق الكبير رغم ما لهذه المغادرة من تأثير على المنسوب العام لحالة الحماس النضالي لدى قواعدها و ما يمكن أن يرافق هذه الوضعية الانتقالية الاخيرة من ابتزاز يجبرها على دفع أثمان ابهض .
الأحزاب المتمسكة باستحقاقات الثورة كاملة غير منقوصة (المحاسبة ..تحصين الثورة..فتح ملفات الفساد ) و رغم تشتتها و تأثر بعضها من المشاركة في تجربة الحكم (المؤتمر) فانها تبدو قادرة نظريا على استثمار حالة التحفز الشبابي و صمود نخبة وطنية واسعة و احساس الخيبة لدى قطاع عريض من الشعب التونسي و خصوصا في جهات "الهامش" لاعادة التعبئة على قاعدة تحقيق اهداف الثورة بخطاب واقعي يستحضر مصاعب الوضع الداخلي و ضغوطات وضع دولي متحول يمكن الاستفادة من تناقضاته الناشئة. و لكن امكانات هذه التعبئة تحتاج الى خطط واضحة و رؤى عميقة و قيادات قادرة على القراءة و الاستشراف و نيل ثقة الناس .
بعيدا عن هذا المشهد و خارج سياق التاثير تواصل حزيبات صغيرة عنادها التنظيمي بتشتيت جهودها استجابة لرغبات بعض كوادرها و قياداتها المصرين على الحفاظ على هذه الهياكل الميكروسكوبية لضمان تصدرهم كضباط بلا جنود داخل مشهد سياسي يحتاج ترشيدا أكبر .
ختاما لاشك أن هذا التقدير العام للموقف يبقى تقديرا نسبيا و مؤقتا ما لم تعاود قوى الردة خلط الأوراق من جديد عبر نكث عهود "التسوية" و افتعال الازمات بداية من الترفيع في سقف الابتزاز و استفزاز الناس لتعكير الاجواء وصولا الى دفع حكومة جمعة الى رهن البلاد باجراءات استراتيجية ليس من حقها أو حتى اللجوء لا قدر الله الى أبشع أساليبهم بتشغيل الدراجة النارية ....