09 أفريل 1938 التاريخ المغلوط والعيد المفضوح
زووم تونيزيا
| الجمعة، 11 أفريل، 2014 على الساعة 14:00 | عدد الزيارات : 2301
بقلم: الدكتور فاروق الشعبوني
09 أفريل 1938 التاريخ المغلوط والعيد المفضوح إصلاح وتصحيح في تاريخ شهداء شهر أفريل…
38
طوال العهد البورقيبي ثم في عهد المخلوع وإلى حد هذا اليوم تحتفل تونس من كل سنة بعيد شهداء 09 أفريل 1938. أعتمد يوم 09 أفريل كيوم عطلة رسمية مدرجة في النظام الإداري التونسي إحتفاء وذكرى لشهداء قدموا أرواحهم الزكية فداء للوطن.
مراجعة للوقائع التارخية لم يكن تاريخ 09 أفريل 1938 يوم البطولة والفداء لكن الشهداء الذين رويت لنا بطلاتهم وبأسهم وشهامتهم كانت لها موعد مع تاريخ يوم 08 أفريل 1938 أي يوم قبل اليوم المزعوم لعيد الشهداء.
لمحة تارخية حول 08 أفريل 1938
يقول المؤرخ علي المعاوي في كتابه “ذكريات وخواطر” منشورات المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية سلسلة مذكرات منوبة 2007 من الصفحة 47 إلى 50 : « كنت في يوم الجمعة 08 أفريل 1938 ضمن حشود جرارة من عشرات الآلاف من المواطنين من الذين لبّوا نداء الحزب للمشاركة في المظاهرة الكبرى التي دعى إلى تنظيمها في هذا اليوم، ويكون انطلاقها من موقعين استراتجيين بقلب المدينة ؛ الأول : برحبة الغنم، بقيادة الزعيم المنجي سليم؛ والثاني بساحة الحلفاوين بقيادة الزعيم علالة البلهوان. وكان شعبنا البطل حاضرا قبل الموعد –كما ألفناه- ينتظر إشارة الانطلاق… وما إن تراءى الجمعان في مدخل باب البحر حتى تعانق القائدان… لقد كانت الساحة الموجودة أمام مقر السفارة الفرنسية والكاتدرائية في مدخل شارع جول فيري (شارع بورقيبة الآن) محاصرة ومطوقة بالأسلاك الشائكة ومن ورائها أعداد وفيرة من الجيش ومن فرق الخيالة… اعتلى الزعيم البلهوان كتفي الأخ عمّار حمودة، الكاتب العام لشعبة ترنجة وطفق يرمي بشظايا بليغ أقواله… القائد الأعلى للجيوش الجنرال هانوت والمقيم العام أرمان قيون والكاتب العام للحكومة كرتورون كانوا واقفين خاسئين بالشرفة في ساحة السفارة… »
ثم يروي الصحفي الصافي سعيد في الصفحة 112 من كتابه “بورقيبة سيرة شبه محرمة” -منشورات عرابي الطبعة الرابعة تونس نوفمبر 2011- : واصلت المسيرة إلى القصبة للتظاهر أمام قصر العدالة بباب البنات حيث كان الرصاص في انتظارهم حيث سقط مئتى -200- قتيل على يد الجيش والجندرمة الفرنسية. كان ذلك حقا يوم الشهداء.
لما رجع منجي سليم وعلي البلهوان إلى منزل الحبيب بورقيبة برحبة الغنم من أين انطلقت المظاهرة الأولى، يقول السيد علي المعاوي « استقبلهما بألفاظ في منتهى الحدة وهو في أشد فورة الغضب يتحسر على هاته الفرصة الذهبية التي ضاعت على الحزب… كنا حاضرين في دار الزعيم (بورقيبة) في أعقاب المظاهرة … فقد تسمرّنا في أمكنتنا حياء وخجلا مما تلفظ به الزعيم (بورقيبة) أمامنا ضد زملائه… »
أما الصافي سعيد فهو يقول في كتابه « كان بورقيبة في ذلك الوقت جالسا في مكتبه وإلى جانبه كل من علالة العويتي والباهي الأدغم. كان هذا الأخير (بورقيبة) في ذلك الوقت قد بدأ يدب فيه الوهن من كثرة الاتهامات والأقاويل والاستقالات ولكنه كان يبحث عن فرصة لاستعادة وهجه وحماسته لعمل ذي جدوى. ولربما سيحزن لأنه لم يشارك في مظاهرة 08 أفريل 1938 … في الصباح التالي لتلك المجزرة، دخل أعوان الجندرمة بيت بورقيبة فأخرجوه مكبلا بالأغلال. نقل في البداية إلى السجن المدني. وفي المساء دخل زنزانته في السجن العسكري رقم 37 … وهو يوبخ ذاته ورفاقه بصوت خافت قائلا : إنها مصيبة كيف يموت 200 مواطن تونسي بالرصاص ولا يموت فرنسي واحد ؟»
تواصلت مناوشات الشعب التونسي يوم السبت 09 أفريل 1938 مع المستعمر الفرنسي بعدما أعدمت في اليوم السابق 200 تونسي، لذا يبقى اليوم المشهود هو يوم الجمعة 08 أفريل 1938 يوم الشهداء وليس بيوم السبت 09 أفريل.
طوال حكمه، حاول بورقيبة طمس عدة حقائق تارخية لصالحه حتى يظهر هو الزعيم الأوحد الأحد (يمكن للمؤرخين الرجوع إلى الوثائق التارخية حتى يتدارك الخلل). توجد عدة تساؤلات تفرظ نفسها على هذه المجزرة وهذا التلاعب بالتواريخ :
- لماذا لم يشارك بورقيبة في هذه المظاهرة علما وأن الحزب هو الذي قررها كما نقلنا في الأول عن السيد علي المعاوي.
- ثانيا إذا لم يُعْلَم الزعيم الكبير بالتوقيت والحال أنه رئيس الحزب. هل الضوضاء المتواجدة في رحبة الغنم قبل المسيرة أين مقر سكناه صباح المظاهرة لم تجلب إنتباهه؟
كان بورقيبة يتفاخر ببطولاته على حساب عدة زعماء أخر في الحزب الحر الدستوري. كان يظهر ذلك جليا في خطاباته (الموثقة على الأشرطة) التي اعتدنا سماعها كل 09 أفريل في سنوات الستين والسبعين من القرن الماضي وهو يحتفي بيوم 09 أفريل كعيد الشهداء وهذه مغالطة لتاريخ تونس، لأن الشهداء سقطوا يوم 08 أفريل. كان بورقيبة يمر كلمح البرق على هذا اليوم المشهود ليتكلم عن يوم 09 أفريل يوم اعتقاله من الجندرمة الفرنسية ورميه بالسجن العسكري.
ربما يوم 09 أفريل بالذات له قيمة ونكهة خاصة عند بورقيبة، فلا ننسى أن الله وهبه ولدا في باريس من زوجته ماتيلد يوم 09 أفريل 1927 سماه جان الحبيب بورقبة والمعروف ببورقيبة جونيور.
يبدو أن المهم عند بورقيبة في تاريخ الحركة الوطنية لتحرير تونس والنضالية للحزب ضد الاستعمار هو “الأنا ” لاغير. أحسن مثال في هذا المنوال هو السكوت التام طوال حكمه وكتم أنفاس وأقلام الباحثين حول حقيقة مجزرة فرنسا في معركة بنزرت يوم راح ضحيتها حوالي ست مائة واثنين وثلاثون 632 شهيدا تونسيا في جويلية سنة 1961.