حركة النهضة : صراع العِمامة والإمامة ومأزق التداخل بين الدعوي والسياسي
زووم تونيزيا
| الأحد، 5 جانفي، 2014 على الساعة 20:23 | عدد الزيارات : 1007
الحركات الإسلامية عادة تحمل مشروع مجتمعي يهدف إلى تغيير ما شاب في مجتمعاتها من فساد أخلاقي واستغلال اقتصادي…
استلاب ثقافي وذروة ما تصل إليه الحركات الإسلامية هي الحكم... تبدأ عادة تلك الحركات حركات دعوية ولكن المرحلة الحسّاسة هي أثناء تولّي مقاليد السلطة، قد يتخيّل البعض أنّ الشأن السياسي هو الأهم، لكن ذلك هو عين الخطأ.
هنا تكون الحركات الإسلامية في أشدّ الحاجة إلى عدّة روافع تساعدها على إحداث ذلك التغيير المجتمعي، من أهم تلك الروافع: الدعوة، والدعوة هنا لا نعني بها الدعوة التقليدية في المساجد وتعليم الناس ألف باء دينهم بل هي حركة فكرية ثقافية كبرى. لأنه إن أرادت الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية تمرير قانون يهدف إلى الإصلاح يجب أن يسبق هذا القانون حركة تــــوعــــويــــة وإقــــنــــاع للمجتمع وهذا دور الناشطين في الحقل الدعوي والثقافي. لجأ الإسلاميون إلى السياسة لاستكمال وسائل الدفاع عن دعــــوتـــهـــم والذود عنها فمن طبيعة الــــدعــــوة الاجتهاد في توسيع مجالات اشتغالها.
تتقاطع الـــســـيـــاســــة مع الــــدعــــوة في توفير الشروط الأساسية لبناء مشروع مجتمعي، فالسياسة في أمس الحاجة إلى خدمات الدعوة ومكتسباتها لأنها الأقرب إلى الناس وبالدعوة نستطيع إقـــــــنـــــاع الشعب بالحد الأدنى من المصالح التي يريد السياسي أن يضع لها قوانينها.
فهل أبناء الحركة الإسلامية على وعي بأهمية الدعوة والعمل الثقافي أم أن هموم السياسة أكلتهم وأنهك الحكم جسد حركتهم ؟
هل المحافظة على الوحدة الهيكلية والوظيفية بين السياسي والدعوي داخل حركة النهضة من شأنه تقوية الحركة أم أننا نعيش بوادر انقسام وفصل مبكر؟ أم ستأكل وتبتلع السياسة الدعوة؟
من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها حركة النهضة في مؤتمرها التاسع أنّها أولت اهتماما كبيرا للسياسة والسلطة ونسيت ترميم بيتها الداخلي وإيجاد سبل تصريف مشروعها )وهذا مفهوم بأقدار لطبيعة المرحلة ولعدم قدرة الحركة على الاشتغال في أكثر من وجهة، نعم هو مفهوم ولكن ليس مبررا مواصلة نفس الخطأ.( كان لابد لحركة النهضة الحسم في مسألة اختلاط الدعوي بالسياسي وعدّة قضايا أخرى... ثم إيجاد سبل لتصريف مشروعها قبل انتهاء الفترة الانتقالية...إنّ الخلل الذي تعيشه الحركة اليوم هو وليد تأجيل هذه القضايا الحارقة والحاسمة، فأزمة التداخل بين الدعوي والسياسي ظهرت تداعياتها من خلال انكفاء النهضاويين على أنفسهم وقلّة تحركاتهم الميدانية، وخاصة ذات الطابع والنفس الدعوي الثقافي ثم من خلال التصريحات اللامسؤولة لبعض القياديين.
أغلب مسيرات النهضاويين ووقفاتهم كانت لتأييد حزبهم والمحافظة على الشرعية، في حين أهملوا أنّ نجاعة التواصل الشعبي والتأثيرفي الجماهير يكون بالمناشط الدعوية. وهنا لا نقصد بالدعوة ذلك المفهوم التقليدي الكلاسيكي الذي كما ذكرناه آنفا تعليم الناس ألف باء دينهم، بل هو البعد الشمولي لكل ما هو ثقافي فكري، وهنا تكون المسؤولية في إيجاد آليات جديدة للتواصل مع الآخر وإحداث ذلك التغيير في المشهد الدعوي الثقافي بوسائل وليدة عصرنا وتتماهى مع طبيعة مجتمعنا وواقعنا...
اليوم أبناء حركة النهضة في أمس الحاجة إلى إيجاد سبل تصريف مشروعهم عن طريق المساجد أولاً ثم الجمعيات والمنظّمات والمنتديات والأكاديميات.
إنّ بعض تصريحات القيادات التاريخية لحركة النهضة وخاصة منها تصريحات الصادق شورو والشيخ حبيب اللوز توحي بوجود أزمة تداخل بين ما هو سياسي وما هو دعوي تداخل أدخل إرباكا في هيكلة وتنظيم الحركة ووظائفها فرأينا تدافعًا ثنائيًا سياسي سياسي/ سياسي دعوي !!!
نعم إن ما تعيشه حركة النهضة حالة من التدافع المشروع داخل الجسم الحزبي الواحد، لكن الأقرب للواقع وللحقيقة أنّ حركة النهضة تعيش شبه أزمة وبوادر انفصال مبكّر للسيّاسي عن الدعوي وقد جاء ذلك على لسان الشيخ حبيب اللوز منذ أشهر أثناء استضافته في قناة الزيتونة إذ قال "إنّ من أولويات الحركة في المؤتمر القادم الفصل بين العمل الدعوي والسياسي..."
ثم تتالت التصريحات التي تنبؤ بضرورة إيجاد حل لمأزق التداخل بين السياسي والدعوي.
هذه التصريحات ومأزق التداخل بين الدعوي والسياسي أحرج الحركة في كثير من الأحيان، فما تبنيه القيادات السياسية في أشهر يفسده احد القادة الدعويين في تصريح... !! وهذا من شأنه ارباك الدولة برمتها لا الحركة فقط.
إن أغلب الدول التي تبنّت مزج الدعوة بالدولة فشلت في أغلبها ونذكر خاصة تجربة السعودية، التجربة المهدية في السودان والتجربة الليبية مع الدعوة السنوسية. النموذج الوحيد الذي إلتقت فيه الدعوة بالدولة هي التجربة النبوية في المدينة وبعدها نموذج الخلافة الراشدة في عهد الشيخين أبوبكر وعمر وبأقدار ما تجربة سيدنا عثمان وعلي...
اليوم على أبناء الحركة الإسلامية أن يعوا بأهمية أن تسير الدعوة والسياسة في خطين متوازيين إلى الهدف المشترك والمقاصد العليا دون أن يحرج أي منهما الآخر أو يقعا في حالة تصادم، فالداعية لا يجب أن يضغط على السياسي لتبني أو اتخاذ سياسات قد تؤدي لإحراج الدولة ورجال السلطة. والسياسي لا يجب عليه التضييق على الدعوة أو يجعلها شمّاعة لتبرير أخطائه أو وعاءا لترويج مشروعه السياسي الذي من الممكن أن يكون غير متماهٍ مع ما هو دعوي.
السـياســي والــدعــوي تـكــامــل وتــقـــاطــع في الأهـــداف وتــمــايــز فـي الأدوار لذلك على أبناء الحركة الإسلامية أن يعوا جيدا أن التقاطع بين الدعوة والسياسة لا يعني التطابق وإنما يعني التكامل وتمايز الأدوار لذلك فإن للسياسة رجالها وللدعوة رجالها...
حقا تم حركة النهضة اليوم بمرحلة صعبة تحتاج من كل قواعدها وقياداتها الوقوف لحركتهم..