حديث الثورة .. محمد البوعزيزي احترق، وأضاء طريقا ليعود العرب والمسلمون للتاريخ
زووم تونيزيا
| الأحد، 29 ديسمبر، 2013 على الساعة 13:26 | عدد الزيارات : 905
بقلم : علي اللافي
في السابع عشر من ديسمبر 2010 احترق الشاب محمد البوعزيزي ليغير مسار الأحداث في بلد تحكمه دولة…
لفساد ، و رغم أن حادثة الاحتراق سبقتها أحداث مشابهة في تونس بأشهر قليلة ، حيث أضرم كهل النار في جسده في الشارع بمدينة المنستير و مر الحدث مرورا عابرا ،و في سنة 2009 قام شاب تونسي بحرق نفسه أمام القصر الرئاسي بقرطاج ،و عتمت السلطة يومذاك على الخبر عبر تواطؤ إعلامي مشبوه ، وبذلك مثلت لحظة سكب البوعزيزي البنزين على جسده لحظة فارقة لا في تاريخ تونس المعاصر فقط بل في تاريخ العرب والمسلمين جميعا الذين عادوا للتاريخ بعد أن خرجوا منه منذ سقوط غرناطة ، و ظل اسم البوعزيزي الذي تم اختياره عالميا شخصية سنة 2011 ، يتردد ملء الأفواه و لم ينقطع ذكره على الإطلاق و شاع خبره كمفجر للثورة التونسية لا في داخل تونس الأعماق، بل في كل أرجاء العالم العربي والإسلامي و في كثير من بقاع الأرض كانت الواقعة سببا مباشرا في تغيير وجه التاريخ فثار الشباب أولا في تونس ثم في مصر ثم في كثير من الدول العربية الأخرى و استوحى كثير من شباب العالم من الثورة التونسية روحها ليعيدوا إنتاجها في عديد البلدان وكل القارات ، وبالتالي تحولت صرخات المحرومين إلى ما يشبه كرة الثلج التي كان حجمها يزداد كلما تدحرجت أكثر حتى كان يوم 12جانفي والمظاهرة التي ضمت عشرات الآلاف في صفاقس ثم نزول سكان العاصمة إلى شارع بورقيبة في مظاهرة مشهودة ومحاصرة وزارة داخلية المخلوع لها ونعتها بـــ"الإرهابية" يوم 14 جانفي ولم تغرب شمس ذلك اليوم حتى وجد حاكم تونس نفسه في الأجواء باحثا عن مكان يفر إليه و يختبئ فيه في قادم الأيام.
الأكيد أن محمد البوعزيزي ليس كائنا فريدا ولا مخلوقا عجيبا بل هو واحد من مئات الآلاف من المحرومين نتاج سياسات دولة الاستقلال بعهديها البورقيبي ببعض ايجابياتها وحيفها الاجتماعي والتنموي، والدولة النوفمبرية بكل مساوئها وطبيعتها البوليسية.
البوعزيزي شاب فتش مثل الآلاف عن فرص العمل وهو ضمن جيش جعلتهم دولة بن علي من اليائسين من الحياة ، والأكيد انه لم يدر بخلده أبدا أن إقدامه على الحرق سيشعل البلاد و المنطقة العربية بنيرانها لكن هذا الذي لم يتوقعه حصل فعلا من هنا فإن حادثته تكتسي دلالة خاصة تتجاوز شخصه لتعانق الرمزية في أقوي تجلياتها وهو عند الله شهيد وفقا لرأي الفقهاء، فهي تندرج ضمن الاحتجاج السياسي والاجتماعي عبر إحراق الذات والتاريخ المعاصر للبشرية في كدحها المتواصل شهدت حادثتين في ستينات القرن الماضي ، عادتا إلى الأذهان منذ انطلاق شرارة الثورة التونسية ، الأولى في فيتنام عندما أقدم مواطن بوذي في رد فعل طبيعي على القهر والظلم الكاثوليكي للبوذيين وتبعت بحالات غير مسبوقة من الاحتراق هناك لعشرات البوذيين ، وأما الثانية فهي في العاصمة التشيكية براغ سنة 1969 بمناسبة الاجتياح السوفياتي ونفذها المواطن "جام باللاش" .
والبوعزيزي التقى مع التاريخ ليستشهد ويقدم روحه لشعب طالما غُيب الا انه انتفض ليصنع أسرع ثورة في التاريخ ، وأبدع ثورة من حيث الإلهام فقد أدارت الرقاب إليها ، وكان موته واستشهاده لعنة على الحكام الذين لم يتصوروا يوما أن يحتج مُواطن ، فرد على حكمهم فإذا البلاد شيبا وشبابا تنتفض من شمالها إلى جنوبها شرقها وغربها تعلن نهاية الحيف وتوقف نزيف النهب والسلب والإقصاء والتهميش تعيد لمناطق الداخل ذاتها ووجودها وانتمائها للوطن وأجج البوعزيزي بذلك ثورات عربية مسترسلة أنجزت بعضها نصرها وتتقدم الأخرى نحو النصر المنشود واجندا البقية قيد التنفيذ من طرف شعوب غيبها التاريخ فاذا بها تعود إليه طامحة في لعب دورها الحضاري الذي طالما صنعته قبل قرون خلت فابتلوا بحكام وديكتاتوريات مستحكمة نشرت الفساد والخراب وجعلت المواطنين رعايا في دولة وخلقت شعب الدولة بديلا عن دولة الشعب.