التيار القومي في تونس: الواقع والمكونات
زووم تونيزيا
| الأربعاء، 18 سبتمبر، 2013 على الساعة 12:34 | عدد الزيارات : 7134
لا تزال القوى القومية في تونس أحزابا وشخصيات مستقلة، مُرتبكة في قراءة الوضع الراهن إذ أنها تخوض دائما نقاشات…
ديدة تنتهي دوما بدون نتيجة، ورغم ذلك فإن ما يربك القوميين في تونس هو وضع أنفسهم في وضع تجاذب بين الإسلاميين واليساريين فلا هم شكلوا قطبا مُستقلّا عن الطرفين و لا تحالفوا بشكل نهائي مع هذا أو ذاك، ويبقى التحدي مطروحا على القوميين في ضرورة التوحيد والتمايز البناء بين مختلف المكونات و التموقع بين اليسار والإسلاميين بحيث لا يقع توظيفهم من هذا الطرف أو ذاك، والسؤال لماذا هذا التشتت وقلة الفاعلية والتأثير ولماذا تعددت تنظيمات التيار القومي بكل فصائله وأجنحته وغاب التوحيد و التحالف، وما هي أهم مكوناته الحالية؟
• البعثيون: نضالات و انقسامات
تواجد البعثيون في تونس منذ خمسينات القرن الماضي بعد عودة أبو القاسم محمد كرو ( الذي كان عضوا قياديا في حزب بعث العراق) و تبني الكثيرين لأفكار البعث بعد توافد طلبة تونسيين للدراسة بالعراق بتشجيع من حزب البعث العراقي الذي دفعهم إلى العمل في تونس ضمن محاور متعددة وبواجهات مختلفة ومنها حزب الدستور، و بعد الانشقاق في صفوف حزب البعث بين سوريا والعراق بداية الستينات انقسم البعثيون التونسيون إلـى قسمين : قسم يؤيد الانشقاق ومن أبرزهم محمد صالح الهرماسي، وعبد الرزاق الكيلاني، الطاهر عبد الله، علي شلفوح وقسم آخر وقف مع القيادة التاريخية لحزب البعث بزعامة ميشال عفلق، ومن بينهم مسعود الشابي(أسس في بداية الثمانينات تنظيما سياسيا معارضا باسم "الديمقراطيون التونسيون") ، وعلي النجار، ومحمد صالح الحـراث الميداني بن صالح، اختارت مجموعة سوريا عمليا العمل السرّي، في حين أسّس البعثيون في الثمانينات حركة البعث بزعامة فوزي السنوسي والذي توفي في ظروف غامضة سنة 1988 ( كما توفي الصادق الهيشري ايضا في ظروف غامضة سنة 1985 بيما تم اغتيال عمر السحيمي في بيروت سنة 1968)، ثم خلفه عفيف البوني والذي استقال سريعا ليعوضه مبروك المنصوري ثم بقيت الحركة تنشط بشكل سري ومحدود بقيادة الجامعي الهادي المثلوثي إلى حدود 14 جانفي 2011 تحت مسميات عدة، في حين نشطت عناصر البعث السوري ضمن حزبي "الاتحاد الديمقراطي الوحدوي" و حزب الوحدة الشعبية(بقيادة محمد بوشيحة) في ما بقي الدكتور محمد صالح الهرماسي قياديا في حزب البعث الحاكم في سوريا وعضوا بالقيادة القومية... ، ساهم الطلية البعثيون في الحراك الطلابي في عقدي السبعينات والثمانينات حيث تبنوا خيار تأسيس منظمة بديلة عن الاتحاد العلم لطلبة تونس ثم تخلوا عن ذلك الخيار (والذي تبنّاه الاسلاميون في ما بعد)، وعرفت الساحة الجامعية تنظيمي "الطليعة الطلابية العربية" و "رابطات العمل الجماهيري" (تنظيم صغير تواجد ببعض الكليات الكبرى فقط).
• الناصريون : مسار تاريخي و تجارب حزبية متعددة
نشأت التيارات القومية ذات التوجه الناصري والعصمتي تاريخيا بعد القمع الدامي الذي مارسه الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة بحق الحركة اليوسفية والذي انتهى باغتيال صالح بن يوسف من طرف المقربين من بورقيبة وبأمر مباشر منه في ألمانيا في بداية الستينات كما تم إعدام أبرز قادة المحاولة الانقلابية سنة 1962، ورغم ذلك شكل القومين عديد التنظيمات والأحزاب التي عارضت بورقيبة ونظامه في الداخل والخارج على غرار حركة الوحدويين الأحرار و الجبهة القومية التقدمية لتحرير تونس (المؤسسة سنة 1972 بقيادة عمارة بن ضو بن نايل) و تشكيل القذافي لتنظيم "الاتحاد العام التونسي للشغل فرع ليبيا" (بقيادة الهادي بالطيب) كما تم تأسيس حركة اللجان الثورية – مثابة تونس ( والتي تداول على قيادتها عديدون على غرار صالح التايب و محمد فاتح الكافي)، و بعد عملية قفصة (27 جانفي 1980) تم تأسيس حركة التجمع القومي العربي والتي قادها المحامي بشير الصيد سنة 1981 والتي تم تغيير تسميتها سنة 1988 إلى "الإتحاد الديمقراطي الوحدوي الناصري" قبل أن يقع الزج بالصيد في السجن وحل حزبه و تأسيس نظام المخلوع "بن علي" حزبا بديلا عنه قاده عضو اللجنة المركزية للتجمع عبد الرحمان التليلي إلى حدود سنة 2004 (تم أيضا الزج به في السجن لأسباب قيل يومها أنّها مالية) في شكل حزب ديكور موالاة لنظام المخلوع، تزعمه إلى حدود اندلاع الثورة المحامي أحمد الاينوبلي، و قد أسّس البشير الصيد بعد خروجه من السجن في وسط التسعينات تنظيم "الوحدويون الناصريون" والذي أمضى بعض البيانات باسم "الناصريون – تونس".
- عرفت الساحة الجامعية تواجد فصيل ناصري وعصمتي باسم "الطلبة العرب التقديمون الوحدويون" بداية من منتصف السبعينات حتى حدود سنة 1994 حيث تم حل التنظيم والذي عوضه سنة 2000 تيار "الطلبة القوميون".
فسيفساء الأحزاب القومية بعد الثورة
تواصل التشتت الحزبي والتنظيمي للقوميين بعد الثورة فتعددت أحزابهم وتنظيماتهم:
• حركة البعث
حركة البعث حزب سياسي يرتكز على الاشتراكية والقومية العربية ويتبنّى أفكار وسياسات حزب البعث العربي الاشتراكي (جانح العراق أثناء حكم صدام حسين)، تحصلت على تأشيرة العمل القانوني يوم 22 جانفي 2011، و يقود حركة البعث عثمان بلحاج عمر وقد عدت مؤتمرا سنة 2011.
• حزب الطليعة العربي الديمقراطي
حزب الطليعة العربي الديمقراطي حزب سياسي ذو توجه وحدوي عربي بعثي وهو تواصل تنظيمي للطليعة الطلابية العربية أسس الحزب في مارس 2011 يقوده اليوم المحامي أحمد الصديق في حين يعتبر الجامعي والروائي خير الدين الصوابني الرجل الثاني في الحزب.
• الجبهة الشعبية الوحدوية
الجبهة الشعبية الوحدوية حزب ذو اتجاه سياسي وحدوي عربي. أسس يوم 22 أفريل 2011 يرأسه عمر الماجري (أحد قيادات ما عرف بــ "التنظيم السرّي" في بداية الثمانينات)، يُنادي الحزب بتكريس مبدأ الانتماء القومي للشعب بالتونسي في ديباجة الدّستور بالتنصيص على أن الشعب التونسي جزء من الأمّة العربيّة.
• حركة الوحدويين الأحرار: حزب يقوده "عبد الكريم الغابري" خلفا للمؤسس الراحل الهادي البجاوي، وهو إعادة تأسيس لنفس الحركة وبنفس الاسم التي تأسست به في السبعينات، عقد الحزب منذ اشهر مؤتمره الأول بصفاقس بحضور بعض من تبقى مما يسمى الكتائب الليبية (احد أجنحة الزعيم الليبي السابق معمر القذافي)...
• حزب الثوابت : تأسّس بعد انتخابات 23 أكتوبر 2013 ، وهو عمليا وريث حزب "عروبة وتنمية" الذي دبت الخلافات داخله قبل الترخيص له) ، و الحزب محسوب على البعث السوري يقوده الدكتور شكري الهرماسي (القيادي السابق بحزب الوحدة الشعبية) ويعتبر الحزب وريثا لجناح حزب البعث السوري في تونس.
• حزب الغد: حزب تأسس بعد خلاف زعيمه عمر الشاهد مع قيادات حركة الشعب الناصرية، وهو حزب غادر الجبهة الشعبية بعد أن كان حزبا مؤسسا فيها في أكتوبر 2012، ويعتبره المتابعون قريبا من النظامين السوري والايراني...
• حركة مرابطون: تنظيم سياسي أسّسه الاستاذ البشير الصيد (المنسق العام لتحالف الجبهة الوطنية التقديمة) بعد انشقاقه وخلافه مع حركة الشعب الناصرية بسبب خلاف حول تزعم وخيارات الحزب قبل انتخابات 23 أكتوبر 2011، ولايزال الصيد يحتفظ بأرصدة تاريخية على غرار علاقات مع التيارات الناصرية في العالم العربي ومع شخصيات قومية في تونس لها تأثير سياسي واجتماعي واداري.
• حركة الشعب الناصرية: هي حزب نتج على عملية توحيدية لحزبين ناصريين تأسسا بعد الثورة الأول بقيادة محمد براهمي والثاني بقيادة زهير المغزاوي بعد انسحاب البشير الصيد سنة 2011، يتزعمه عمليا محمد براهمي و رغم الخلافات الداخلية حول موضوع الالتحاق الجبهة الشعبية بعد الانسحاب منها، فقد تم في 9 افريل الماضي الإعلان عن الالتحاق الرسمي بها مما أدى إلى خلافات داخلية عميقة، خسرت حركة الشعب العيد من قياداتها ورموزها نتاج الانسحابات والاستقالات المتكررة...
• التيار ألشعبي: وهو حزب منشق عن حركة الشعب اثر خلاف بين المرحوم محمد براهمي وقيادات حركة الشعب على خلفية طريقة وشروط الالتحاق بالجبهة الشعبية وبناء على اعلان البراهمي الالتحاق بالجبهة الشعبية في 9 أفريل 2013 وقد كان بيان 30 جوان حاسما في تأسيس التيار الشعبي وكان له تداعياته السياسية على التيار القومي وعلى البلاد....، يقود التيار الشعبي حاليا زهير حمدي...
اختلاف في خيارات التحالف الراهنة
اختلف القوميون في الالتحاق بالتحالفات السياسية الموجودة في الساحة السياسية بعد أن استحال تكوين قطبي قومي عربي خاص بالقوميين:
أ- ساهمت بعض الأحزاب القومية العربية في تأسيس جبهة 14 جانفي والتي تحولت منذ أكتوبر الماضي إلى الجبهة الشعبية( 12 حزبا سياسيا يساريا و قوميا بقيادة حزب العمال وزعيمه حمة الهمامي رغم بداية تفككها السياسي على خلفية التحالف مع حركة نداء تونس بقيادة السبسي)، وهذه الأحزاب هي: حركة البعث(بقيادة عثمان بلحاج عمر) – حزب الطليعة(بقيادة أحمد الصديق) – الجبهة الشعبية الوحدوية(بقيادة عمر الماجري، وتم عملا تجميده داخل مجلس الامناء)، في حين انسحب كل من حزب الغد(بقيادة عمر الشاهد) وحركة الشعب(بقيادة زهير المغزاوي)، وهذه الأخيرة عادت والتحق رسميا يوم 9 أفريل الماضي كما أسلفنا.
ب- حاولت بعض الأحزاب القومية الأخرى التشكل في إطار تحالف قومي عربي خاص بها تحت قيادة البشير الصيد تحت مسمى "الجبهة الوطنية التقدمية" على غرار حركة الوحدويين الأحرار(بقيادة عبد الكريم الغابري) وحزب الثوابت(بقيادة شكري الهرماسي) و أحزاب صغرى وغير معروفة (البديل الديمقراطي- حزب شباب تونس- التكتل الشعبي)، في حين حاول حزب الغد تشكيل جبهة ثانية تعددت نقاشاتها مع أحزاب عدة...
ت- التحق البعض من القوميين (عدد قليل) بحركة نداء تونس (بقيادة الباجي قايد السبسي) على غرار بعض المنتسبين السابقين في حركة اللجان الثورية، و لعل أبرزهم قيادي سابق التحق بالحزب الاشتراكي الفرنسي في بداية التسعينات، ثم عاد في جانفي الماضي والتحق بنداء تونس، وقد انسحب في صمت خلال الاسابيع الماضية مؤكدا لبعض المقربين منه أن نداء تونس هو اعادة رسكلة للنظام القديم في اطار حزب سياسي....
ث- بعض القوميين اختار التحالف مع الترويكا الحاكمة أو التواصل معه في حد أدنى قناعة منهم أن المهم اليوم هو خدمة البعد الوطني العربي والإسلامي وتقييما منهم لطبيعة الصراع في الداخل، ويرى هؤلاء أن الصراع مع بقايا النظام السابق هي قضية شعب كامل تضرر منذ أكثر من 5 عقود من المنهج التغريبي والاستبدادي وطمس بعد الهوية العربية الإسلامية، وهذا الخيار ينتباه وزير التربية الحالي سالم لبيض (وهو في وضعية وزير تصريف اعمال بعد استقالته بعد اغتيال البراهمي) وشق من حركة الشعب وبعض الناصريين الذين التحقوا بحزب المؤتمر على اعتبار وان الرئيس المرزوقي عروبي الانتماء ( والده فر إلى المغرب هروبا من النظام البورقيبي) كما يتبناه بشكل أو بآخر مؤسس الجبهة القومية التقدمية لتحرير تونس عمارة بن ضو بن نايل.