بعد التطورات الأخيرة في الشعانبي : أي مستقبل للتيار الجهادي في تونس ؟
زووم تونيزيا
| الأحد، 16 جوان، 2013 على الساعة 02:02 | عدد الزيارات : 1005
في ظل تطور الأحداث وطنيا وإقليميا ودوليا بعد سنتين من الثورة، و بعد تطورات الأحداث الأخيرة في جبال…
لشعانبي والتي طال أمد معالجتها أمنيا ولوجستيا، يضاف ألى ذلك تقلص استعمال منطق فزاعة التيار السلفي خلال الأشهر الأخيرة في العاصمة والولايات الداخلية، يصح التساؤل : أيّ مستقبل للتيّار الجهادي في تونس؟
مكونات التيّار الجهادي في تونس (قراءة كلاسيكية)
مكونات التيّار هي تشكيلات متطورة و متداخلة والحديث عن تنظيمات متناسقة ومهيكلة التكوين مُجانب للحقيقة وللواقع، و يتطور وجود هذه التيارات وفقا لتطورات الأحداث و طبيعة العلاقات الاجتماعية القائمة السائدة، و تؤمن جميع مكونات التيار الجهادي بأفكار تنظيم "القاعدة" و تتبنى أطروحاتها و فتاوي زعمائها على غرار بن لادن و الظواهري، و رؤى بعض مُنظريها على غرار المقدسي، و يتشكل أنصار التيار في أربع مجموعات، وهي:
أ- تيار رئيسي: و هو أغلبي عدديا من حيث ولاء أغلب السلفيين الجهاديين له مقارنة ببقية المجموعات، يقوده القيادي سيف الله بن حسين والمعروف بأبي عيّاض وله تواصل تشاوري وأبوي مع بعض شيوخ السلفية في تونس على غرار الإدريسي، و هو تيّار له ارتباطات عدة في الداخل والخارج و وهو عنقودي التكوين تنظيميا، و هو تيار يُناور في تبني مقولة "تونس أرض دعوة وليس أرض جهاد"، من حيث تقييمه لطبيعة المرحلة الحالية في تونس.
ب- تيار أبو أيوب : ويقوده سليم الفندري و المكنى بأبي أيوب، و هو مُنشقّ عن التيّار الأوّل وفقا لرأي العديد من المتابعين، و له أنصار في العاصمة أساسا، ولكنّه انحسر تنظيميا بشكل كبير بعد بعد ثورة 14 جانفي و شقته خلافات عديدة واتهمت بعض عناصره بالولاء والارتباط بقوى خارجية وأجهزة مخابرات داخلية وخارجية.
ت- مجموعة أبو إسحاق: و هي مجموعة صغيرة تبنّت بعد الثورة مباشرة مقولة "تونس أرض دعوة وليست أرض جهاد".
ث- تيّار رابع مُتشدد دينيا: و هو عُنقودي التكوين و لا يظهر إعلاميا، له علاقات لوجستية بالجماعات المتشددة في الجزائر و تقف عناصره وراء عديد الأحداث على غرار أحداث "بئر علي بن خليفة" (شهر فيفري 2012)، وهي عبارة عن مجموعات ذات ارتباطات مع عصابات التهريب والسرقة، و لها عمليا قدرة كبيرة على التوظيف والمناورة والتخفي ولكنها عمليا قابلة للاختراق والتوظيف في كل الاتجاهات كما أنه متشابك تنظيميا مع المجموعتين الأولى و الثانية من حيث العلاقة التاريخية بين العناصر المكوّنة للمجموعات الثلاث.
قراءة واقعية لتركيبة التيّار الجهادي
تبقى القراءة السابقة قراءة نظرية وغير ملامسة للواقع اليومي و لامتدادات التيار السلفي وللبعد الواقعي لتطور الأحداث بعد 14 جانفي 2011.
و بناء على رصد الأحداث و الوقائع يمكن القول أن التيار الجهادي في تونس يتكون من تيارات ثلاث:
- تيار جهادي معتدل: وهو تيار ينأى بنفسه عن استعمال العنف و يميل إلى التوازن في مواقفه وسلوكه اليومي وهو اقرب للسلفية الإصلاحية وللدعوة والتبليغ مع فوارق فكرية في موضوع الجهاد.
- تيّار جهاديّ متشدّد: و يغلب عليها الحماس والغلوّ والغلظة، وهناك تفاوت بين مجموعة "أبو عياض" و مجموعة "أبو أيوب" التي انحصر تواجدها الميداني و "مجموعة أخرى ثالثة تابعة ومرتبطة تنظيميا بالقاعدة في المغرب الإسلامي".
– تيار جهاديّ زائف : وهو لا تتوفر شروط المكون أو التيار لأنّه عمليا مخترق، بل هو تحت الطلب و صنع من طرف دوائر الفساد المالي والإجراميّ والأمني، و هو في شكل مجموعات مفبركة و ميّالة إلى التشدّد والغلوّ.
والمكون الأخير هو أخطر فصائل التيار الجهادي على تونس و ثورتها لأنّه مدعوم من قوى الثورة المضادة، حيث لعناصره علاقة كبيرة ومتطورة بالعناصر الإجرامية، و القسمين الأخيرين من "السلفيّة الجهاديّة" يكمن المشكل فهما الأكثر استعدادا للانجرار إلى العنف والجريمة، الأوّل بغلوّه وتنطّعه وتعجّله وسذاجته ، والثاني بطبيعته الإجراميّة أصلا وبزيف انتمائه إلى التيّار السلفي و هو ما أثبتته المحطات السياسية على مدى السنتين الماضيتين.
اي مستقبل للتيار الجهادي في تونس؟
يتوقف مستقبل الجهاديين على الدور الذي من الممكن أن تلعبه النخب التونسية سواء كانت في الحكم أو المعارضة وخاصة بعض العلماء والأساتذة الجامعيين، والرأي السديد هو أن تؤمن تلك النخب أنه لابد من عقلنة التيّارالسلفي و ضرورة احتواء عناصره و ذلك من خلال الحوار باعتبار أنّ المقاربة الأمنية ثبت فشلها إذا ما اعتمدت لوحدها، و خاصة أنّ البلد و نتيجة لطبيعة الوضع الانتقالي والثوري يحتاج لإصلاح سياسي واقتصادي شامل يقطع مع الاستبداد والفوارق الاجتماعية المُجحفة التي توظّفها الجهات المدعمة للتيار في الداخل والخارج، وتحتاج كذلك إلى إصلاح ديني شامل يقطع مع الفكر الشمولي المطلق.
ومن المعروف أن غالبية السلفيين في تونس هم من صنف السلفية العلمية الذين لا يُشرّعون استعمال العنف وهو ما يؤكد أنّ الحل الأنسب اليوم وقبل الغد، هو عمل السلطة والمجتمع المدني إلى دفع السلفيين إلى إصلاح منظومتهم الفكرية عن طريق الحوار المعمق لا دفعهم إلى متاهات الراديكالية خدمة لحسابات سياسية حزبية ضيقة تقف وراءها جهات لها مصلحة في مزيد من إحداث الإرباك في أطار الثورة المضادة، إضافة إلى ضرورة فتح حوار وطني حول أبرز القضايا والمسائل التي تهم حاضر ومستقبل المواطن، ويتم ذلك بين كل الفئات الفكرية والسياسية حتّى تلك التي تُوسم بالتطرف، لأنه بالحوار يصبح تفكيك الألغام سهلا، و نُجنّب مجتمعنا مزيدا من التوتر و لانّ تونس الثورة ستكون قوية بكل أبنائها.
و بناء على عديد المعطيات المتعددة والضرورية في تحليل الظاهرة السلفية في تونس، فانه ومع تحسّن الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية فإن ظاهرة الغلو الفكري والسياسي والديني ستكون في أدنى مستوياتها ولا يجب أن نخشى من التيارات الإسلامية الراديكالية لأنه إذا توفرت فرص الحوار و المُحاججة العلمية وحريّة التعبير فإن تلك التيارات ستلجأ إما إلى التعقل والتسامح والتعايش، شأن الغالبية العظمى من التونسيين عبر تاريخهم الطويل، أو أنها ستعزل نفسها وتتقلص قاعدتها الاجتماعية.
إن مقومات نجاح التجربة الديمقراطية التونسية عديدة لعل أبرزها التجانس العرقى واللغوي والديني، يضاف إليها مجتمع مدني يزداد قوة يوما بعد يوم وبالتالي وجب المحافظة على هذه الميزة ففي ذلك ضمانة لحماية تونس من كل تطرف.
وكقراءة مستقبلية يُمكن الجزم أنه لا مستقبل للجهاديين على المدى البعيد وذلك لطبيعة المجتمع التونسي و طبيعة تطوره التاريخي ومكاسبه الحضارية المتراكمة عبر عقود، على أن آفاقه ترتبط بفعل القاعدة على المستوى الإقليمي وخاصة في الجزائر ومالي وليبيا، و يمكن رفع التحدي الذي يمكن أن يُسببّه هذا التيار الجهادي عبر الممارسة الديمقراطية ونجاح الثورة التونسية في تحقيق أهدافها واستكمال مهامها والنجاح في الوصول إلى الانتخابات القادمة و فتح باب النقاش على مصراعيه عبر الندوات والأدبيات التقويمية للتجربة الإسلامية التونسية و مناقشة أطروحات الإسلاميين في كامل العالم العربي، بما فيها أطروحات السلفيين والقاعدة بالخصوص.