نصائح لمؤسسي الأحزاب و للمتحزّبين بعد الثورة
زووم تونيزيا
| الأربعاء، 5 جوان، 2013 على الساعة 12:39 | عدد الزيارات : 958
زووم - بقلم: توفيق بن رمضان - في السابق كان "الطرح" السياسي و الفعل السياسي يرتكز على التملّق و النفاق و…
لتزلّف و "التلحيس" و لكن في المستقبل الأداء السياسي لا بد أن يعتمد عل العمل و الجد و الإخلاص و الصدق و تقديم الإضافة و البرامج و المقترحات العملية و الهادفة من أجل تحقيق التنمية و الازدهار و الأمن و الاستقرار.
و قد كان "التكمبين" و الطعن في الظهر في السابق هو الأساس في العمل السياسي، إن كان في صلب الحزب الحاكم أو في أحزاب المعارضة، و لكن حزب التجمع كان يتحمل تلك النزاعات و التناحر فقد كان الحزب الممسك بالسلطة و الحكم فهو حزب الحكم الواحد و الفرد الواحد، و قد كان بن علي يسيطر على كل مفاصل الحياة السياسية في البلاد حكما و معارضة، و كان التجمّعيون ليس لهم خيارا إلا البقاء في الحزب، فلم يكن من السهل على الغاضبين منهم اتخاذ قرار مغادرة الحزب و الالتحاق بأحزاب المعارضة، فقد كانوا مجبرين على البقاء في الحزب و قد كان تسلّط بن على يشدّهم و يمنعهم من الانشقاق و مغادرة الحزب، و كان الحزب يصمد أمام كل النزاعات و التناحر الداخلي لأنّه كان يعتمد على كل مقدّرات الدولة و يستغل أموال المجموعة الوطنية و كان يجبر رجال الأعمال و المؤسسات الحكومية و الخاصة على تقديم الدعم المالي و المادي بجميع أشكاله.
و قد كان جماعة التجمع تجمعهم السلطة و الحكم و رغم ذالك كانوا "يهبّطوا بعضهم ريش" في كل مناسبة انتخابية إن كان في القاعدة أو القمّة، و لكن رغم احتداد الصراعات و النزاعات كان الحزب يصمد فقد كانت كل مقدرات الدولة على ذمته و قد كان جبروت بن علي يشدّهم و لكن رغم كل هذا انهار الحزب و النظام يوم 14 جانفي 2011، و اليوم الأحزاب الجديدة لا عندها مقدرات دولة و لا دكتاتورية بن علي، و قد توفّرت الكثير من الأحزاب على الساحة السياسية و يمكن للمواطن أن يختار، و على كل من أسّس حزب أو يشرف على قيادة و تسيير حزب أن يعمل على المحافظة على كلّ من يلتحق بحزبه و عليه أن يوفّر الظروف و الأجواء الملائم التي تشجّع الملتحقون الجدد بالحزب على البقاء و عدم المغادرة بل على كل من هم في قيادة الأحزاب حديثة التكوين أن يجتهدوا من أجل المزيد من التعبئة و الاستقطاب و يتجنبوا تنفير المواطنين و بالتالي يضعفون القاعدة الشعبيّة لأحزابهم و يتسبّبون في مغادرة و خروج المناضلين منها و يدفعونهم إلى التحول إلى أحزاب أخرى أو العودة للسلبية و العزوف السياسي و الجلوس فوق الربوة من جديد.
و من أجل ضمان النجاح و الإشعاع لأي حزب من الأحزاب الحديثة التكوين و التأسيس فالمطلوب بل من الواجب التركيز على العمل الميداني لتحقيق المزيد من الاستقطاب و التعبئة و يجب توخي اللامركزية في العمل السياسي، كما أنّه على كل من له خلفية إيديولوجية بل مفروض على كل من له خلفية إيديولوجية أن يتركها لنفسه و لا يحاول نشرها و الدعاية لها داخل الأحزاب الغير عقائدية و الغير متأدلجة و خاصة منها الأحزاب الوسطية و اللبرالية الاجتماعية، فلا حاجة لنا للمزيد من صداع الرؤوس بالخطابات الإيديولوجية التي لا تسمن و لا تغني من جوع و التي فشلت عند واضعيها و أفلست في أوطانها، و لا حاجة لنا في تونس لتضييع المزيد من الوقت في إعادة تجريب المجرّب و كما يقول المثل "اللّي يجرّب المجرب عقله مخرّب" و لا حاجة لنا في المزيد من صراعات الديكة التي لن تزيدنا إلا دمارا و فوضى و بالتالي فقرا و تهميشا.
إنّ تونس و شعبها اليوم في أشدّ الحاجة لأحزاب وسطيّة لبرالية اجتماعية تعمل على خلق الثروة و توزيعها توزيعا عادلا، كما أنّ على الأحزاب أن تعمل على الارتقاء بالسلوك الحضاري و البيئي و تعمل على الرفع من المستوى الأخلاقي عند التونسي، فأزمتنا أزمت أخلاق و سلوكيات و عقليات و كما قال الله في محكم تنزيله "بسم الله الرحمان الرحيم: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" و لن تتمكّن الكثير من الأحزاب حديثة التكوين من النجاح ما لم تكن للتونسيين و عليها أن تعد برامج تستجيب لتطلّعات التونسيين و أن تكون من التونسيين و للتونسيين و أن تخدم كل التونسيين من كلّ الجهات و الفئات و الطبقات.
و أذكّركم بمقولة بن علي "غلّطوني"، أتدرون من كان يقصد و على من كان يتكلّم؟ لقد قال غلّطوني عن المتطرّفين من التجمعيين و العلمانيين و اليساريين الذين يعتقدون أنّهم يمتلكون كل الحقيقة و يقصون الآخر و يهمشون بل يسحقون كل رأي مخالف لهم لا ينسجم مع طرحهم و مشاريعهم و هم اليوم بعد الثورة يواصلون نفس الممارسات، و لهذا على الأحزاب الجديدة أن تحمي نفسها من هاته الأصناف من المتطرّفين الذين يواصلون في تغليط الشعب و السياسيين، فلا مجال لهذا النوع من المتطرفين في هاته الأحزاب بل يجب على المشرفين على الأحزاب الوسطية و اللبرالية الاجتماعية أن يحموا أحزابهم من هذا الصنف من الأشخاص، و عليهم أن يعملوا من أجل أن تكون أحزابهم لكلّ التونسيين و أن تبقى الأحزاب دائما لكافة التونسيين ليمكّنوا السواد الأعظم من التونسيين من أن يجدوا أنفسهم في هاته الأحزاب الحديثة التأسيس و التي هي في طور البناء و بناؤها يتطلّب المزيد من التوافق و الانسجام و التلاحم و العمل الجاد، فقد دمّر التناحر و الصراعات أحزابا كبيرة مثل حزب الدساترة و التجمعيين و حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، فكيف ستبنى أحزابا جديدة و المنخرطين فيها و في أغلب الأحيان من أسسها بدؤوا بالتناحر و النزاعات.
نريد أحزابا تجمع و لا تفرق و تخدم كل التونسيين دون تمييز و ليكتب لها النجاح عليها أن تعبر على طموحات أكبر شريحة من التونسيين و تستجيب لتطلعاتهم، و للتأكيد مجددا أنبه و أقول على كل من له خلفية إيديولوجية أن يحتفظ بها لنفسه ولا يحاول الترويج لها داخل الأحزاب الجديدة، فقد انتهى عهد الدمغجة الإيديولوجية، بل إن هذا الزمن زمن العمل و الإنجازات من أجل التنمية و هاته المرحلة مرحلة تقديم البرامج و الحلول للمشاكل التي يتخبط فيها الشعب و العمل و الاجتهاد من أجل إحداث مواطن شغل للشباب الذي سئم انتظار الوعود الواهية.
و أخيرا أقول إن الأحزاب جعلت لتخدم الشعوب و الأوطان و ليس لخدمة و تأليه الأشخاص كما عهدنا من قبل، أما الفعل و الأداء السياسي للكثير من السياسيين إن لم نقل أغلب السياسيين فهو عمل مفسد و مدمر للمكتسبات و الإنجازات بينما في الحقيقة العمل السياسي الغاية منه الإصلاح و تحقيق الفائدة للشعب و الوطن، و لكن يلاحظ أن الكثير من السياسيين لهم ولاء لأحزابهم أكثر بكثير من ولائهم لوطنهم فتجدهم يستغلون اندفاع الشباب من أجل التحريض على الفوضى و التدمير عوضا عن تأطيرهم و توعيتهم و ترشيدهم و لعلم الجميع إن ما تعنيه كلمة "السياسة" في اللهجة التونسية هو اللطف و حسن المعاملة و لكنّنا نرى العكس في الأداء و الفعل السياسي للكثير منهم، فلا تحوّلوها إلى العنف و التصادم و الصراع و التناحر.
كاتب و محلل سياسي
romdhane.taoufik@yahoo.fr