بعد مسيرة سياسية مُتقلبة أحمد نجيب الشابي أمام خيارات مُتعدّدة ومُلغّمة
زووم تونيزيا
| الجمعة، 10 ماي، 2013 على الساعة 19:15 | عدد الزيارات : 1308
تونس – علي عبد اللطيف اللافي
يعيش السيد أحمد نجيب الشابي الزعيم الفعلي للحزب الجمهوري أمام منعطفات عدة…
ريد كشخص دفع الحزب الجمهوري نحوها فحزبه مُرشّح للعب دور محوري في ما تبقى من المرحلة الانتقالية وهو أمام خيارات عدة فهو مُرشّح للاقتراب من النهضة وحليفيها في الحكم، كما أن ذهابه مُضيا في البقاء في التحالف الخماسي المعروف بالاتّحاد من أجل تونس و دعمه، كما قد يجد أرضية مع الجبهة الشعبية باعتبار أن مكوناتها قريبة منه تاريخيا فكريا وسياسيا، فأي خيار ستختار قيادة الحزب أو بالأحرى زعيمه وأحد قدماء الفاعلين في المشهد السياسي التونسي منذ عقود؟، وما وقع ذلك الخيار على مستقبل الحزب وعلى أحمد نجيب الشابي تحديدا؟
• مسيرة سياسية مُتقلّبة
عرف السيد أحمد نجيب الشابي مسيرة سياسية كبيرة متطورة ومُتقلبة فقد دخل السجن في أواخر الستينات ضمن قضية تنظيم البعث في تونس إلا أنّه سرعان ما اقترب من اليسار الماركسي سواء داخل السجن أو خارجه حيث عاد منتصف السبعينات من باريس مُفاوضا باسم اليسار بعد أن تم إرساله من الجزائر من طرف القوميين للتحاور مع الماركسيين وأصبح زعيما لخط "المراجعون" ضمن الخطوط المُتصارعة ضمن تنظيم العامل التونسي(وريث حركة آفاق الماركسية) وفي نفس الوقت الذي كان فيه التنظيم بداية الثمانينات مجتمعا بإحدى ضيعات جهة الفحص يدرس مستقبله تفاجأ أعضاؤه وعبر صحيفة فرنسية عن نية أحمد نجيب الشابي تأسيس حزب جديد سمي في ما بعد بالتجمع الاشتراكي التقدمي، ورغم انضمام العديد من رموز اليسار للحزب والاعتراف به سنة 1988 إلا أن الحزب عرف هزات اقترنت جميعها بشخصية الشابي فغادر الحزب كل من "عبد الوهاب معطر"(وزير التشغيل الحالي) و "عبد الرؤوف العيادي"(الرئيس الحالي لحركة وفاء) وسهام بن سدرين (الناشطة الحقوقية) وعمر المستيري(صاحب راديو كلمة) والتحقت مجموعة الحقيقة وغادرت ثم التحقت وغادرت من جديد، كما عرفت علاقة الشابي بالإسلاميين تطورات عدة فمن موقف عدائي في صفحات مجلة الموقف جسدته أساسا افتتاحية احد الأعداد سنة 85 والتي افتتح بها الشابي حملة على "حركة الاتجاه الإسلامي"، قبل التقارب معهم ( أي الإسلاميين) و التماهي معهم في عديد المطالب سنة 1989 ثم اقترب من السلطة من جديد و التي طلبت منه الابتعاد عن الإسلاميين رغم دفاعه عنهم في محاكمات 1991.
• الشابي و المخلوع من التواصل و التآلف إلى التصادم
عرف عن السيد نجيب الشابي اقترابه من بن علي رغم حالة المد والجزر في ذلك التقارب، وحدث الفراق الفعلي إلى حدود أواخر التسعينات بسبب ملفات عديدة فتمّ تحجيم دوره السياسي وتم استثناؤه عديد المرات فجمع لاحقا أطياف المعارضة الراديكالية واحتضن حزبه عديد التشكيلات الإسلامية ( عناصر من اليسار الإسلامي – إسلاميون مستقلون – بعض المسرحين من النهضة....) و اليسارية ( مناضلون يساريون من مختلف التشكيلات - الشيوعيون الديمقراطيون بقيادة محمد الكيلاني .... ) واستفاد الشابي من هؤلاء في إعادة بريق صحيفة الموقف وإعطاء صورة جديدة للحزب الوليد ( الحزب الديمقراطي التقدمي ) وصولا الى النجاح في تكتيل المعارضة في تحالف 18 أكتوبر الذي يتحمل الشابي مسؤولية تفكّكه و في إيقاف مسار عمله سنة 2008 وتحول الشابي بفضل ذلك الإرث إلى زعيم للمعارضة في وجه النظام الذي أصبح يتداعى للسقوط رغم قوته الأمنية، وتم اتهام الشابي من طرف بعض اليساريين انه مرشح قوى خارجية في انتخابات 2009(وثيقة الشيوعيون الديمقراطيون حول انتخابات 2009) والتي اختار الشابي وحزبه مسارا معاكسا لبقية أطياف المعارضة وخياراتها خلال الحملة الانتخابية أو ما بعدها.
• الشابي يتسرع قبل و بعد الثورة ونتائج الانتخابات تُربكه
لن يستطيع أيّ كان أن يُنكر على أحمد نجيب الشابي دوره في معارضة بن علي بغض النظر عن المسارات و الغايات والأهداف فهو من تزعّم و قاد إضرابات الجوع وحُوصر مقر حزبه وصحيفته واتهمه أنصار النظام والسائرين في فلكه من سياسيين وإعلاميين بل و لقبوه بـــ "نجيب الله" بسبب دفاعه المستميت عن تشريك الإسلاميين رغم تحذيرات البعض ( الجورشي في ندوة نزل البحيرة سنة 2003 مثالا، حيث حذر الشابي والمعارضة من مغبة التقارب مع حركة النهضة) ، ألاّ أن الشابي تسرع لاحقا في قطف ثمار الثورة قبل نجاحها بيوم واحد معلنا عن خيارات إصلاحية مساء 13 جانفي بل وسارع بالمشاركة في حكومتي الغنوشي الأولى والثانية مُتحديا مشاعر الجماهير في القصبة 1 و القصبة2 بل وقال في برنامج تلفزي في فرانس 24 أنا أحكم وانتم عارضوا، الا انه وبقُدوم السبسي خسر الرهان فتحول من جديد إلى البحث عن الزعامة وركب موجة رجال الأعمال والقوى الداعمة من أجل أن يكون مرشحا للرئاسية إلا أن نجاح المطالبة بالمجلس التأسيسي خيب آماله وهو ما أكدته تصريحاته منذ شهرين واعتمد سب خصومه والإسلاميين أساسا وهاجمهم بقوة منتقدا خياراتهم وخاض الانتخابات مُنفردا مُتوقعا الفوز بشكل ساحق مُعتمدا أساليب انتقدها جميع المتابعين واستنكرتها الجماهير الشعبية فكانت هزيمته في الانتخابات مُدوية مما جعله يعترف بها و يتخذ موقفا مُتسرّعا ضمن صفوف المعارضة باحثا عن التحالفات من أجل بناء حزب قوي إلا انه اكتفى بالتحالف مع حزب آفاق النخبوي والحزب الجمهوري ( محدود شعبيا) إلا أنّ الحزب الجديد بقي يتخبط نخبويا وخسر جزء من عوامل قوته لصالح أطراف أخرى.
أيّ خيارات للشابي و حزبه؟
عرفت البلاد بعد نتائج الانتخابات تجاذبات سياسية كبرى ومحاولات عديدة لإسقاط الحكومة ومحاولة تفكيك الترويكا ورغم موقع الشابّي في المعارضة الّا أنّه بقي في البداية على هامش الأحداث ولم يظهر في الساحة السياسية بجلاء الّا عند مناداته في بداية جوان 2012 ( تصريحاته التي سبقت أحداث العبدلية و تأجيل الإعلان عن تأسيس حزب نداء تونس) بحكومة إنقاذ وطني ورفض المشاركة من جديد في الحكومة رغم التسريبات العديدة عن حوارات قيل أنه قبل في بعضها يومها بمبدأ الالتحاق بحكومة الجبالي بعد بداية الحديث عن التحوير فيها يومها، كما فشلت محاولة توحيد الحزب مع المسار العديد من المرات ثم دخل حزب نداء تونس الساحة السياسية وهو الحزب الذي افتك من الشابي وحزبه مساحات كبيرة وحتى تمويلات ودعم جهات في الداخل والخارج، وبدأ الحديث عن تسريبات منذ أشهر مفادها حصول صعوبات مالية تواجه الحزب الجمهوري بعد أن نجح السبسي في استقطاب كل أنواع الدعم التي كان الحزب يتمتع به وبدأ الحديث منذ بداية السنة الحالية عن خلاف عميق بين الشابي والباجي يومها حول العديد من المسائل الخاصة بالتحالف الذي تم الحديث عنه يومها خاصّة وان الباجي سارع إلى التصريح بالإعلان عن التحالف الخماسي من طرف واحد وهو ما أوجد خلافات داخل الجمهوري و تحديدا بين الشابي ومية الجريبي (و التي اختفت مدة طويلة عن الإعلام بعد حديث عن خلاف عميق مع الشابي).
ورغم فترة 6 أشهر عن تكوين التحالف الخماسي ( نداء تونس – الجمهوري – العود – الحزب الاشتراكي- المسار) فان طبيعة زعمائه الخمس ( الباجي قائد السبسي – الشابي – عبدالرزاق الهمامي - محمد الكيلاني – أحمد ابراهيم) وطبيعة الراهن السياسي التونسي تجعل التحالف قابل للتفكك من جديد بعد مراوحته في المدة الأخيرة بين توسيعه ودعمه والمحافظة عليه( مقررات اجتماع الثلاثاء 7 ماي الحالي) وبين حالة الموت السريري خاصة و أنّ المشاكل بين مكوناته بدأت قبل بنائه ميدانيا في ديسمبر الماضي، وانفجاره اليوم أمر جدّ وارد خاصة وان مربط الفرس هو الترشح للرئاسية القادمة فالسبسي سعى واقعيا منذ أشهر إلى ترشيح الطيب البكوش وروج له خارجيا وداخليا وهو ما أربك الشابي وقيادة حزبه المفككة أصلا ثم أعلن بشكل منفرد وبدون المشاورة مع حزبه وحلفائه عن نيته الترشح للرئاسية رغم أنّه يعلم جيّدا أنه لا يمكنه ذلك بسبب عامل السن وتاريخه الطويل مع نظامي بورقيبة ( جلاد في إدارة الأمن و وزير داخلية ووزير دفاع وخارجية )و المخلوع ( رئيس مجلس نوابه المشرع للقوانين الظالمة).
وكل ما سبق سيجعل وجود الشابي وقتيا في التحالف الخماسي ويفكر في الرحيل منه في أقرب الأوقات وعندئذ أمامه خيارات ثلاث:
- الاقتراب من حركة النهضة بشكل من أشكال التحالف السياسي أو التنسيق معها في حد أدنى.
- التواصل مع الجبهة الشعبية باعتبار التقارب في وجهات النظر في خيارات البرامج والرؤى السياسية والبديل الاجتماعي.
- خوض الاستحقاقات المقبلة بشكل منفرد والإعلان عن ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة واستغلال علاقاته الخارجية الممتدة في اتجاه أهمّ اللاعبين الدوليين.
و بغض النظر عن الخطوات في هذا الاتجاه أو ذلك فان مستقبل أحمد نجيب الشابي السياسي يبقى غامضا وهو الذي لم يتحصل على أيّ نسبة مرتفعة في اتجاهات التصويت لا كشخص ولا كحزب ولعل الأيّام القادمة ستُوضح الصورة وموقع زعيم سياسي عُرف بتقلبات كبرى في مسيرته السياسية أما الحزب فمرهون مستقبله بمدى قدرة الشابي على رفع التحديات والحفاظ على وحدته وتبقى كل الاحتمالات واردة لزعيم لم يبقى في عمره السياسي الافتراضي الكثير من السنوات وستكون الانتخابات القادمة فرصة لنهاية فريدة يقود فيها البلاد بعد طول مسيرة، أو إعلانا عن توديع السياسة وصعوباتها المُستمرة.