قل الحقّ ولو كان مرّا ... بقلم صالح مطيراوي
زووم تونيزيا
| الأحد، 31 مارس، 2013 على الساعة 18:35 | عدد الزيارات : 1327
عندما كان مُخوّلا للمدارس أن تُعلّم الأطفال الأخلاق والعلم معا،كانت تُوشّح قاعات الدرس آيات قرآنية…
أحاديث نبوية،وحِكم وعِبر لِتَعْلق في ذهن الطفل الناشئة.
ما زلتُ أذكر بعض تلك اللوحات،وأذكر أشكالها المزخرفة البهيّة،وأذكر حتى ألوانها،وطريقة الكتابة،التي تشبه كتابة المصحف الشريف.
ومن أكثر ما علق بذهني:"قل الحقّ ولو كان مرّا"..."قل الحقّ ولو كان على نفسك".
الحقّ "المرّ" الذي قد لا يروق للكثير من الثوريين والحقوقيين وفرسان منابر الإعلام أنني لست متعاطفا بالمرّة مع الضحايا الحارقين. أتعاطف مع آبائهم وأمّهاتهم الذين التاعوا مرتين،مرة في عدم توفر فرص للعمل لأبنائهم،ومرة في عدم توفر الفرصة لرؤيتهم أحياء ولو في حال البطالة. أما هم،الأبناء،فالحقيقة أنني لا أوافقهم بالمرة لا تشخيصهم للوضع باعتبار انسداد آفاق الشغل والعيش "المتوسط"،ولا كون الحَرقة هي الحل الأمثل لذلك.
أنا أنحدر من وسط البلاد،حيث يقيم الفقر وحيث تتجلّى "الحُقرة" التي ينتج عنها الرغبة في "الحَرْقة"،في تلك الربوع هنالك الآلاف من الشباب الذين يُبيدون أعمارهم،في الجلوس على قارعات الطريق وفي مقاهي الذّلّ،يحتسون شرابا ويدخنون سجائر تدمّر صحتهم النفسية والعقلية.
ولكن شبابا آخرين،أكثر تواضعا من هؤلاء،لا يتوقفون عن العمل،ولا يكادون يجدون فسحة للراحة أبدا من كثرة الطلب على اليد العاملة البسيطة في أشغال البناء والفلاحة والأعمال الموسمية والعَرَضية،هذا وتوجد طائفة أخرى من الشباب عُرِفوا بحسن أخلاقهم وثقتهم بين الناس،يفِدون إلى الأسواق صباحا،فيتزودون من تجار الجملة بسلع يتولّون بيعها بالتفصيل من دون أن يدفعوا ثمنها إلى أولئك التجار،وبعد انتهاء السوق،يحاسبون صاحب السلعة بثمن المبيع على قاعدة سعر الجملة،ويرجعون له ما بقي في أيديهم من سلعة غير مباعة،ويأخذون هم فارق الربح.
قد يقول البعض إن هذا مما يسمّيه المختصّون بالأعمال الهشّة،وقد يكون ذلك صحيحا،ولكنه حتما هو أفضل من الغرق في البحر....وأفضل بالخصوص من الغرق في الأحلام،وفي الأوهام.
أعرف البعض من شباب الجهة ممّن صبروا على تلك "الأعمال الهشّة"،ولكنهم اليوم أصبحوا "رْجالْ" بكل ما تختزن هذه الكلمة الدارجة من معنى،بَنَوْا مساكن لائقة رائقة،وتزوّجوا،وانصلح حالهم وأصبحوا مكتفين بأنفسهم،بل ومُشغّلين لغيرهم...
وفي الختام أريد أن أقول،وفوق كل هذا،إن الأعمال "المحترمة" في بلاد الهجرة لا تغريني،ومن باب أولى إذا كانت تلك الأعمال "أقل احتراما"،وبصورة أخصّ،إذا كان الوصول إليها عبر هذه الطريقة القاتلة الأثيمة.
رحم الله موتانا،وغفر لهم...اللهم ارزق أهاليهم الصبر واجعلهم ذخرا لهم بين يديك...
صالح مطيراوي
11 09 2012