ديمقراطيون في الخطاب، استبداديون في الواقع/ د. محمد ضيف الله
زووم تونيزيا
| الثلاثاء، 5 مارس، 2013 على الساعة 22:29 | عدد الزيارات : 1021
د. محمد ضيف الله
عُلّمنا أو تعلمنا ونحن على مقاعد الدراسة أن الديمقراطية لغةً تعني "حكم الشعب". لم ننتبه حينها…
لى أن الأمر لا يتجاوز مستوى اللغة، وتحديدا اللغة اليونانية التي لا تربطنا بها أي صلة عدا استعمال بعض حروفها في تمارين الرياضيات. ولم يخطر في البال آنذاك أن نحرج أستاذ التربية المدنية بالتساؤل عن صلة ذلك المفهوم بالواقع، وربما لم يتساءل هو نفسه عن مدى الهوة بين ما كان يقدمه لنا في درسه وبين ما يراه في الواقع.
واليوم لا يبدو الأمر مختلفا عند الكثيرين، رغم أن الثورة في عمقها قامت من أجل أن يسترد الشعب سلطته، ورغم أن الجميع يصرون على وصف أنفسهم بالديمقراطيين. لن ننسى مشاهد بعض الديمقراطيين الذين كانوا يولولون وينتحبون يوم لم ينتخبهم الشعب مولى الحكم، ولن ننسى شتائمهم وهم ينعتون الشعب بالحمق والغباء، ومن نحيبهم أدركنا أن الديمقراطية عندهم هي تلك التي توصلهم دون غيرهم إلى سدة الحكم. واضح أمر هؤلاء، وأوضح منه مشاريع الاستبداد التي يخفونها وراء الكلمات.
نعم فالبعض في خطابهم هم "ديمقراطيون حتى النخاع"، رغم ذاكرتنا الحية التي تعرف بالتفاصيل جرائمهم في تزييف الإرادة الشعبية، والسطو على السلطة، والتسبب في اختلال التوازن الجهوي والاجتماعي، واستبعاد المشاركة الشعبية، وخنق الحريات العامة والخاصة، وتحدي الأحاسيس والمشاعر الشعبية،. فما الذي فعلوه منذئذ حتى نصدقهم في خطابهم المزيف؟ وما هي الضمانة التي تجعلنا نعتقد بأنهم لن يعودوا إلى عاداتهم القديمة في صورة ما إذا انتُخبوا في المرة القادمة؟ هؤلاء ديمقراطيون مزيفون لا أكثر ولا أقل.
البعض الآخر في خطابهم هم "الديمقراطيون وحدهم"، دون أن يوضحوا معنى الديمقراطية هنا بعد أن كانوا بالأمس ينعتونها بالديمقراطية البرجوازية، ويتباعدون عنها ليطلقوا على أنفسهم تسميات أخرى كانت أكثر جاذبية. لم ننس أن هؤلاء كانوا يتبنون العنف الثوري ودكتاتورية البروليتاريا كما في متونهم الأصيلة، ولم نقرأ لهم نقدا ذاتيا بهذا الخصوص، وفي انتظار ذلك فالعنف الثوري يبقى عنفا، ودكتاتورية البروليتاريا دكتاتورية، ولا يهم اللون أو التبرير، إن كانت النتيجة نفسها من قمع ودماء ومآسي إنسانية.
البعض من الديمقراطيين عندنا وُعدوا علنا وجهرا بالدعم والمعونة من وراء حوض المتوسط الغربي. نعرف أن هؤلاء أو بعضهم طالما دقوا نواقيس الخطر الذي يتهدد التوازنات التي تركها المستعمر القديم في بلادنا، إلا أنهم يعرفون أنهم مذ انخرطوا في مسلك السعايات والوشايات والتخابر، فقد اختاروا مصالحهم هم، ولهم كل الحرية في ذلك. لهم حرية أن يخونوا أو يبيعوا ضمائرهم إلا أنهم لن يقنعونا بأنهم يفعلون ذلك من أجلنا أو من أجل الوطن أو من أجل الحرية والديمقراطية أو أنهم يتصرفون كديمقراطيين. وإن نعتوا أنفسهم بأنهم كذلك فإنما هم مزيفون لا أكثر ولا أقل.
هؤلاء لا يمكن أن يحملوا مشروعا ديمقراطيا، وإنما مشاريع استبداد في انتظار لحظة التنفيذ.