أثواب جميلة يلبسها عملاء../ محمد ضيف الله
زووم تونيزيا
| الجمعة، 1 مارس، 2013 على الساعة 21:02 | عدد الزيارات : 1001
تصريح وزير الداخلية الفرنسي حول "ضرورة أن تدعم فرنسا الديمقراطيين في تونس"، لم يحظ بما يستحقه من تعليق أو…
حليل، ولم يندد به المعنيون بالأمر، رغم أنه يشكل إحراجا لهم، بل أن الصمت إزاءه يُعدّ فضيحة كبرى ليس لصاحب ذاك الكلام بقدر ما هو للديمقراطيين الصامتين هنا بيننا.
هذا التصريح يحيلنا إلى أهمية وزارة الداخلية الفرنسية التي كانت وما تزال وزارة سيادة وزيادة، فقد كانت وزارة الإشراف على مقاطعات ما وراء البحار خلال العهد الاستعماري ومن ضمنها الجزائر التي تفوق مساحتها أربعة أضعاف مساحة المتروبول، ونتذكر أن المخابرات الفرنسية هي أول من قام بعملية اختطاف طائرة في التاريخ عندما اختطفت طائرة الزعماء الخمسة للثورة الجزائرية، وأن "اليد الحمراء" المرتبطة بالبوليس الفرنسي هي التي كانت وراء اغتيال فرحات حشاد... في الظرف الحالي نتذكر ذلك خاصة عندما يتكلم وزير فرنسي للداخلية، مهما كان اتجاهه يساريا أو يمينيا، ففي موضوع السيادة لا فرق في التوجه العام بين اليساري فرانسوا ميتران واليميني شارل باسكوا، وصولا إلى مانويل فالس صاحب التصريح الأخير.
وزير الداخلية الفرنسي ضمّن كلامه رسالة مباشرة وجهها إلى من يسميهم "ديمقراطيين في تونس"، ولو كان المقصود من كلامه الدعم الإعلامي والسياسي والدبلوماسي، فهو مما لا يدخل في مهامه المباشرة، فضلا عن أن ذلك أمر قائم وليس في حاجة إلى التنويه، وإنما عندما يتحدث وزير للداخلية عن الدعم فهو يعني ما تقدر عليه وزارته تحديدا وما تمثله من سيادة عليه أن يجسدها في التراب الفرنسي وفي أتربة ما وراء البحار. ومن الصعب أن لا نقرأ في نبراته رسائل مشفرة إلى أجهزته وربما جهات أخرى.
كذلك من المثير للسخرية أن يتحدث وزير فرنسي عن دعم الديمقراطيين في بلادنا، بعد أن كانت بلادُه، طيلة عقود الاستقلال وإلى عشية يوم 14، الراعيَ الرسميَّ والضامنَ والكفيلَ للنظام التونسي، بما عرف عنه من استبداد ودكتاتورية، نتذكر "صديقنا" اليساري فرنسوا ميتران و"صدوقنا" اليميني جاك شيراك. ولسنا ندري هل من السهل عليهم التخلص من إرث تليد في دعم الاستبداد والمرور بيسر إلى دعم الديمقراطية، إلا أن الأكيد أن هذا الكلام يذكرنا أيضا بالبروبغندا الاستعمارية وحديثها حول "الرسالة التمدينية" لفرنسا في بلادنا وفي بقية مستعمراتها عبر العالم. والأكيد أيضا أن ما يهم فرنسا في بلادنا هو مصالحها الاقتصادية وحضورها الثقافي، وهذا كان في عهد الاستعمار وكان بعده، ويبقى صالحا اليوم وغدا.
عندما يتدخل وزير الداخلية الفرنسي بمثل ذلك الوضوح، فإنما هو يعبر عن شعور أحفاد الغوليين بأن تونس تجاوزت الخط الأحمر الذي التزمت بالوقوف دونه الأوليغارشيا الحاكمة إلى حدود 2011، أما عندما يصمت الديمقراطيون فإنما ذلك يعني أنهم يرحبون بالدعم الفرنسي، أو على الأقل يخشون من استبعاد أنفسهم من دائرة من يشملهم. والصامتون هنا عليهم أن يقلعوا عن وصف أنفسهم بالديمقراطيين، وينزعوا عنهم أثواب الديمقراطية الجميلة.
أما من نطق منهم فهو البكوش (الطيب) الذي عبر بعد عشرة أيام كاملة عن قبوله "للتدخل الأجنبي"، نعم هو لم يحصره في فرنسا تحديدا، ثم أنه وضع اشتراطات تبدو أنها متوفرة -حسب منطقه- "عندما تقوم الحكومة بممارسة الإرهاب ضد شعبها وتغرق البلاد في المديونية وتحدث في ظلها اغتيالات سياسية يصبح التدخّل مشروعا وفق قوانين المنظومة الدّوليّة". الصامتون والبكوش فاتهم أن الديمقراطية والاستعمار خطان متوازيان لا يلتقيان. وأن الشعب كما التاريخ لا يرحم العملاء.
د. محمد ضيف الله
افتتاحية جريدة الحصاد الأسبوعي، ع 75، 19 فيفري 2013