حمادى الجبالى.. رئيس الحكومة المحترم بقلم أحمد منصور
زووم تونيزيا
| الأحد، 24 فيفري، 2013 على الساعة 23:31 | عدد الزيارات : 969
«لا أدرى هل ستتاح لى الفرصة مرة أخرى للحديث إليكم؛ لذلك أغتنم هذه المناسبة لأتحدث بقلب مفتوح فى ثلاثة محاور،…
ولا: جئت لأوضح وأؤكد. ثانيا: لأشهد وأحمل المسئولية. وثالثا: لأشكر وأعتذر».
بهذه الكلمات بدأ حمادى الجبالى، رئيس الحكومة التونسية المستقيل، خطابه المؤثر إلى الشعب التونسى يوم الخميس الماضى، بعدما أخفق فى تشكيل حكومة تكنوقراط قبلتها بعض الأحزاب السياسية ورفضتها حركة النهضة التى ينتمى إليها، لكنه احتراما لنفسه وللخيار الذى رأى أنه الوحيد لإخراج تونس من مأزقها السياسى فى هذه المرحلة، قرر الاستقالة ورفض ترشيح حركة النهضة له مرة أخرى حتى يتولى الحكومة الجديدة؛ لأن هدفه ليس البقاء رئيساً للحكومة أو أن يبقى فى السلطة. وتابع خطابه المؤثر قائلا: «أؤكد مرة أخرى أنى تحملت المسئولية وشرف وابتلاء رئاسة أول حكومة منتخبة بعد الثورة، وبطبيعة الحال وككل عمل بشرى هناك إيجابيات وسلبيات فيها النجاح وفيها الإخفاق، ولأن هناك إخفاقات أردت أن أصلح واقترحت فى آخر المطاف مبادرة تصلح ما أمكن من عملنا وتوضح الطريق، واقترحت إقامة حكومة كفاءات وطنية، بما فيها من سلبيات ولكن فيها إيجابيات كثيرة.. هذه أفضل طريقة بعد التجربة والمعاناة، حكومة تعمل لكافة التونسيين، تهتم بشأنهم العام وتهتم بأولويات التشغيل والأمن وغلاء الأسعار وتوفر على مواطنينا عناء العيش وتعمل جهدها للتنمية وإقامة المشاريع ما استطاعت، وتصلح ما أفسده النظام السابق ما استطاعت ونذهب بسرعة للانتخابات».
هكذا عرض الجبالى محاولته للإصلاح ثم تحدث عن نتيجتها قائلا: «المبادرة لم تلقَ الدعم السياسى؛ لذلك قلت لكم إننى لم ألق هذا الدعم وقدمت استقالتى».
وأكد «الجبالى» أن الشيخ راشد الغنوشى، زعيم حزب النهضة، الذى يشغل الجبالى منصب أمينه العام، عرض عليه تشكيل الحكومة الجديدة، لكنه رفض متعللا بأنه «رأيت صعوبة أن أقبل مهمة لا أرى فيها فرصا للنجاح كما أردت؛ لذلك اعتذرت وأنا آسف لأنى أعلم أن بلادنا تنتظر وشعبنا ينتظر حلا». وأوضح «الجبالى» أن رفضه يعود لقناعات وليس تعنتا، فقال: «أريد أن أؤكد أن هذا الرفض ليس رفضا متعنتا ولا غلقا للأبواب، لكنه رفض من أجل تأكيد الحق فى ترك المجال لحل آخر».
وتحدث الرجل عمّا بذله من جهود مع الأحزاب السياسية لإقناعها بقبول مبادرته بعيداً عن أطماع السلطة فقال: «وقلت لهم: إن مستقبل تونس بين أيدينا، نحن مسئولون عن هذا الشعب. الشعب مل وسئم من مشاكلنا وعراكنا وخصوماتنا وتجاذباتنا؛ لذلك أحمِّل المسئولية لكل الأطراف دون استثناء بأحجام مختلفة. وللإعلام، وهذه ليست تهمة، ارأفوا بمواطنينا وبأعصابنا، لا تزيدوا الطين بلة، لا تصبوا الوقود على النار، تحملوا المسئولية، والمسئولية كبيرة جداً، أحمِّل المسئولية للأطراف النقابية، بلادنا تستحق أن نصبر ثمانية أشهر، ليس بكثير، نصبر عن الزيادات والإضرابات وقطع الطريق، بلادنا ضعيفة واقتصادها ضعيف».
بهذه النبرات الصادقة أكمل حمادى الجبالى خطابه محملاً الجميع المسئولية عمَّا تمر به تونس من أزمة طاحنة؛ فقال: «أحمًّل المسئولية لرجال أعمالنا والمستثمرين المحليين، يجب ألا يترددوا، ألا ينتظروا شريطة توفير الظروف. أحمِّل المسئولية أيضا لكل المواطنين، لأبنائنا وبناتنا، حتى نعمل ونكد ونخرج من السلبية؛ لأنه لا خيرات من دون عمل أو من دون جهد، وكذلك أطالب الدول الصديقة والشقيقة بأن تدعم جهودنا بالنصح وعدم التدخل السلبى، وإذا تدخلت تتدخل بالحسنى والدعم؛ لأن تونس تجربة فريدة تستحق الدعم.. لا يوجد مسئول وغير مسئول، كلنا مسئولون عن إنجاح التجربة، عن إنجاح الثورة، ولا يتملص أحد من مسئولياته، كلنا فى السفينة، كما فى حديث الرسول، إذا نجونا نجونا مع بعضنا أو هلك الجميع».
وفى الختام، قدم الرجل الصادق مع شعبه ونفسه اعتذاره للجميع قائلا: «أعتذر لأننى خيبت الآمال، وأعتذر لأننى قصرت؛ لأن المنصب مسئولية والحكم أمانة أمام الله وشعبنا، وأنا مقصر وأعتذر، وأعتذر لمن لحقه ظلم منى بغير قصد، أعتذر لمن رأى فى تصرف أو كلام أذى ولذلك أعتذر لشعبى».
وقفت أمام خطاب «الجبالى» عدة مرات، أوقفنى فيه نبرة الصدق، والمشهد السياسى الذى أرى مثله فى مصر وليبيا ودول عديدة، أناس جاءتهم الفرصة لينقذوا بلادهم ويدخلوا التاريخ، لكنهم يقدمون مصالحهم الشخصية على مصالح البلاد، والشعوب سئمت وملّت وتنتظر الخلاص أو بالأحرى تنتظر الصدق.