أخبار وطنية

ابو يعرب المرزوقي يكتب : " ما يحصل لا يبشر بخير"

زووم تونيزيا | الأربعاء، 6 مارس، 2013 على الساعة 22:39 | عدد الزيارات : 637
آليت على نفسي التزاما خلقيا مني ألا أعلق بشيء عما يجري في الأحزاب الحاكمة والحكم و في الأحزاب المعارضة…
المعارضة بعد خروجي من المشاركة في المجال السياسي المباشر و العودة إلى المشاركة غير المباشرة في ما له منه علاقة باختصاصي. لذلك فإني أود قبل المغادرة التي تبدأ مباشرة بعد تأليف الحكومة المقبلة أن أقدم جملة من الملاحظات السريعة وبصورة برقية ستكون آخر كلام لي في السياسة المباشرة التي أغادرها نهائيا للعودة إلى عملي السابق. وما كنت لأبدي هذه الملاحظات لو تبين لي أن تأليف الحكومة الجديدة تحرر من العيوب التي شابت تأليف الحكومة الحالية فأمكن توقع تحسنا ممكنا في عملها ينافي منطق تأليفها: الملاحظة الأولى تتعلق بالتوسيع المزعوم.فهو على صورته الحالية لن يمتن قاعدة الحكم بل سيزيده تشضيا لأن المدعويين إليه من جنس الجيش المكسيكي (ضباط بدون جنود) ومن ثم فهو توسيع لن يولد إلا عدم القدرة على العمل بمنطق الفريق المتحد و ذي المنهجية الواضحة مهما كانت قدرات رئيسها: يتكلمون على توسيع نقل الترويكا إلى الخماسية. وهذه مغالطة لا يمكن أن تدل على الصدق في مخاطبة الشعب. فنحن انتقلنا بالتدريج من ثلاثية كانت مؤلفة من أحزاب ثلاثة كل واحد منها شبه متحد إلى بقايا حزبين غالب نوابهما غادرا كتلتيهما في المجلس وطبعا فمعهما من يقول برأيهما من الناخبين مع حزب رئيس بدأت الخلافات تدب فيه وخاصة بعد مؤتمره الأخير. ولعل أهم علامات التخلخل هو "الكاكوفوني" التي تشبه "ميعاد ورقلية" حيث يكاد كل شخص يصبح ناطقا رسميا باسم الحزب: لذلك فالتوصيف الأمين لما يؤلف حاليا ليس خماسية حزبية ذات حضور فعلي في الساحة السياسية إذا ما استثنينا الحزب الأكبر بل شظايا أحزاب لا أحد يعلم مقدار تمثيليتها للناخبين لأنها تكونت في إطار المجلس من خلال الانسلاخ من حزب المؤتمر والتكتل والبي دي بي مع بعض المستقلين. الملاحظة الثانية تتعلق بمنطق التأليف الذي يبين من البداية أنه محاصصة أوسع تجري بين قيادات الأحزاب المشاركة وليس عملية مستقلة يقودها المكلف بتأليف الحكومة: لم نسمع رئيس الحكومة المكلف حول خطته في تأليف الحكومة ولا حول منهجه فضلا عن الدرس الذي يمكن أن يكون قد استفاده من التجربة السابقة التي كان فيها أحد وزراء السيادة بل أهم هؤلاء لكونه المسؤول الأول على أهم مجال في الحياة الجماعية بل شرط كل شروطها. ما يتكرر في الصحف والإذاعات والتلفزات هو تصريحات بعض القيادات من حزب النهضة كبارهم وصغارهم لكأن الجميع يسعى إلى تأكيد حضوره وتثبيت دوره ومن شضايا الأحزاب شضاياها التي يعسر أن تلتزم غدا بانضباط تصويتي لأن جل أعضائها قادة أو هكذا يتصورون أنفسهم. فإذا كان ما نراه هو الجاري فعلا فإن رئيس الحكومة المقبل لن يكون رئيس فريق يمكن أن تكون له سياسة تشبه السمفونية بل سيكون من جنس ما شاهدنا من نشاز متواصل في الحكومة السابقة وتردد يلغي جل القرارات أو يبقيها في مخاض لا يصل إلى الولادة إلا بعد فوات الفوت فيتمخض عن فؤير خاصة إذا عاد إلى فريقه الوزراء الزعماء الذين يريدون مقاسمته سلطاته أو يمثلون مراقبين عليها لصالح أحزابهم. الملاحظة الثالثة تخص السياسة المنتظرة. فكل الوعود مشروطة بأمر تشير الملاحظتين السابقتين أنه منعدم: التوافق الأوسع على المطالب الخمسة المشروطة في تحقيق أهداف الثورة أعني الهدفين السياسيين الغائي والأداتي والاقتصاديين الاجتماعيين الغائي والأداتي وشرط ذلك كله: 1. الهدف السياسي الغاية: الدستور المدني بمستوياته بمقومات الدستورية في كل نص مؤسس لنظام الحكم النابع مما يجمع عليه الشعب مقوما موحدا لذاتيته التاريخية والثقافية كما تتجلى في إبداعاته على مر تاريخه: أعني -أ- نظام الحقوق والواجبات السياسية والمدنية والاجتماعية والثقافية التي بمقتضاها يسمى المواطن مواطنا ومن ثم الحدود التي توضع لحفظها -ب- السلطات تقاسما وتراتبا وتفاصلا عند الخلاف حتى يكون أداة ضمان تلك الحقوق -ج- أدوات المراقبة التي تمكن من جعل: -ب- لا يتعدى على -أ- (أي حق المساءلة والمحاسبة القبلية بالإعلام الحر والبعدية بالعدل المستقل). -د- شروط المحافظة والتطوير الدستوريين -ه– و أخيرا شرط الشروط حق الاستفتاء على المسائل القيمية بمجرد طلبه من قدر معين من المواطنين يمكن أن يكبر أو يصغر بحسب المسائل القيمية المطروحة. 2. الهدف السياسي الأداة: أدوات أنجاز أحكام هذا الدستور من خلال الانتخابات الحرة والشفافة التي تؤسس للجمهورية الثانية المحكومة بهذا الدستور أعني قانون الانتخاب وهيأته المستقلة وشروط الإعلام الحر والعدل المستقل والتمويل البين والصريح للأحزاب والجمعيات التابعة لها وحتى المستقلة عنها. 3. الهدف الإقتصادي-الإجتماعي الغاية: شروط الكرامة المادية للعاطلين وتنمية الجهات المحرومة 4. الهدف الإقتصادي-الإجتماعي الأداة: التنمية المحلية المعتمدة على المبادرة الخاصة بمساعدة التمويل العمومي على سبيل التشجيع لذوي الكفاءات ممن ينوي دخول مجال المبادرة الاقتصادية بضائع وخدمات وعلى سبيل القرض لأرباب العمل المتخوفين من المغامرة في مناطق أفقدها الإهمال الطويل القدرة على العمل الدؤوب لفرط تمزيق شملها وتشتبت شبابها. 5. شرط كل هذه الأهداف الغائية والأداتية هو تحقيق الأمن. و لا يمكن ذلك من دون الحد الأدنى من المصالحة التي تقلل من عدد أعداء الثورة بأن تقدم الالتفات إلى المستقبل بدل نبش الماضي حتى يطمئن الجميع. والمحاسبة تأتي بعد أن تتمتن القاعدة الشعبية للحكم-الثورة وتضعف دواعي الثورة المضادة من خلال مباشرة المحاسبة بعدالة تم إصلاحها وتحريرها من الفساد ومنطق الاستبداد. الملاحظة الرابعة تخص فلسفة الحكم: تحرير الحركات الإسلامية من الخلط بين ديناميتين واحدة قيمية اجتماعية ليس للدولة فيها دخل وتتعلق بآليات تحرير المجتمع من التدخل في جدل القيم التي ينبغي أن تتحرر بمجرد أن تكتفي الدولة بدوريها الرئيسيين: الدور الأول: هو الأمن الداخلي بحسن إدارة العلاقات بين المواطنين وذلك هو الدور المتعلق بتحقيق شروط التعاون بينهم من أجل سد الحاجات من خلال تحقيق الأمن الضامن للإنشاء والبرامج التنموية وتحقيق العدالة الضامنة للتبادل الآمن والتعاوض العادل. الدور الثاني: هو الأمن الخارجي بحسن إدارة العلاقات مع الغير وذلك هو الدور المتعلق بتحقيق شروط التعاون مع المحيط القريب والبعيد من خلال علاقات دولية متوازنة وندية مع الشركاء. أما ما عدا ذلك من صراع سلمي حول القيم المادية (النقابات) وحول القيم المعنوية (الجمعيات الثقافية والفكرية والحقوقية) فلا تكون فيه الدولة طرفا بل هي حكم. والحكم لا يمكن أن يكون قاضيا ومتقاضيا. والحكم محكوم بالقوانين التي تضبط كل الصراعات الاجتماعية والسياسية والقيمية في الحدود الضامة لدوري الدولة سابقي الذكر. الملاحظة الأخيرة: تحرير جهاز الدولة من الاحتكار الحزبي واعتماد مبدأ المساواة بين المواطنين في شغل الوظائف باستثناء الوظائف التي تتبع الحكم في بعده السياسي المتغير بمقتضى التداول. فآفة الآفات هو تحزيب الإدارة الثابتة التي ينبغي أن تكون مجرد منظومة شبه آلية للقيام بما حددناه من وظائف للدولة أعني الأمن والعدل والتربية والصحة وكل الوظائف التي تلازم شروط التعاون والتبادل والتعاوض والتواصل والإعلام والاستعلام أعني كل ما يجعل الدولة جهازا ثابتا يتداول عليه من اختارهم الشعب لحكمه مدة ينبغي ألا تطول حتى يكون التداول آلية للتحسين المستمر للخدمات ودور الحكم الذي هدفه وغايته أن يكون محايدا أقصى ما يمكن للحياد أن يتحقق في علاقات البشر. ولعل أكبر عيب وقع فيه الحزب الإسلامي الذي يحكم تونس بعد الثورة (وقد يكون الأمر نفسه حاصلا في مصر) هو أنه يعمل بعكس هذه المبادئ بصورة شبه نسقية بقصد من نخبته القائدة أو بغير قصد لعدم قدرتها على تنظيم شؤون الحزب بما توجبه الاستراتيجية الحكيمة فأصبح حكمه عملية غزو يرد فساد السابق بفساد من جنسه فتحول الحكم إلى توزيع مغانم في الحكومة وأجهزتها والإدارات وتوابعها توزيعها على الأقرباء والأصحاب والأحباب دون اعتبار لمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب. ولو طبق هذا المبدأ لعزل أغلب وزراء الحكومة الحالية ولما جدد لهم في الحكومة القادمة لأن إضاعة الوقت وسوء التقدير والمعارك الزائفة التي خاضوها كلها كانت دليلا قاطعا على أنهم ليسوا من أهل الدراية والخبرة ولا ممن يمكن أن يسمع لمن ينصحهم بما توجبه الحكمة العملية في تدبير الشؤون البشرية حتى أني كدت أعتقد أن جلهم يهزأ من الحكمة والفكر أصلا ظنا منهم أنها مجرد تفلسف بالمعنى التحقيري المشفوع بابتسامات صفراء يظنها أصحابها نباهة ساخرة وهي في الأغلب من علامات الغباء المستحكم. ومن ثم فالمحافظة عليهم دليل على الخوف من مغادرة الحكم بلا رجعة وليس حبا في خدمة الوطن فضلا عن أن تكون فهما حتى لمصالح الحزب الذي يدعون تمثيله. وهذا الأمر هو الذي سيفشل المشروع الإصلاحي كله لأنه يبين أن الحركات الإسلامية ليست ساعية إلى الإصلاح بقدر ما هي ساعية سعي من تقدم عليها إلى التحكم ومن ثم فلا يحق لها الكلام على الإصلاح فضلا عن قيم الإسلام. وبهذا المعنى فإن الإكثار من الكلام بمبتذلات الخطاب الديني حتى كادت الاجتماعات السياسية تتحول إلى خطب جمعة يصبح مجرد استغفال للشعب لأن الأعمال المخالفة للأقوال ليس أدل منها على النفاق: ولو كنت أعلم ذلك قبل المشاركة بصفتي مستشارا وأن تعييني كان من باب الترضية لنأيت بنفسي عن المشاركة. فأنا ولله الحمد مستغن عن المغانم المادية والمعنوية فلست بحاجة لأجر من الدولة ولست بحاجة للتعريف بنفسي بتوسط السلطة السياسية. وقد صابرت سنة كاملة لأني كنت أظن التردد في تحقيق ما جئت من أجله علته تزاحم الأوليات في حكومة لا زال أغلب أعضائها دون الخبرة المطلوبة ولا زال رئيسها نهبة لإرادات متعارضة تمثلها أحزاب الترويكا التي تفجرت لكونها في الحقيقة ليست أحزابا بل نوادي لأشخاص كل منها يعتبر نفسه زعيما. لكني تأكدت أن الأهداف التي سعيت إليها وهي خمسة لا غير لم تكن من أوليات أهل الحل والعقد بل لم يكن من أولياتهم إلا تأبيد بقائهم وأهليهم في الحكم بدليل الإبقاء على نفس الأسماء في الوزارات والإدارات رغم ما يعلم الجميع ما سببه للمشروع الإسلامي في تجربته بعد الثورة من نكسة أخشى ألا يخرج منها بسلام: 1-لذلك فإني لم أحقق منها إلا هدفا واحدا هو ترقية بيت الحكمة دون أن أكون واثقا من الأمر سيتواصل لأن الثقافة لم تكن من هموم الحكام بدليل أني لم أستطع تحقيق لقاء بينهم وبين رئيس الحكومة أو تحديد سياسية ثقافية ذات انفتاح حقيقي على الإبداع المتحرر من الاتباع رغم كل المحاولات. 2-مركز ابن خلدون تم تحقيقة على الورق لا غير بل إن الأمر المتعلق به لم يصدر في الرائد الرسمي إلا بعد استقالة الحكومة الحالية. لذلك فهو سيموت لأنه لن يجد من يسعى إلى تحقيقه في الواقع الفعلي. 3-إحياء الزيتونة هو مشروع متعثر بسبب الأحكام المسبقة للعقد الحداثوية عند نخبة تونس العلمانية ذات الأفق الضيق ولكن بأيد المتخلف من النخبة الإسلامية التي تعاني من عقدة إرضاء هذه النخبة المزايدة في التحديث إيديولوجيا والتي تمثل جوهر الرجعية الحضارية لأنها لم تر من الحداثة إلا مستهلاك العيش الرغيد من دون أدواته. 4-جعل القيروان محجا إسلاميا عالميا شروعا في تأسيس سياحة راقية تجمع بين الثقافي والروحي والتأصيل مع ما في ذلك من فوائد مادية تغني عن السياحة المتبذلة التي وصفتها بما وصفتها به والتي أدت إلى إفلاس جل المؤسسات السياحية والبنكية لأنها كانت وسائل غير مشروعة لإثراء بطانة النظام السابق. 5-الشروع في إصلاح التربية والثقافة على أسس تجعل المعرفة أساس كل تنمية مادية وروحية فتسترد تونس دورها في الريادة ومن ثم تصبح منارة في إعادة الأمة العربية والإسلامية للتاريخ الكوني تحقيقا فعليا لأهداف الثورة كما ترمز إليها بيتا الشابي اللتين تمثلان عودة لفهم القضاء والقدر الفهم الملائم لقيم القرآن في التغير التاريخي من خلال دور الأمم في التغيير
آخر الأخبار