"محسن مرزوق" لـــ شكري بلعيد : "ليلة القبر الاولى"
زووم تونيزيا
| الاثنين، 11 فيفري، 2013 على الساعة 18:15 | عدد الزيارات : 758
نشر القيادي في حزب «نداء تونس» محسن مرزوق، على صفحته في الفايسبوك الرسالة التالية رثاء للشهيد شكري…
لعيد:
«بعد ليلة في قبرك، جاءني يا صاحبي أن الجيش يحمي جسدك من أيادي النابشين الذين يريدون أن يخرجوك من الأرض ليقتلوك مرة أخرى. ولو فعلوا، أنا أعرف أنهم لن يجدوك فيه فكما أعرفك أنت الآن تكد تحت الأرض لرعاية عروق زياتين تونس ونخلها وكرومها وروحك بين يدي الباري وفكرك بين أيادينا. لا قدرة لهم إذن على جسدك ولا على روحك ولا على فكرك.
ورغم ذلك هؤلاء هم من نقاسي. لا يقدرون الموت وهم صانعوه فما بالك بالحياة. هم من جنسنا وأبناء بلدنا ولكنهم ضالون جمع الله فيهم كل الحقد والغضب والجاهلية الممكنة حتى يراها المؤمنون متجسدة في ذوات بشرية فينأون بأنفسهم عنها.
بعد ليلة في قبرك النجوم تحرسك نجوم على أكتاف الضباط ونجوم لامعة في عيون زوجتك وبنتيك الصغيرتين.
نساؤك قمن بواجب الشجاعة وأكثر لتشييعك فلم يخذلنك بالضعف، والضعف حقهن، وأنت مسجى أمام ملايين التونسيين. الآن حان الوقت لهن ليتفرغن للنواح عليك. ابكين عليه أيتها المكلومات المفجوعات! لا تتركن الحزن يجمد في قلوبكن. ابكين كل ما في أعينكن وأرواحكن. خاصة أنتما ايتها الصغيرتان. حتى لا يبقى من البكاء الكثير. فوالدكما، كما عرفته يريد أن تتمتع صغيرتاه بالحياة كما أحبها هو. وكما تمناها لكما. لهذا أفرغا البكاء الآن من الصدور الصغيرة لتسترجعا الفرحة والضحكة وحياة الأطفال. لا تكبرا صغيرتاي قبل الأوان، فلا شيء أكثر من الحزن يذهب بالعمر.
وليترك البكاء طليقا مثل خيل جامحة كما أفعل الآن بالضبط، هنا في هذه الوحشة.
رغم الرغبة الماكرة، ليس عندي، يا صاحبي، وقت كاف للبكاء المادي كما تعرف. لذلك سأبكي قليلا في الظاهر وأترك الباقي لبكاء الباطن الذي سيدوم طويلا. لقد تعلمنا ذلك، هل تذكر؟ حتى صرنا وكأننا صخور رخامية. ولكن القلب تحت الصخرة أرق من زهرة الياسمين في صبح صيف الحمامات.
هذه ليلة «فرقك» ولم أستطيع الذهاب لأحييها مع أهلك. فقد صار تنقلي صعبا في ليالي القتلة يا أخي. أنت تتفهم ذلك.
اعتبر، شكري، هذا النص حضورا مني في جلسة التأكد من غيابك التي ستنتظم بعد قليل ونسميها «فرقا» أو فراقا.
لقد أعدتني لنمط كتابة تركتها منذ مدة. هي نوع الكتابة التي تحبها وكنا نتبارز في التفوق فيها نثرا وشعرا. وسأكتب لك كثيرا وأخفي منه كثيرا لتقرأه أنت فقط».
لترعاك النجوم بعد عناية البارئ العالية.