واعتبرت في تقرير أعدته ونشرته على موقعها الرسمي وحمل عنوان " مرسوم الجرائم الالكترونية: حصان طروادة النظام الجديد"، أن المرسوم جاء بفصول ومصطلحات فضفاضة وعقوبات زجرية تفتح أبواب السجون التونسية على مصراعيها أمام كل شخص يمتلك جهاز حاسوب أوهاتف ذكي متصل بالشبكة.
وبينت أن المرسوم 54 يعد خطوة جديدة يقوم بها النظام الحاكم نحو تشديد الرقابة على الأفراد وترويع الصحفيين والصحفيات وكل منتج أو ناشر لمحتوى على شبكة الأنترنت، مبينة أنه لا يمكن لأي دولة مهما كانت معادية للحقوق والحريات أن تتحكم بقبضة من حديد في محتوى ينشر على الانترنات بمجرّد سن قوانين في الغرض.
وأكدت البوصلة في تقريرها الذى تضمن مختلف الإخلالات الواردة في المرسوم على أصعدة حرية التعبير وواجب التحفظ وغياب هيكل رقابي، أن الدول والأنظمة الديمقراطية لم تعد تعتمد على النصوص السالبة للحرية لتعديل المحتوى على شبكات التواصل أو غيرها من المواقع، بل اتخذت أساليب أخرى مثل تكثيف الجانب التوعوي لدى الأفراد والقصر.
واعتبرت أن تونس وبصدور المرسوم 54، انضمت لنادي الدول المعادية لحرية التعبير تحت غطاء مكافحة الجريمة الإلكترونية، إذ "تسرّب" للمرسوم الفصل 24 الذي أطلق رصاصة الرحمة على أهم مكتسب من مكسبات الثورة، وفق ما جاء في التقرير.
وقالت" إن هذا الفصل أقر عقوبات زجرية لجريمة نشر الأخبار الزائفة أو إشاعات كاذبة ووضعها في نفس المستوى مع باقي الجرائم مثل الثلب والشتم. بل أكثر من ذلك، إذا كانت الأخبار الزائفة تتعلق بموظف أو شبه موظف ترتفع العقوبة لعشرة سنوات سجن و100 ألف دينار خطية في دولة تتزايد فيها الطوابير يوميا لاقتناء مادّة السكّر وغيرها".
كما أوضحت أن ما ورد بالفصل 9 من المرسوم يشكّل تهديدا صريحا لحق الصحفيين في سرية المصادر المنصوص عليه بالفصل 11من المرسوم عدد 115 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، مبينة أن الفصل يمكّن الأجهزة الأمنية من طلب وحجز البيانات المعلوماتية المخزنة بنظام أو حامل معلوماتي أو المتعلّقة بحركة اتصالات أو بمستعمليها أو غيرها من البيانات التي من شأنها أن تساعد على كشف الحقيقة، وبحجز كامل نظام معلومات أو جزء منه أو حامل معلوماتي.
ولفتت المنظمة في نفس الإطار إلى تناسي الضمانات القانونية في صورة الاطلاع على البيانات المخزنة من طرف باقي أجهزة الدولة ، إذ لم يتم إحداث هيكل مستقل أو هيئة وطنية كاملة الصلاحيات لمراقبة التجاوزات التي يمكن أن ترافق عملية معاينة الجرائم وتنفيذ أذون الاعتراض والنفاذ قصد التأكد من سلامة الإجراءات و عدم المسّ بالحقوق و الحريات.
وشددت أن ذلك يتعارض مع الاتفاقيات والمعايير الدولية التي حتى وإن أسندت مثل هذه الرقابة للسلطة القضائية أوصت بفرض رقابة بعدية عند القيام بإجراءات مماثلة، مشيرة الى أنه في ظل الصراع الذي تعيشه السلطة القضائية اليوم مع رئاسة الجمهورية تبقى مهمة حماية حقوق الأفراد و خصوصيتهم بيد السلطة التنفيذية.
وأوصت "البوصلة " بتنقيح قانون حماية المعطيات الشخصية أو سنّ قانون جديد متطابق مع المعايير الدولية والأخذ بتوصيات الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية وتعزيز صلاحياتها ومواردها المالية، وإحداث هيكل رقابي مستقل ماديا وإداريا يختص بمتابعة العمليات المتعلقة بمعالجة المعطيات الشخصية وسلامة الإجراءات عند معاينة الجرائم الإلكترونية .
واقترحت إدراج مادة التربية الرقمية في برامج التعليم الابتدائي وتكثيف العمل على الجانب التوعوي، وسن قانون يكافح الجرائم الالكترونية تتم مناقشته بطريقة شفافة وتشاركية، وتؤخذ بعين الاعتبار توصيات المجتمع المدني.
يشار الى أن العديد من الدول سارعت منذ نهاية القرن الماضي لإيجاد تشـريعات خاصة قصد مكافحة الجرائم الإلكترونية، وبكونها جرائم عابرة للقارات صدرت اتفاقية بودابيست سنة 2001 المتعلقة بالجريمة الإلكترونية، والتي تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي والإقليمي لدرء مخاطر هذه الجرائم.
وغالبا ما يترتب عن الجريمة الإلكترونية ضرر جسيم للأفراد أو المؤسسات، ويكون في أغلب الأحيان الدافع من وراء ارتكابها ابتزاز الضحية وتشويه سمعتها من أجل تحقيق مكاسب مادية وذلك باستخدام الحاسوب ووسائل الاتصال الحديثة مثل الإنترنت.
وتتشابه الجريمة الإلكترونية مع الجريمة العادية في عناصرها من حيث وجود الجاني والضحية وفعل الجريمة، ولكن تختلف عن الجريمة العادية باختلاف البيئات والوسائل المستخدمة، فالجريمة الإلكترونية يمكن أن تتم دون وجود الشخص مرتكب الجريمة في مكان الحدث، كما أن الوسيلة المستخدمة هي التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال الحديثة والشبكات المعلوماتية.
ومن أكثر الجرائم الإلكترونية انتشارا على سبيل المثال جريمة انتحال الشخصية، إذ يستدرج المجرم الضحية ويستخلص منها المعلومات بطرق غير مباشرة، من أجل الاستفادة منها واستغلالها لتحقيق مكاسب مادية. كذلك تفاقمت جريمة تهديد الأفراد في السنوات الأخيرة وهي جريمة يقوم من خلالها الجاني بقرصنة وسرقة معلومات شخصية وخاصة جداً بالنسبة للضحية، ثم يقوم بابتزازها من أجل كسب الأموال أو تحريضها للقيام بأفعال غير مشروعة.
كما تستهدف الجريمة الالكترونية المؤسسات والشركات الكبرى وذلك باختراق الأنظمة، مما يتسبب بخسائر مادية كبيرة زد إلى ذلك الخسائر الناجمة عن تدمير النظم مما يؤثر حتما على الوضع الاقتصادي للدول.
كما يمكن أن تستهدف الجرائم الإلكترونية أمن الدولة من خلال برامج التجسس، وذلك بزرع تطبيقات أو أنظمة إلكترونية داخل المؤسسات تمكّن على سبيل المثال من الاطلاع على مخططات عسكرية تخص أمن البلاد، لذلك فهي تعتبر من أخطر الجرائم المعلوماتية.