سياسة

البيان الختامي للمؤتمر العاشر : حركة النهضة تختار هوية جديدة

زووم تونيزيا | الأربعاء، 25 ماي، 2016 على الساعة 17:35 | عدد الزيارات : 10127
زووم - أصدرت حركة النهضة ، اليوم الأربعاء 25 ماي 2016 ، البيان الختامي للمؤتمر الإستثنائي العاشر الذي اِنعقد أيام 20، 21 و 22 من الشهر الجاري تحت شعار جامع "نهضة تونس مع بعضنا".

 

وقال البيان أن المؤتمر انعقد في ظرف عالمي وإقليمي ومحلي دقيق يتسم بالتوتر والاضطراب يدعو إلى العمل على تحييد آثاره السلبية على بلدنا خاصة تداعيات الإرهاب وبقدر ما ثمّن المؤتمر جهود المصالحة بين الليبيين فإنه حرص على أن يكون لتونس إسهام في دعم ليبيا للوصول إلى بر الأمان، كما أكّد على دفع العمل المغاربي والعربي المشترك ودعم القضية الفلسطينية وكل قضايا التحرر في العالم وتطوير العلاقات مع الأشقاء والأصدقاء ومزيد الاهتمام بالعمق الإفريقي.

 

هذا وأشار البيان إلى أنّ الحزب انطلق في هذا المؤتمر من تقييم ومراجعة تجربته الماضية للتعبير عن إيمانه العميق بأهمية النقد الذاتي من أجل استخلاص الدروس وتثمين المكاسب المتحققة من أجل الاهتداء بها في تجديد الذات وتعزيز القدرات على الفعل في الواقع وتجاوز التجربة إلى المستقبل،مؤكدا أنّ حركة النهضة استفادت في مسيرتها من أفكار رموز التجديد والإصلاح وانفتحت على آراء أكثر المفكرين انتصارا لقيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان في العالم مما جعل هويته تتشكل بطريقة ديناميكية مستمرة بدافع من التشوف إلى مستقبل يكون أكثر استنارة وتقدما ونهوضا.

 

وقد اختار المؤتمر الحزب الوطني هوية جديدة للنهضة تجعله يهتم بما يجمع ويوحد، تتسع أوعيته التنظيمية للتعدد والتنوع، ينبذ التنافي وتقسيم المجتمع والتفرق إزاء المصالح الوطنية الكبرى، وفي ما يلي نص البيان :

 

انعقد على بركة الله بين العشرين والثاني والعشرين من شهر ماي 2016 الموافق ل12-13-14 شعبان1437ه المؤتمر العاشر الاستثنائي لحزب حركة النهضة بالحمامات بحضور ألف ومائة وخمس وثمانين مؤتمرا ممثلين لكافة الجهات والفئات يجمعهم الصف الواحد والهدف الواحد والأمل الواحد تحت شعار جامع "نهضة تونس مع بعضنا".
ومثلما كان الافتتاح استثنائيا حيث حظي بحضور السيد رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي وعدد كبير من الضيوف من الخارج (حوالي مائة وخمسين وفدا) ومن أعضاء الهيئات الدبلوماسية ومن داخل تونس ممثلين عن الأحزاب والمنظمات والشخصيات الوطنية، فقد كان الاختتام تتويجا لأيام من العمل الثري والنقاش الحر والعميق مما شكل لوحة رائعة في إدارة التعدد والاختلاف، المشبع بروح الثورة والإصلاح والمتحلي بقيم الوحدة والوفاق.
وفي البدء ترحم المؤتمر على جميع شهداء الوطن من قوات جيشنا وأمننا الوطنيين ومن أبناء الشعب الذين استشهدوا دفاعا عن حرمته وحرية التونسيين من أبناء النهضة ومن كلّ العائلات السياسية والفكرية كما توجّه بالتحية إلى كل أبناء الحزب وقياداته الذين عملوا بجد طيلة هذه السنوات من أجل إنجاح الانتقال الديمقراطي وخدمة تونس.
انعقد المؤتمر في ظرف عالمي وإقليمي ومحلي دقيق يتسم بالتوتر والاضطراب يدعو إلى العمل على تحييد آثاره السلبية على بلدنا خاصة تداعيات الإرهاب. وبقدر ما ثمّن المؤتمر جهود المصالحة بين الأشقاء الليبيين فإنه حرص على أن يكون لتونس إسهام في دعم ليبيا للوصول إلى بر الأمان، فإنّه أكّد على دفع العمل المغاربي والعربي المشترك ودعم القضية الفلسطينية وكل قضايا التحرر في العالم وتطوير العلاقات مع الأشقاء والأصدقاء ومزيد الاهتمام بالعمق الإفريقي.
ذ
لم تمر سنتان من انطلاق مشروع التغيير الذي بشرت به ثورات الربيع العربي حتى تكشّف حجم الهجمة عليها وظهرت درجة الضعف التي كان عليها المشهد السياسي والثقافي العربي وتوضح مستوى الفجوة بين الحلم والواقع وضعف تأهيل القوى السياسية الحاملة لطموح التغيير والإصلاح لضمان الانتقال الديمقراطي في أوطانها.
في هذا المشهد المعقد مثلت تونس الاستثناء وبدا ما حققته من إنجاز سياسي على درب الانتقال الديمقراطي بمثابة المعجزة التي أعادت الثقة بأنّ العرب بمقدورهم أن يحققوا تجربة الديمقراطية وليسوا في ذلك أقل من غيرهم من الشعوب الأخرى. لقد اختزن هذا النجاح مستوى التحضر والتسامح السياسي في شخصية المواطن التونسي واستعداده لتحكيم العقل والتنازل لشركائه في الوطن عندما يرى الوطن على حافة الهاوية. كما اختزن هذا النجاح وطنية جيشنا وأجهزتنا الأمنية ومهنيتهم العالية وعراقة المجتمع المدني التونسي ووجود قوى سياسية وازنة وضامنة قادرة على حفظ التوازنات وامتصاص التوترات وإعادة هندسة المشهد السياسي وبناء الوسط الواسع من خلال التوافق وكان للنهضة دور أساسي في ذلك.
مثلت لنا السنوات الخمس الماضية التي جاءت في سياق مسار الانتقال الديمقراطي محفوف بالصعوبات والمخاطر تجربة تاريخية ثرية، كما اكتشفنا الفارق بين الإيمان بالمبادئ المجردة للحرية والديمقراطية التي دفعنا من أجلها ثمنا باهظا على مدى عقود وبين تحويل هذه المبادئ إلى منجز سياسي ملموس عقب ثورة فجرت في لحظة واحدة العديد من التناقضات السياسية والثقافية والاجتماعية.
لقد سلكنا منذ انتصار ثورتنا المجيدة إلى اليوم سلوكا سياسيا يقوم على رفض الاستقطاب والاستئثار والتعصب والإقصاء كما جعلنا المصلحة الوطنية هاديا ودليلا لنا في سلوكنا الداخلي وعلاقاتنا الخارجية وقدّمناها على الحقوق الحزبية التي تضمنها الديمقراطية كما عملنا على الارتقاء بمستوى الخطاب السياسي وإدارة أعسر الاختلافات السياسية بروح توافقية جامعة فأثبتنا بكل ذلك أن النهضة قوة ضامنة للنجاح التونسي في الانتقال الديمقراطي ولأمن وسلامة الوطن وحرية المواطنين.
فبعد مسيرة تجاوزت الأربعين عاما من النضال القاصد إلى المساهمة في تجديد الوعي الحضاري والإسهام في توفير حياة أفضل للتونسيين والتونسيات ضمن مجتمع متحرر من الظلم والتخلف، وفي وطن منعتق من الاستبداد والتبعية، يقف حزب حركة النهضة اليوم في محطة مؤتمره العاشر الاستثنائي وِقفة مصيرية ليقيّم تجربته ويجدد ذاته ويسدد مسيرته نحو مستقبل أفضل في خدمة تونس.
انطلق الحزب في هذا المؤتمر من تقييم ومراجعة تجربته الماضية للتعبير عن إيمانه العميق بأهمية النقد الذاتي من أجل استخلاص الدروس وتثمين المكاسب المتحققة من أجل الاهتداء بها في تجديد الذات وتعزيز القدرات على الفعل في الواقع وتجاوز التجربة إلى المستقبل. وإذا كانت النهضة قد سبقت غيرها في الساحة الوطنية إلى هذا النهج الشجاع والبناء، فإنها تأمل في أن يكون عمل المراجعة والتقييم تقليدا عاما تلتزم به كل مكونات مجتمعنا المدنية والسياسية على اعتبار أن أمامنا مصيرا وطنيا وإنسانيا مشتركا علينا أن نتعاون جميعا على حسن تصوره وتدبير بنائه.
في ضوء قراءته لتجربته التاريخية، يؤكد حزب حركة النهضة أنه قد استفاد في مسيرته من أفكار رموز التجديد والإصلاح وانفتح على آراء أكثر المفكرين انتصارا لقيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان في العالم مما جعل هويته تتشكل بطريقة ديناميكية مستمرة بدافع من التشوف إلى مستقبل يكون أكثر استنارة وتقدما ونهوضا. أهلت هذه المسيرة التجديدية النهضة في المجال السياسي لكي تتشكل اليوم حزبا وطنيا يعمل من أجل مصلحة تونس وبناء مجتمع عادل وآمن يضمن الحياة الكريمة لكل التونسيين والتونسيات باعتماد الديمقراطية أساسا للدولة ومنهاجا في إدارة الشأن العام.
يؤكد هذا المؤتمر التاريخي بوضوح خياراته الإستراتيجية أن حزب حركة النهضة قد تجاوز عمليا كل المبررات التي تجعل البعض يعتبره جزءا مما يسمى "الإسلام السياسي" وأن هذه التسمية الشائعة لا تعبر عن حقيقة هويته الراهنة ولا تعكس مضمون المشروع المستقبلي الذي يحمله. وتعتبر النهضة أن عملها مندرج ضمن اجتهاد أصيل لتكوين تيار واسع من "المسلمين الديمقراطيين" الذين يرفضون التعارض بين قيم الإسلام وقيم المعاصرة. وقد تضمنت لائحتا "الخيار الاستراتيجي" و"الرؤية النظرية" الصادرتان عن المؤتمر ما يشكل أساسا منهجيا وتصوريا لهذا التوجه المجدد. وشكلت "اللائحة الهيكلية"، بما ورد فيها من إضافات وتعديلات، الصيغ التنظيمية التي تجسده على مستوى مؤسسات الحزب الداخلية والتي تحقق النجاعة والحوكمة الرشيدة والانفتاح.
إن النهضة باعتبارها حزبا سياسيا مسؤلا ترشّح نفسها في مقدمة القوى الضامنة للانتقال الديمقراطي ببلادنا يتجه لتحقيق تطورات حقيقية في أهدافه واختياراته في الهيكلة والتنظيم حتى يزيد من أهليته لتحمل أعباء المرحلة، كما أنه معني بالاشتغال على أرضية المشترك الوطني الذي حدده الدستور لتوسيع طاقته التأطيرية للمساهمة في استيعاب القطاع الأوسع من التونسيين والتونسيات وبالانفتاح على نخب المجتمع وكفاءاته وعلى الشباب والمرأة باعتبارهما دعامة أساسية لتنمية المجتمع وتشريكهما الفعال في تحديد الاختيارات التنموية و في تنزيلها العملي. وتعتبر النهضة أنها معنية بتعزيز الوحدة الوطنية كقوة دفع لمواجهة مخاطر الانقسام والإرهاب ولتحقيق الأدوار والمهام الوطنية المطلوبة، اختارت النهضة في هذا المؤتمر التخصص في الشأن السياسي على أن تعود مجالات الاصلاح الأخرى التربوية والثقافية والدينية للمجتمع المدني.
ولمزيد بيان هذه الخيارات، يصدر الحزب لاحقا وثيقة شاملة تأليفية لمجموع لوائح المؤتمر التي جاءت ثمرة لمخاض داخلي فكري عميق في تفاعل مع نخب في اختصاصات متعددة نعرضها على أبناء شعبنا وشركائنا في الوطن من الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني وعلى الرأي العام الدولي.
اختياراتنا الإستراتيجية : هوية الحزب و مرجعيته
الحزب الوطني هوية والتوافق السياسي نهجا :
اختار المؤتمر الحزب الوطني هوية جديدة للنهضة تجعله يهتم بما يجمع ويوحد، تتسع أوعيته التنظيمية للتعدد والتنوع، ينبذ التنافي وتقسيم المجتمع والتفرق إزاء المصالح الوطنية الكبرى. وتعني هذه الهوية الجديدة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ بلدنا وأمتنا تبني النهضة للديمقراطية التوافقية والحوار والتفاوض والبحث عن كلمة سواء في إدارة شؤون بلدنا ولأولوية المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية وعلى الاختلافات الإيديولوجية والاشتغال تحت سقف الأهداف التي يشترك فيها عموم التونسيين والتي وضع دستور الثورة إطارها التشريعي و القانوني. كما تعني هذه الهوية إشراك أكبر عدد من الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني في تحديد الاختيارات والقرارات السياسية الكبرى بما يعزز دعائم الثقة بين مختلف الفاعلين في الشأن العام. ويعتبر دستور الثورة أكبر نجاح للنخبة السياسية التونسية وأبرز ثمار سياسة الحوار والتوافق والتنازل المشترك للوصول إلى اتفاقات حاسمة في القضايا الخلافية العميقة. ولم يقتصر التوافق على الفضاء السياسي فقط وإنما تعداه إلى الفضاء الاجتماعي لوضع أسس لعقد اجتماعي بين النقابات والدولة.
إنّا اختيارنا الإستراتيجي للحزب الوطني له استتباعاته التنظيمية والهيكلية المتمثلة في توسيع الطاقة الاستيعابية للتنظيم و تخفيف شروط العضوية ومنح الأولوية لخدمة الوطن وللفاعلية في المجال العام، وفي إعادة تأهيل مواردنا البشرية بما يمكننا من الانفتاح على مختلف كفاءات المجتمع المشهود لها بالمهنية وحسن الأداء، وفي اعتماد اللامركزية التنظيمية في الإدارة و التسيير مع ما يعنيه ذلك من توسيع صلاحيات المكاتب الجهوية و المحلية.
ما سبق أيضا سينعكس في برامج التكوين والتأهيل تركيزا على أخلاقيات الانخراط في الحياة العامة واعتمادا لأحدث مناهج التثقيف السياسي والتدريب على القيادة والتخطيط والفاعلية والنجاعة الوظيفية.
تخصص الحزب في العمل السياسي و تحرير القدرات المواطنية في مجال الإصلاح :
إن اختيارنا التخصص في العمل السياسي وعودة بقية مجالات الإصلاح للمجتمع المدني ينشد تحقيق ثلاثة مقاصد كبرى :
أولها الجدوى والنجاعة، فالإصلاح في مجال ما، يؤتي أكله بقدر ما يزداد مهنية ويخضع للقانون الذاتي للإصلاح في ذلك المجال، وهذا يعني أنّنا بهذا التخصص لا نخرج من مدارات الإصلاح وإنما نتجه لتمييز مجالاته، يتخصص الحزب في إصلاح الحياة السياسية والحقل العام والإدارة والحكم والقانون ويسهم في إعادة بناء المشهد السياسي حول قيمة الوسطية ويتولى المجتمع المدني بكامل الاستقلالية القيام على بقية مجالات الإصلاح، ومن شأن ذلك أن يمنح هذه المجالات ذاتيتها ويمكنها من التطور والنمو السليم بعيدا عن التجاذب الحزبي وتقلبات المشهد السياسي. كما يسهم خيار التخصص في وضع إطار قانوني سليم يعزز استقلالية الفضاء المدني ويحترم خصوصية هذه المجالات ويضمن حسن اشتغال مختلف المجالات الإصلاحية ومن ضمنها المتعلق بالشأن الديني، و يبنى بالتفاعل مع أهل الاختصاص فيها.
إن تحرير القدرات المواطنية في الفضاء الديني و مجالات الإصلاح الأخرى سيحرر المشتغلين فيها من الانتظارية المعطلة ومن الارتهان لتقلبات السياسة وسيوجههم للتعامل مع أهل الاختصاص والعلم و سيمكن المجتمع من تطوير دفاعاته الذاتية. ومن شأن كل ذلك أن يحسن كثيرا مستوى الآداب العامة والحياة الأخلاقية للمجتمع والمعاملات بين الناس وأن يسهم إسهاما واسعا في تحصين الشباب من الغلو والتطرف و في تحويل حب الوطن إلى قيم للمبادرة والعلم والعمل والتكافل والتضامن الاجتماعيين وفي تحسين نوعية الحياة والخدمة التربوية للأسرة وتولي المجتمع لقسم هام من شؤونه بيده.
إن هذا التوجه نحو التخصص سيضع الجميع في موقع التساوي في مجال المنافسة السياسية وسيحرر المشهد السياسي من كثير من التوتر والتشنج وسينقذ الحراك الثقافي للمجتمع من التكلس والسطحية وسيمنح التدافع الفكري فرصة الاتجاه نحو العمق المعرفي والنهوض الأخلاقي والتطوير المتبادل لأطرافه.
المرجعية الاسلامية قوة توجيهية نحو أحسن العمل :
خيار التخصص في العمل السياسي بأبعاده آنفة الذكر يعكس فهمنا المقاصدي للمرجعية الإسلامية فالإسلام كمنهج للإصلاح يدعو إلى تملُّك آليات الإصلاح المتعددة بتعدد مجالات الفعل الإنساني أي إلى إصلاح كل مجال عملي بالاهتداء بقانون صلاحه وهذا المقصود بالتخصص.
وتستند هذه المرجعية إلى قراءة تجديدية واجتهادية مؤصلة في مصادر الإسلام الكبرى من قرآن وسنة صحيحة مستفيدة من التراث الثقافي الإسلامي والكسب المعرفي الإنساني الواسع، كما تؤمن بأنّ تفعيل القيم والتوجيهات في واقع الحياة لا يكون تنزيلا آليا فوقيا في كل الأحوال، وإنما يكون تنزيلا اجتهاديا يعتمد على اعتبار المآلات والمقاصد ويندرج ضمن المدرسة الإصلاحية التونسية.
ونعتبر المرجعية الإسلامية قوة توجيهية تفتح حقلا اجتهاديا شاسعا والحقيقة فيها انكشاف دائم ونصيب يزيد وينقص وهي دعوة متجددة لرفع مستوى الأداء المعرفي و لتجويد القراءة والفهم، و حزبنا بهذا المعنى يتبنى المرجعية الاسلامية كقوة تحريرية للممكنات المعرفية و العملية و كقوة توجيهية توليدية لا تنضب ترشدنا نحو تفعيل القيم الكلية التي يقوم عليها الاجتماع الحر العادل، والنهضة باعتبارها اليوم حزبا ديمقراطيا ذا مرجعية إسلامية حريصة على ترجمة هذه المرجعية في منظومة من القيم في مختلف التعبيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية حتى لا تظل تلك المرجعية شعارا فارغا لا مضمون له في الواقع.
وهذه المنظومة القيمية وإن كانت لا تختلف كثيرا عن جملة القيم الإنسانية المشتركة وخاصّة منها ما يندرج ضمن مفهوم «مكارم الأخلاق» الذي هو من جوهر الرسالة الإسلامية، إلا أنها تتميز بإضفاء مضمون تجديدي لكل قيمة من تلك القيم المشتركة، ومن أهمّ هذه القيم الحرية والكرامة والعمل والعدل والتسامح والتكافل والوسطية والاصلاح والأمانة.
الحزب الوطني : التجديد التنظيمي والتطوير الهيكلي
أكدت تجربتنا التنظيمية والهيكلية ما بعد الثورة أننا بحاجة لرؤية وسياسات تنظيمية جديدة تستوعب المتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية التي شهدتها تونس ومحيطها الإقليمي بما يسمح للنهضة بأن تتحول إلى حزب سياسي ينافس بكفاءة على الحكم وإدارة الشأن العام ويساهم في تنمية المجتمع.
إن التطور نحو حزب وطني منفتح بقتضي إحداث تغييرات هامة في مجالات العضوية والهياكل وإدارة العلاقات التنظيمية، وقع تضمينها القانون الأساسي للحزب حتى يصبح أكثر تعبيرا عن تطلعات التونسيين والتونسيات.
إن التقييمات التي أنجزناها قد أفضت إلى أن تطوير بنية الحزب التنظيمية والهيكلية والإدارية حاجة ضرورية لتعزيز الديمقراطية داخل هياكلها ثقافة وممارسة وتكريس اللامركزية مبدأ وآلية في الإدارة والتنفيذ والقرار، ودعم وجود المرأة والشباب في المؤسسات القيادية، وتحديث طرق الإدارة في التسيير.
وقد استقرت الإصلاحات على تطوير واقع الحزب تنظيميا وهيكليا وفق ما يلائم مستلزمات الحوكمة الرشيدة واللامركزية.ومن أهم المراجعات المقترحة توسيع صلاحيات الجهات والمحليات واعتماد درجة تنظيمية واحدة هي العضوية وتخفيف شروطها، بالإضافة إلى تعزيز الديمقراطية التشاركية من خلال انتخاب القيادات الجهوية والمحلية من المؤتمر مباشرة وإحداث مؤسسات جديدة مثل: الندوة السنوية والمجالس الشورية الجهوية ومركز الدراسات الاستراتيجية وأكادمية الحزب التكوينية.
ونؤكد على أن هذاالتجديد التنظيمي يهدف إلى الارتقاء بالحزب إلى مستوى تطلعات أبنائه وانتظارات عموم التونسيين والتونسيات في مجال الممارسة الحزبية الحديثة، والكفأة والمنفتحة.
أولوياتنا في المرحلة القادمة :
نحو اقتصاد صاعد ومجتمع متضامن وتنمية مستدامة
إن حزب حركة النهضة، انطلاقا من تقييمه للتحديات الاقتصادية والاجتماعية وتقديره للظرف الدقيق الذي تمر به البلاد ولإلحاحية المطالب الأساسية للشعب التونسي في الكرامة والعدالة الاجتماعية والتنمية المتوازية، يقدم مقاربته التنموية الشاملة التي يتبنى فيه خيار
اقتصاد السوق الاجتماعي والتضامني الذي يقوم على الموازنة بين حرية المبادرة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، حيث يتكامل الدور الاستراتيجي للدولة في التنمية والتعديل والتحفيز مع دور القطاع الخاص في تنمية الثروة ودفع الاستثمار وخلق مواطن الشغل، ويتعاضد مع دور القطاع الثالث الداعم للاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي يستمد قوته من حيوية المجتمع المدني ومن عمق المخزون الثقافي المنغرس في الهوية العربية الإسلامية للمجتمع التونسي.
وتعتبر النهضة أن البلاد بحاجة إلى إعطاء الأولوية في المرحلة المقبلة للملفات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية وتحييدها عن التجاذبات السياسية والعمل على إدارة حوار شامل حول أولويات الإصلاحات المستوجبة في المجالات الحيوية للارتقاء بالأداء العام للاقتصاد، الذي سجل تراجعا مقلقا في نسب النمو والاستثمار وفي قدرتها التنافسية وتزايدا المديونية وعجز للموازين العامة.
ويرى حزب حركة النهضة بالنظر إلى هذا التشخيص ضرورة اعتماد برنامج إنقاذ اقتصادي عاجل يعطي الأولوية لاستعادة الإنتاج المعطل في عديد القطاعات الإستراتيجية وإنجاز المشاريع العمومية المعطلة بهدف تحسين البنية الأساسية وتطوير المرافق العامة وتحريك الدورة التنموية وإنعاش القطاع الخاص، لا سيما داخل الجهات، والمبادرة برفع العراقيل الإدارية والإجرائية واستحثاث إنجاز المشاريع الاستثمارية في مختلف القطاعات بسن إجراءات استثنائية تدفع بالاقتصاد وتسرّع من وتيرة التنمية وتجعل تشغيل الشباب هدفا أساسيا لإعادة الأمل في نفوسهم وتشجيعهم على العمل والمبادرة والابتكار.
وتتبنى النهضة في هذا، مقاربة تنموية تقوم على الإدماج و الاندماج في التنمية، إدماج الجهات الأقل حظا والفئات المهمشة وإدماج المرأة والشباب، و اندماج القطاعات الاقتصادية فيما بينها لاستغلال كامل سلسة القيمة، وكذلك اندماج الجهات فيما بينها في إطار رؤية جديدة للتقسيم الترابي للبلاد يربط الداخل بالساحل ضمن أقاليم التنمية تحقيقا للامركزية .
وتتطلب هذه الرؤية القيام بإصلاحات جوهرية لمنظومة التعليم والتكوين والبحث العلمي حتى يتحقق تبعا لذلك المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق ومتطلبات التنمية. كما يرى حزب حركة النهضة أهمية تيسير النفاذ للتمويل وتنويع مصادره وتوسيع الشركات الاقتصادية بإعطاء الأولوية للجوار المغاربي والعمق الإفريقي والعربي والانفتاح على الفضاءات الاقتصادية الواعدة في آسيا وأمريكا اللاتينية إلى جانب تدعيم الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والعمل على تطوير الشراكة لتصبح أكثر توازنا وتكافؤا.
وتعطي النهضة أهمية كبرى للمنظومة القيمية الحاكمة للفعل الاقتصادي بما يزيد في إعلاء قيمة العمل والإتقان وينمي عناصر الثقة والأمانة ويعزز قيم التكافل والتضامن ويدعم آليات الحوكمة الرشيدة وحسن التصرف في المال العام ومقاومة الفساد.
إنّ البعد الاجتماعي في مقاربة النهضة الاقتصادية لهو من صميم مسائلها التنموية، وهي في هذا تدعم الحق في الشغل والكسب الكريم وحماية حقوق الشغالين وتدعو إلى إحياء ثقافة العمل وربط الحقوق بالواجبات وضمان ديمومة المؤسسة في إطار علاقات شغلية متوازنة. كما تدعو إلى اعتماد سياسة توزيعية عادلة تعطي الأولوية للفئات الضعيفة والمهمشة وتعمل على توسيع مجال الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية وضمان العيش الكريم للجميع.
إنّ أهم ما ينتظره التونسيون في الموضوع الاقتصادي في هذه المرحلة من الانتقال الديمقراطي هو كيفية هندسة الانتقال الاقتصادي لبناء النهضة التنموية المنشودة. الذي يتطلب في تقديرنا إدارة حوار اقتصادي وطني شامل بين كل الأطراف للاتفاق على مقاربة تشاركية للإصلاح تتحدد خلالها الأولويات ورزنامة الإنجاز بتصميم سياسي يعبر عن إرادة قوية في الإصلاح والتغيير بحيث يشترك جميع المواطنين في التضحيات ويتقاسمون المنافع بشكل عادل ومنصف.
استكمال البناء الديمقراطي وتحديث الإدارة :
الأولوية الثانية هي استكمال البناء الديمقراطي لتثبيت دعائم الديمقراطية وبناء الدولة العادلة والقوية. ويكون ذلك بإتمام تشكيل المؤسسات الدستورية مع الحرص على تحقيق أقصى درجات التكامل والانسجام بينها وفي داخلها حتى لا يتحول التعدد والتنوع إلى واقع مربك للأداء ومعطل للإنجاز. ونعتبر أنّ من شروط النهوض والاقلاع الاقتصادي تعبئة جميع القوى السياسية والاجتماعية بإمكانياتها البشرية والمادية ضمن أطر موحدة ومنجزة، حرصا على مستوى أعلى من النجاعة والفاعلية.
إن ما تضمنه الدستور من صيغ العلاقة والتكامل بين المركز والجهات يساعد في تحقيق نقلة نوعية في مجال الحوكمة المحلية والتدبير الجهوي. إن التصور الجديد للامركزية هو مكسب مهم لدولة القانون وتوزيع السلطات، بما يجعل الانتخابات البلدية والجهوية المقبلة محطة نوعية
في تكريس الديمقراطية التشاركية وخطوة حقيقية في توزيع السلطة والثروة بين الجهات ومع المركز بما يحقق التعاضد بين مختلف ديناميكيات التنمية فتنمو بذلك الثروات ويعاد توزيعها بشكل عادل ومنصف بين الفئات والجهات.
من جهة أخرى ترى النهضة وجوب العمل على تحديث الإدارة بما هي مؤسسات ومنظومات قانونية وإجرائية. وعلى استعادة هيبة الدولة في إطار احترام القانون والالتزام به. ويحتاج التداول على السلطة إلى إرساء علاقة جديدة بين الإدارة والسلطة السياسية مبنية على الحياد والتعاون والكفاءة.
نحو استراتيجيا وطنية شاملة للتصدّي للإرهاب
الأولوية الثالثة هي مكافحة الإرهاب والقضاء عليه باعتباره تحديا كلف البلاد خسائر جسيمة وأثّر سلبا في أوضاعها ومثّل تهديدا جديّا للانتقال الديمقراطيّ والاقتصادي والسّلم الاجتماعي. ورغم النجاحات التي تحقّقت في مواجهته على المستوى الرسميّ والشعبيّ بإحباط العديد من مخطّطاته، والجهود التي بذلتها الحكومات المتعاقبة بعد الثورة في التصدّي له، فإنّ خطره ما زال قائما.
وعليه، يرى حزب حركة النهضة نفسه في موقع متقدم لدعم جهود الدولة في مكافحة الإرهاب والقضاء عليه باعتماد إستراتيجية شاملة، تجمع بين الوقاية والعلاج وبين العاجل والآجل، وبين التصدّي لجذور الإرهاب وأسبابه من جهة ومواجهة تجلّياته وآثاره من جهة أخرى. والمطلوب في هذا الإطار تعزيز قدرات الدولة وتطوير أدائها.
إنّ الدولة الديمقراطيّة القائمة على الحقوق والحريات هي الكفيلة بالتصدّي لهذه الظاهرة. ويحتاج القضاء على هذه الآفة الحفاظ على المناخ الديمقراطيّ السليم وعلى سياسة التوافق، وتوسيع المشاركة السياسيّة، وتعزيز الوحدة الوطنيّة، فبقدر ما يكون المشهد السياسي متماسكا وموحّدا يكون التصدّي لهذه الظاهرة أنجع. وكلما كان المناخ الاجتماعي مستقرا نكون قد حصنا فلذات أكبادنا من آفة الإرهاب ومن غيرها من الجرائم المنظمة.
وفي الأخير يعبر حزب حركة النهضة من خلال لوائح مؤتمره العاشر أنّ مستقبل تونس لا يكون إلا بكل التونسيين والتونسيات وأنّ سفينة تونس تتسع للجميع وتنشد أن يعمل لأجلها كل أبنائها حتى تغادر الرصيف وتبحر نحو آفاق العمل والتنمية والنهوض.
إنّ الغد واعد بالأمل ومفعم بالتفاؤل وغزير بالفرص من أجل نهضة تونس ورفعتها وازدهارها. مستقبل يليق بنا جميعا وبأبنائنا. لا يظلم فيه أحد ولا يجوع فيه مواطن. إنّ حزب حركة النهضة قد حقق من خلال هذا المؤتمر التاريخي نقلة نوعية جدد فيها من مقارباته وطور من آلياته. نقلة نوعية في الهوية السياسية والفكرية والتنظيمية للحزب يقدمها من أجل تونس إذ
أنّ في نجاح النهضة نجاح لتونس فالنهضة ضامن لاستقرار الوطن ولازدهاره. فالنهضة لتونس خير والنهضة بتونس خير.