مقاﻻت رأي

مؤسسة الرئاسة في تونس : الصلاحيات القانونية و البرامج في ضوء إنتظارات ثورة 14 جانفي

بشير الجويني | الجمعة، 21 نوفمبر، 2014 على الساعة 10:30 | عدد الزيارات : 3179
ينطلق التونسيون  بعد يوم نحو صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس الجمهورية الثانية في لحظة تاريخية يخرجون بها من النظام المؤقت لتنظيم السلطات العمومية إلى تطبيق دستور الجمهورية الثانية.  

 

 

لطالما اقترنت صورة رئيس الجمهورية في مخيال شعوب دول المنطقة بصورة المستبد العادل و لم تشهد تقريبا رؤساء منتخبين انتخابا حرا مباشرا نزيها.

 

فصورة الزعيم و المستبد العادل أمر مشترك و لم تشذ تونس عن القاعدة في ذلك  تساوقا مع حقيقة فقر المجتمعات العربية من واقع ممارسة سياسة واقعية ، و بروز عدد من الظواهر المجتمعية والسياسية والتي من بينها ظاهرة الزعيم السياسي التي ارتبطت بالظرف التاريخي من جهة حصول هذه المجتمعات على استقلالها وتولي النخب الوطنية الحكم فيها،

 

 وبقدر ما كانت لهذه النخب من محاسن وفرص لتقود مجتمعاتها إلى نهضة حقيقية، بقدر ما كانت لها سلبياتها و التي يأتي على رأسها جمع كل السلطة بيد شخص أو حزب مما أنتج ثورة شبابية و موجة تحريرية عاصفة أزاحت النظام من السلطة  و تم على إثرها المطالبة بتجديد كلي لمؤسسات الحكم فانتخب المجلس الوطني التأسيسي الذي قسم السلطة في نظام مجلسي تم فيه تشارك السلطة  بين رئاسة الحكومة و رئاسة المجلس التأسيسي و رئاسة الجمهورية تنظيمها مؤقتا بمقضى قانون تأسيسي عدد 6 مؤرخ في 16 ديسمبر 2011,في هذا القانون تم إفراد رئاسة الجمهورية بفصول ستة تم فيها ضبط اختصاصات مؤسسة الرئاسة و إدارتها للمرحلة الانتقالية و خاصة الحد من تغولها و هيمنتها في نسختيها السابقتين  مع إعطائها هامشا من الفعل هو ممارسة عملية لمبدأين : السلطة المكافئة أو المضادة  le contre pouvoir من جهة و مبدأ تفريق السلطات من جهة ثانية .

 

و رغم ما يُعاب على الرئيس الانتقالي من قرارات خاصة عدم الخبرة في التواصل الاعلامي إلا أن ما يُحسب له انه حاول وفق عدد من المراقبين تطبيع صورة مؤسسة الرئاسة مع التونسيين جميعا و نزع الهالة التي استرهب بها النظام السابق بشقيه التونسيات والتونسيين 

 

كما كان له مبادرة في شفافية مؤسسة الرئاسة فتم التصريح  أن ميزانية الرئاسة تبلغ 86 مليار و لأمل مرة صارحت مصالح الرئاسة الرأي العام بأن على ذمة رئيس الدولة حساب سري فيه مليار دينار سنويا يوزعها دون الرجوع إلى أحد و هو ما لم يكن التونسيون يعلمونه.

 

كما اكتشفنا أن مؤسسة الرئاسة تشغل  تحت إشرافها من الموظفين أكثر من 3000 شخص 80 بالمائة منهم أمنيون معنيون  بحماية الرئيس و الشخصيات العامة بينما يقتصر ديوان الرئيس على 20 شخصا بين ملحقين و مستشارين.

 

كما أصبح التونسيون على معرفة بالمؤسسات الخاضعة لإشراف مؤسسة الرئاسة و هي التالية: 

 

الهيئة العليا للرقابة الإدارية و المالية

 

اللجنة العليا لحقوق الإنسان و الحريات الأساسية

 

المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية

 

الموفق الإداري

 

في هذا الباب يجدر التذكير بأن مؤسسة الرئاسة و الرئيس ذاته شهد تنظيم وجودهما القانوني منذ الاستقلال مراحل عدة هي على التوالي :

 

المرحلة الأولى : ضبطت الأوامر عدد 135/136/137 الصادرة في 17 أفريل 1972 مشمولات مدير الديوان الرئاسي و قضت  بتنظيم المصالح الإدارية لرئاسة الجمهورية و ضبطت قانون الإطارات لرئاسة الجمهورية و أحدث إطار المستشارين الفنيين لدى ديوان رئيس الجمهورية  و لم ترد فيها الإشارة إلى المسائل المالية و المنح التي خيرت الرئاسة آنذاك ضبطها بأوامر منها.

 

المرحلة الثانية : ضبطت الأوامر عدد 250/251/252 الصادرة في 26 فيفري 1988 تنظيم مصالح رئاسة الجمهورية  ولم تختلف عن المرحلة السابقة إلا من جهة إنشاء مجلس الأمن القومي التي يُلاحظ أن مصاريفه محمولة على وزارة الدفاع رغم أنها مكون من مكونات عدة و رغم أن رئيس الجهورية هو المشرف عليه.

 

المرحلة الثالثة : ضبط الأمر عدد 1953 الصادر في 26 نوفمبر 1990 تنظيم مصالح رئاسة الجمهورية و خلت من تغييرات مقارنة بالمرحلة الأولى عدى تقنين وجود المدير العام لأمن رئيس الدولة و إضافة مصلحة مكلفة بالشؤون الدينية بمقتضى الأمر عدد 2136 المؤرخ في 15 سبتمبر 2001.

 

الرابعة : بمقتضى القانون عدد 88 المؤرخ في 27 سبتمبر 2005 متع الرئيس نفسه بامتيازات و أردف عائلته و أبنائه في حالات نظمها القانون.

 

المرحلة الخامسة : نظم فيها القانون عدد 6 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011 و المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية العلاقة بين رؤوس السلطة الثلاثة ( رئيس الحكومة و رئيس المجلس الوطني التأسيسي و رئيس الجهورية) على اعتبار النظام مجلسيا يتقاسم فيه الرؤساء الثلاث المسؤوليات والصلاحيات وأُفردت مؤسسة الرئاسة و رئيسها بفصول ستة  تضمنت شروط المترشح للرئاسة و كيفية اختياره من طرف أعضاء المجلس الوطني التأسيسي و المهام المنوطة بعهدته طيلة الفترة الانتقالية و خاصة في الفترات الاستثنائية منها و علاقته بالمجلس الوطني التأسيسي على اعتباره صاحب السلطة الأصلية كما تطرق القانون إلى حالة شغور مؤسسة الرئاسة و التدابير القانونية لسده.

 

المرحلة السادسة : أفرد دستور الجمهورية الثانية السلطة التنفيذية في شخص الرئيس بأحدى عشر  فصلا من أبرزها التشديد على أن " رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة , ورمز وحدتها,يضمن استقلالها و استمراريتها , و يسهر على احترام الدستور " كما أضاف الدستور "تزكية المترشح من قبل عدد من أعضاء مجلس نواب الشعب أو رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة أو الناخبين المرسمين " و ضبط الإنتخابات الرئاسية بدورتين في صورة عدم حصول أحد المترشحين على الأغلبية المطلقة في الدورة الأولى كما منع تولي الرئيس "لأكثر من دورتين كاملتين متصلتين أو منفصلتين " كما ورد في الدستور في فصله السادس و السبعين تقييد لإنتماء الرئيس الحزبي حيث"لا يجوز لرئيس الجمهورية الجمع بين مسؤولياته و أية مسؤولية حزبية "  اما في مجال الأمن القومي فأضاف الدستور وجوب دعوة كل من "رئيس الحكومة و رئيس مجلس نواب الشعب " لمجلس الأمن القومي الذي يترأسه رئيس الجمهورية كما فصل دستور الجمهورية الثانية في مسألة الحالات الاستثنائية في فصله الثمانين و قيد سلطة الرئيس في هذا الباب  في علاقته بحل مجلس نواب الشعب و أو تقديم لائحة لوم للحكومة أما في باب سد شغور منصب الرئيس فتطرقت الفصول 83,84,85 و 86  إلى ذلك و قننتها بالمحكمة الدستورية و برئيس الحكومة مع ضبط آجال  قبل إقرار الشغور النهائي و التصرف بمقتضاه

 

لم يرد في البرنامج الرئاسية للمترشحين الذي بلغ عدددهم 27  تركيز واضح في باب العلاقات الخارجية و كانت في الغالب الأعم عامة إشارة للمبادئ التي ستحكم رئيس تونس القادم في علاقاته مع الخارج و ذلك راجع ,في نظر عدد من المهتمين , من جهة إلى تشارك رئيس الدولة و رئيس الحكومة القادم في الصياغة العملية لمعالم السياسة الخارجية  و من جهة اخرى إلى غير أن ما يتفق عليه الجميع من خلال التصريحات المتواترة هو وجوب إرجاع العلاقات مع سوريا بدرجات من التدقيق مثلها تصريح المترشحة الوحيدة كلثوم كنو التي أبزرت أنها في حال انتخابها سترجع العلاقات "مع سوريا لا مع النظام السوري " أما في ما يخص دول الجوار فأبرز التصريحات تبقى تلك التي صرح بها كل من الهاشمي الحامدي المرشح عن تيار المحبة و التي أدلى بها في برنامج تلفزي شهير و أشاد بها "بالجارة و الشقيقة الكبرى " مذكرا بالوشائج مع الجزائر التي تجمعه بها علاقة دموية من جهة زوجته.في نفس الإطار صرح الباجي قائد السبسي أن علاقاته بالجزائر ممتدة و تاريخية حيث كان سفيرا لتونس بها و تجمعه علاقة شخصية برئيسها أما فيما يتعلق بليبيا فأجمع كل المترشحين على وجوب حل الصراع سلميا و كان المنصف المرزوقي أوضحهم بإشارته إلى وجوب دفع الحوار الوطني في ليبيا و أشار في نفس السياق المرشح المستقل محمد فريخة أن تركيا هي النموذج الذي يطمح لاحتذائه في حال وصوله لكرسي الرئاسة

 

تبقى الدبلوماسية التونسية في العموم محافظة على حيادها الذي عرفت به رغم بعض القلق الذي يبديه متابعون لمواقف بعض الأحزاب التي تدفع وراء اصطفاف الدبلوماسية وراء طرف دون آخر من أطراف صراع في مواضع متعددة.

 

و بين هذا و ذلك يجدر التذكير أن أول شعار لثورة الحرية و الكرامة كان "الشعب يريد إسقاط النظام " تلاه "الشعب يريد تحرير فلسطين ".

 

ختاما لعل السؤال المطروح هنا : هل يستطيع المترشح الذي كان جزءا من النظام الذي أسقطته الثورة و الثوار أن يستجيب لمثل هذه المطالب؟