مقاﻻت رأي

مآلات الصراع على ترأس القائمات الانتخابية في الاحزاب : النهضة ونداء تونس والجبهة الشعبية نموذجا

زووم تونيزيا | الخميس، 24 جويلية، 2014 على الساعة 23:00 | عدد الزيارات : 1540
مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة ومع قرب الآجال النهائية لتقديم القائمات الخاصة بالانتخابات التشريعية…
لمزمع عقدها في 26 أكتوبر القادم، أصبح اختيار رؤساء القائمات هاجس القيادات المركزية للأحزاب وخاصة الكبرى منها، حيث أثّر الموضوع على الحياة الداخلية للأحزاب السياسية وعلى تشكيل وبناء التحالفات والجبهات الانتخابية، والسؤال هو كيف شكّل هذا العامل بُعدا أساسيا في إعادة تشكل المشهد الحزبي خلال الأسابيع الماضية؟ وما هي آثاره و ترتـباته المُنتظرة على كل المشهد السياسي في ظل المرحلة النهائية للانتقال الديمقراطي، وما هو مُستقبل الوضع التنظيمي لحزبي النهضة ونداء تونس و أيضا لتحالف الجبهة الشعبية اثر التشكيل النهائي للقائمات الانتخابية؟ تشكيل القائمات ضمن سلم الاولويات القصوى للأطراف السياسية   لا يختلف اثنان من المُتابعين لشؤون الأحزاب السياسية في تونس، أن تركيزها الأهم منذ أسابيع قد انصب على الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية القادمة ( بنسختيها الرئاسية و التشريعية)، في جل أنشطتها وكل مكاتبها المركزية والجهوية والمحلية أيضا، بل أن مقرات حزبية فُتحت و لجان عمل قد شكلت وأموال طائلة قد رُصدت، ورغم وجود أولويتين في الأيام الماضية في أنشطة الأحزاب الكبرى، وهما: 1- متابعة الحرب على الإرهاب: حيث تابعت الأحزاب تسارع الإجراءات بعد عملية "هنشير التلة" الإرهابية والتي استشهد فيها أكثر من 15 جندي وسط الأسبوع الماضي، بل أن كُل الأحزاب طرحت مبادرات وباركت عمليا الخطوات المُتسارعة للحكومة الانتقالية بقيادة مهدي جمعة، بتفاوت وأشكال مختلفة ومتضاربة أحيانا، وقادت الأحزاب مسيرات وتحركات ضد الإرهاب وطرحت أفكارا لاستئصاله رغم حضور البُعد التوظيفي للأحداث من طرف كل الفرقاء وأن بتفاوت واضح وجليّ ... 2- متابعة الأوضاع في غزة، حيث تعددت التحركات المساندة كل ليلة تقريبا في المدن الكبرى و أمام المسرح البلدي بالعاصمة وبمشاركة أغلب الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني...، ولم تختلف الأحزاب حول مساندة غزة كما حدث في مصر مثلا، مع شجب نداء تونس لبيانات منسوبة إليه تعمدت بعض الصفحات إلى نشرها بــإسمه ... ويعتبر اختيار رؤساء القائمات عمليا، موضُوعا مُعقدا وذا آثار كبرى وحاسمة باعتبار أن القانون الانتخابي يعطي ويضمن لرئيس القائمة مكانا في المجلس النيابي القادم في حال حصوله على أكبر بقايا الأصوات، وبذلك يُحدث الأمر صراعات بين الأحزاب المتحالفة أو بين قادة أي حزب على ترأس هذه القائمة أو تلك...(في انتخابات 23 أكتوبر 2011 وباستثناء حركة النهضة فان أغلب أعضاء المجلس تحصلوا على مقاعدهم بناء على ترؤسهم للقائمات، وهي مسألة ستتكرّر في الانتخابات القادمة حيث لا يُنتظر أن يتحصل أي حزب على أكثر من مقعدين للقائمة الانتخابية الواحدة باستثناء حركة النهضة وفي بعض الدوار الانتخابية فقط...) تحالفات تتشكل وأخرى تنهار بناء على اختيار رؤساء القائمات منذ إقرار القانون الانتخابي من طرف المجلس الوطني التأسيسي، بدت آثار هذا العامل جلية واضحة للعيان على كل التحالفات والجبهات: 1-  الاتحاد من أجل تونس عمليا عادت الحياة للتحالف الرباعي (نداء – المسار – الاشتراكي – العود) بعد أن كاد أن يمُوت سريريا، و وهو الذي كاد ينتهي أمره منذ أسابيع بعد قرارات الدورة الخامسة للمجلس الوطني لحزب نداء تونس(تشكيل قائمات منفردة وتحت لافتة النداء)، والتي اتخذت لأسباب عدة من بينها اشتراط أحد الأحزاب المُشكلة للتحالف،  بترأِس 9 قائمات والتموقع في الرتبتين الثانية والثالثة بأكثر عدد ممكن، وقد تم إحياء التحالف بعد تمسك الأمين العام لنداء تونس بالتحالف كإطار انتخابي واستراتيجي، و أيضا بفضل إصرار حزب المسار(يسار الوسط) به كتحالف انتخابي،  ومن المنتظر أن تكون قرارات الهيئة العليا للتحالف أمس الخميس حاسمة في هذا الاتجاه أو ذاك... 2-  التحالف الوسطي لا يزال ترأس القائمات يُربك تشكيل التحالف الوسطي بين أحزاب التحالف الديمقراطي والتكتل وحزب العمل والجمهوري وأحزاب أخرى صغيرة بعد نقاشات وورقات عمل ومفاوضات ومشاورات ثنائية، ولن يحسم أمر هذا التحالف إلا مع عقد اللجنة المركزية للحزب الجمهوري أي يوم 3 أوت القادم، وعمليا تشكل تحالف أولي بين حركة الوحدة الشعبية (بقيادة أحمد بن صالح) والتكتل(بقيادة بن جعفر) وحزب العمل(بقيادة علي رمضان)، في انتظار تحالف وسطي أكبر... 3-  الجبهة الشعبية رغم أن الجبهة الشعبية خطابا وتصريحات لم يطرح إشكال القائمات داخلها ومن سيترأسها أو بين الأحزاب المُشكلة لها (8 أحزاب يسارية ووسطية وقومية بعد انسحاب 5 مُكوّنات من القوميين العرب و أقصى اليسار)، على أن الصراع على رؤساء القائمات سيتجسد أكثر لطبيعة التركيبة وطبيعة الخلاف الإيديولوجي بين المكونات الرئيسية (حزب العمال – الوطد الموحد – الحزبين البعثيين) وأيضا لطبيعة الخلافات داخل حزب العمال وأيضا داخل حزب الوطد الموحد ( أجنحة كل من محمد جمور- عبيد البريكي – المنجي الرحوي – زياد لخضر) 4-   تحالفات وأحزاب أخرى: أعاق ترؤس القائمات أيضا عملية انصهار أحزاب سابقة بائتلاف المسار الديمقراطي داخل حزب المؤتمر، ولا يزال يُعيق بعضها في تشكيل تحالف انتخابي خارج حزب المؤتمر ( وهي أحزاب البناء المغاربي والإصلاح والتنمية والثقافة والعمل ....)، ولا يختلف الأمر عند بقية التحالفات الصغرى وبقية الأحزاب (194 حزبا مقننا بعد الثورة)... اختيار رؤساء القائمات يُخيّم على الحياة الداخلية للاحزاب   كما هو معروف للمتابعين  لم تتخلص الأحزاب (بغض النظر عن فكرها السياسي)، من أبعاد عوامل الزعامتية و الزبونية التنظيمية وكل ذلك نتيجة عوامل تاريخية من أهمها : -         مناكفتها للدولة البوليسية في تونس إبان الحقبتين البورقيبية والنوفمبرية والتأثر بطبيعتها وسياساتها الثقافية والاجتماعية والسياسية .... -          التأثر بالحزب الحاكم تنظيما وسياسيا، رغم انتقاده ومعارضته و الصراع الطويل  معه، وهو ما أثبتته الصراعات داخل الأحزاب وهدير الاستقالات داخلها منذ بداية حسم القائمات الانتخابية وشكل التحالفات القادمة قبل وبعد انتخابات 26 أكتوبر القادم، فقد:   + تعددت الاستقالات داخل حزب نداء تونس وخاصة في محافظتي الكاف وقفصة كما لم تقع على مستوى جهوي تزكية قياديين بالحزب لترؤس قائمات في الجهات على غرار عدم تزكية الأمين العام الطيب البكوش في مدينة سوسة، إذ جاء في مرتبة رابعة بعد شوقي بن حسن والمنصف بن شريفة وزهرة إدريس....، بل انه لم يحصل سوى على صوتين فقط حسب مصادر مقربة من الحزب...   + حاولت قيادة حزب العمال بعقدها للمؤتمر الرابع التقليص من آثار الخلافات داخل الحزب ومن ترتبات خوض الاستحقاقات الانتخابية والخلاف حولها من حيث التحالفات ومن حيث تقليص الصراع على القائمات فتم اغرق اللوائح بمواقف لكل اجنحة الحزب وخاصة للتيار الشبابي داخله...   + حركة الشعب والتي شهدت انقسامات وانسحابات في 2013 ( أهمها استقالة المرحوم البراهمي في 30 جوان 2013) واستقالة الكريشي والمدوري وابتعاد كورشيد وتردد آخرين، تخوض المناقشات والمشاورات بحذر حتى لا يربك تشكيل القائمات مسارها التنظيمي أكثر مما هو ورتبك...   + تشهد حركة النهضة الإسلامية حراكا داخليا حول موضوع اختيار رؤساء القائمات بين الوجوه الشابة والجديدة الراغبة في الترشح وبين وزراء حكومتي  الترويكا وبعض نواب الكتلة الحاليين والذين لا ترغب جهاتهم في إعادة تزكيتهم...   + ما يحدث داخل النهضة ينسحب على شريكيها في التحالف السابق أي حزبي المؤتمر والتكتل وأيضا على الجبهة الشعبية بل وعلى أحزاب الجبهة الشعبية الموحدة ( الوطد الثوري – التيار القومي الديمقراطي – حزب تونس الخضراء – النضال التقدمي) ورغم تحديد مؤسسات الأحزاب التونسية للوائح ترشح درء للصراعات والانشقاقات فان مآلات الاختيار بين مترشحين عديدين ستدفع لهزات داخل هذه الأحزاب وترسم مشهدا حزبيا جديدا وتعدد القائمات المستقلة و التي سيشكل اغلبها منسحبون من أحزاب لم يقع اختيارهم على رأس قائماتها...  الخلاصة + طبيعة القانون الانتخابي المصادق عليه من طرف المجلس التأسيسي وطبيعة الإرث السياسي الممتد على مدى عقود وطبيعة جنينية الحياة الديمقراطية داخل ألأحزاب الكبرى والتاريخية، وهي التي عاشت على وقع زعيم وحيد وقيادة سرية وتاريخية من الصعب أن تتخلص بسرعة من تـأثير العوامل الطارئة والحسابات الزعاماتية ، كما أن بناء تحالفات كبرى وجبهات انتخابية متماسكة يبقى أمرا صعب الحدوث وستكون نتائج الانتخابات دافعا لتشكيل تحالفات كأمر واقع لتشكيل حكومة أو التموقع داخل المعارضة ...،   + أما داخل الأحزاب فان الذي يخرج من مرحلة التشكيل (تشكيل القائمات) بأخف الأضرار فإنه سيعتبر قد ربح أكبر المعارك بل وسيكون في مأمن من أي هزات محتملة وقادرا على ضمان الحد الأدنى من النتائج في الصناديق الانتخابية ....   + حزب نداء تونس سيكون مستقبله في الأيام القادمة مفتوح على كل الخيارات من حيث موقعه من التحالفات (أساسا على ضوء قرارات التحالف الرباعي أمس وعلى ضوء تطورات الوضع الإقليمي والوطني) وسيعاني من صعوبات جمة وستتالى الاستقالات بشكل كبير، ولكنه لو خرج بالحد الأدنى فان معاركه الانتخابية القادمة سيخوضها من موقع مريح لطبيعة الماكينة اللوجستية المتوفرة له ....   + على عكس ما يعتقد البعض لن تكون عملية تشكيل قائمات النهضة سهلة ومريحة لها كجزب سياسي، ولكنها ستكون حاسمة في انتظار حملة انتخابية تُخاض بطرق منظمة ولوجستية لطبيعة حسن الاستعداد منذ أسابيع عديدة، وستبقى قيادة النهضة رغم ذلك مترددة ومرتبكة خاصة في ظل تطورات نوعية داخلية وطبيعة التطورات الإقليمية (مصر – ليبيا أساسا)، ولكنها قادرة على ربح المعارك السياسية لانها تمارس السياسة قولا وفعلا ولقواعدها فعل انضباط حزبي كما لها قاعدة شعبية صلبة تقارب 15 بالمائة من القاعدة الانتخابية...   + لن تستطيع الجبهة الشعبية رغم قُدراتها التعبوية وقدرتها على التناسق في خوض المعارك السياسية و الاحتجاجية، حسن إدارة حملتها الانتخابية وستبقى مواقفها نخبوية، على أن تماسكها التنظيمي وتماسك أحزابها سيبقى رهينا بتقييم صحيح لمسارها، مما يعني أنها قادرة احتمالا على الاستفادة من طبيعة التطورات لو تمايزت على المنظومة القديمة وتوحيد صفوف اليسار وتوظيف نضالاتها التاريخية...