مقاﻻت رأي

هل خلّص المؤتمر الأخير لحزب المسار الشيوعيين التونسيين من إرثهم التاريخي؟

زووم تونيزيا | السبت، 12 جويلية، 2014 على الساعة 22:36 | عدد الزيارات : 2338
لا شك أن مسار أيّ تيّار أو حزب مهما كانت أفكاره ومبادئه و أدبياته مرتبط بمؤسسيه و مناضليه إلا أن تاريخه هو…
لك للشعب بكامله وهو ملك للمؤرخين والنخب دراسة وتقييما من اجل بناء الغد الأفضل لذلك الشعب بكل مكوناته،وبناء على ذلك حري بنا دراسة تاريخ كل الأحزاب والتنظيمات، وفي هذا الإطار تتنزل هذه الدراسة المختصرة لتاريخ الشيوعيون التونسيون بعد انعقاد المؤتمر الأوّل لحزب المسار والمقصود هنا ليس كل اليسار الماركسي بل خلايا الحزب الشيوعي التونسي وتطوراتها التنظيمية...، وهي الدراسة التي تستعرض المسار التاريخي لخلايا الحزب الشيوعي وتحاول الإجابة على سؤال : هل خلصهم المؤتمر الأخير لحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي من ارثهم التاريخي من حيث أدبياتهم ومقولاتهم وارتباطاتهم وتحالفاتهم ....؟ 1- مراحل التأسيس وتونسة الحزب بالتوازي مع تطور النشاط النقابي والسياسي للناشطين التونسيين وبعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا القيصرية ، بدأت الخلايا الشيوعية في الظهور رغم اقتصارها في البداية على أوساط الجاليات الأوروبية المقيمة في البلاد ( فرنسيين ، ايطاليين ويهود تونس ) ، هذا وتم عقد المؤتمر التأسيسي لتلك الخلايا في شهر ديسمبر من سنة 1912 كجناح تابع للفرع الفرنسي للأممية الشيوعية وتبع ذلك إصدار جملة من الدوريات والصحف الشيوعية مثل "حبيب الآمة"، إلا أنّ المستعمر الفرنسي سارع إلى إصدار مرسوم يمنع الدعاية الشيوعية باللغة العربية ، وحرص التونسيون الملتحقون بتلك الخلايا على بناء حزب بروليتاري قادر على قيادة الحركة الوطنية التونسية بل وانخرطوا في البداية في النضال الوطني عبر تدعيم الحزب الحر الدستوري رافعين مطلب الاستقلال السياسي لتونس إلّا أنهم انقلبوا على مواقفهم بداية من سنة 1929 وتمثل ذلك الانقلاب في معاداة الحزب الحر الدستوري تأثرا بمواقف الأممية الثالثة في حين نظروا إلى الحركة الصهيونية بصفتها مجرد مستغل لقوة عمل العرب بل وتفريغها من أي مضمون سياسي وتحميلها مضامين إنسانية وخيرية فقط ... 2- نشاط الحزب ومواقفه حتى الاستقلال مع تأسيس الحزب الدستوري الجديد نشط الشيوعيون ضمن الفرع التونسي للحزب الشيوعي الفرنسي بل وتعرضوا للاضطهاد من طرف المستعمر الفرنسي فتم اعتقال قياداتهم ممثلة في محمد علي جراد و حسن السعداوي إلا أنّهم في سنة 1936 ومع تولي الجبهة الشعبية الحكم في فرنسا التحقوا بمعترك النشاط في أوساط الجماهير والنقابات و أحدثوا فروعا جديدة وطالبوا بتحقيق جملة من الإصلاحات: § تمثيل التونسيين في صلب مجلس منتخب وحكومة مسؤولة. § النظر في إصلاح النظام الإداري والقضائي لمصلحة التونسيين. § إصلاحات اقتصادية واجتماعية مثل إقرار ثماني ساعات عمل في اليوم والمطالبة بالعطلة الأسبوعية . § تبني المسألة الوطنية كما طرحتها حكومة الجبهة الشعبية لحل مسألة المستعمرات . وفي شهر مارس 1939 تمت تونسة الحزب مما يعني الانفصال عن الحزب الشيوعي الفرنسي عبر التسمية " الحزب الشيوعي بالقطر التونسي " وعبر القيادة حيث تم انتخاب علي جراد أمينا عاما، ورغم ذلك ارتكب الحزب الشيوعي اكبر خطأ في تاريخه مما اثر سلبا في قوته حيث تبنى موقف " الفاشية هي الخطر الأكبر" الذي رفعه الاتحاد السوفياتي مما جعله يقف ضد استمرار الكفاح التحرري الذي يخوضه الشعب بل واعتبر الحزب الجديد عميلا للفاشية لأنه لم يجمد نضاله السياسي ضد فرنسا بل أن الحزب اعتبر ".. أن المسألة في الظروف الحالية ليست مسألة استقلال ولكن تتمثل في استئصال مخلفات الفاشية وسحق القوى الاجتماعية التي ولدتها وساندتها : الاحتكارات الاقتصادية وكبار المعمرين والإقطاعيين ..."، بل وصف علي جراد نصير الحركة الوطنية المنصف باي، على الملأ بالعميل للفاشية، بل وردد مناضلوه النشيد الوطني الفرنسي لا مارسيز ( تجمع 17/04/1944 )، وهي جملة المواقف التي قام الحزب بإجراء مراجعة نقدية لها لاحقا. 3- الحزب الشيوعي بعد الاستقلال (1956- 1962) نشط الحزب خلال هذه الفترة، وحاول فعليا أن يتدارك أمره بإتباع سياسة تونسة الإطارات، كما مارس نقدا ذاتيا بخصوص مواقفه السابقة قبل الاستقلال واقتصر نشاطه على المشاركة في انتخابات سنة 1959 التي لم يفز بأي مقعد فيها، كما أنّه استمرّ في إصدار جريدتيه "الطليعة" و "تريبون دي بروغري" (أي "منبر التقدم")، وخلال هذه الفترة عقد مؤتمرات ثلاث: أ‌- المؤتمر الخامس: عقد سنة 1956 و فيه تم تعديل النظام الداخلي لإقرار عدم إمكانية انتماء غير التونسيين للحزب وهو ما جعل الحزب الشيوعي الفرنسي يحتج على ذلك ...، انحاز الحزب إلى بورقيبة بل واتهم اليوسفيين بأنهم عملاء الاستعمار وهو ما لم يفعلها حتى بورقيبة نفسه .." ... نعم نحن نعرف أن هناك تونسيين ينتمون إلى الأستاذ صالح بن يوسف ويطبقون أوامره وصلوا إلى استعمال العنف ضد تونسيين آخرين ..... وبالفعل فقد أسفنا في هذه الأيام لحصول اعتداءات مجرمة .." ب‌- المؤتمر السادس: عقد سنة 1957 حيث قوم الحزب الشيوعي مجمل سياساته مواقفه وممارساته ، إلّا انه أكّد اقتفاءه لأثر بورقيبة في حماية المصالح الفرنسية في تونس. ت‌- المؤتمر السابع: عقد في مارس 1962 والذي تم تكريسه من اجل بناء حزب ماركسي بعد مراحل التقييم رغم مطابقة مواقفه إلى مواقف الحزب الشيوعي الجزائري الذي عارض الثورة المسلحة في الجزائر، بل حصر برنامجه في النضال من اجل إدخال إصلاحات سياسية على نظام الحكم لان العمل على إيجاد حلول ملائمة " يتطلب تدخل قوات وطنية أخرى ومشاركتها مشاركة فعلية في تصريف شؤون الأمة ..." 4- مرحلة السرّية بعد عقد المؤتمر السابع للحزب في مارس 1962 والذي تم تكريسه من اجل بناء حزب ماركسي بعد مراحل التقييم، تم منعه من النشاط العلني وحدثت ملاحقات واعتقالات لقياداته وناشطيه، بل و مات "حسن السعداوي" في مركز الشرطة بباب سويقة وبقيت كل العناصر مُلاحقة ومُحاصرة ممّا جعل أنشطته تتقلص بشكل شُبه كلي و ينحو ما تبقى منها نحو السرية التامّة... وعلى اثر رجوع القيادي محمد حرمل من الخارج إلى تونس سنة 1972 تم تفعيل أنشطة الحزب السرية وتكثيفها، بل وتم سنة 1974 إصدار وثيقة اسمها «البديل الديمقراطي والتقدمي» ساهمت فيها إطارات جديدة قدمت من رحاب الجامعة، و في بداية الثمانينات عقد الحزب المؤتمر الثامن له في أجواء المنع والمحاصرة وخاصة بعد انسحاب "جناح عروج" في المؤتمر السابع، وكانت اللقاءات تُعقد في سرية تامة ووقع خلاله انتخاب حرمل سكرتيرا أوّلا للحزب بدلا عن محمد نافع، وقد أعطى المؤتمر الثامن حسب أدبيات الحزب أرضية للشباب الطلابي الشيوعي الذين دخلوا الحزب وتمكنوا من امتلاك قدرات خاصة في ظل الصراع مع أقصى اليسار(والمعروفة في تونس بمنظمات اليسار الجديد) و التيار الإسلامي الناشئ مما أدى لاحقا إلى رفع الحظر عنه بعد لقاء حرمل-بورقيبة بترتيب من وسيلة بن عمار، كما صُوحب الإجراء بالسماح للحزب بإصدار «الطريق الجديد».... 5- من العلنية حتى نهية الحقبة البورقيبة استأنف الحزب نشاطه العلني في 19 جويلية 1981 بعد لقاء بين محمد حرمل و الرئيس الحبيب بورقيبة كما تم تبيانه في الفصل السابق، بل و شارك في انتخابات 1 نوفمبر من تلك السنة تحت شعار » التغيير في صالح العمال ومجموع الشعب «، وطرح أسماء 42 مرشحاً في ستة دوائر انتخابية، وكان موقف الحزب منها ومن نتائجها أنه وقع تغيير شنيع لنتائجها . وقد أكد المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي التونسي تعميق مسيرة التجديد والتصحيح في عملية بناءه الحزب وذلك من خلال تعميق الديمقراطية في كل المجالات وتشجيع التفكير والبحث والمبادرة والنقاشات السياسية والفكرية في نطاق الهياكل ولجان العمل لتطوير وتجديد وتعميق أطروحاتنا الماركسية.‏ 6- الحزب الشيوعي في بداية العهد النوفمبري(1987-1993) عمليا كان الحزب مثله مثل بقية النخب السياسية لا يدرك تفاصيل ما يجري في البلد، فحرمل لم يعلم بالانقلاب إلا من ياسر عرفات في موسكو بالذات يوم الانقلاب، وأما عن موقفه من الانقلاب ومن النظام الجديد فقد اعتبر السكرتير الأول للحزب أن "البيان مهم جدا في مختلف الجوانب التي عالجها"، وأمضى الحزب على الميثاق الوطني كما شارك في انتخابات 02 أفريل 1989 في قائمات مشتركة مع التجمع الاشتراكي التقدمي (يسار الوسط)وأخرى مع نفس الحزب والاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( قومي) ثم قاطع الانتخابات البلدية، ثم شكل الحزب ترويكا معارضة تضم كل من الحزب الشيوعي وحركة الوحدة الشعبية ، ولكن الحزب وقف مع بن علي في حربه المفتوحة مع الإسلاميين بل و ساندت استئصال الإسلاميين ودافع عن صورة النظام في الخارج وفي المحافل الدولية، وسكت أيضا عن قمع المعارضين ( قوميين – إسلاميين – مناضلي حزب العمال....)... قبل أن يتدارك ذلك لاحقا ويصطف مع الأحزاب المعارضة تحت المسمى الجديد أي حركة التجديد (المؤسسة سنة 1993) في بداية الألفية الجديدة ..... 7- ظهور حركة التجديد كوريث للحزب الشيوعي حركة التجديد هي التسمية التي اتخذها الحزب الشيوعي التونسي منذ أفريل 1993، أي بعد انهيار الكتلة الشرقية سنة 1989 وذلك في محاولة منه للانفتاح على قوى وشخصيات غير شيوعية.، ومن بين العوامل الأساسية التي دفعت إلى تغيير التسمية وتغيير التكتيك السياسي للحزب: - التطورات على مستوى الساحة الوطنية بعد محاكمات الإسلاميين ومناضلي وقيادات حزب العمال وبحيث أصبح الحزب ملجأ لبعض الشخصيات اليسارية المستقلة وبعض مناضلي البرسبكيتيف ومنظمة العامل التونسي وبعض القيادات السابقة للوطد وتياراته المختلفة (سمير بالطيب مثالا لا حصرا)، وباعتبار أن بعضهم (أي مناضلي أقصى اليسار من منتسبي الشعلة والعامل التونسي والماركسيين العرب) كان يصف الشيوعيين بالتحريفيين وأتباع موسكو كان تغيير الاسم ضروريا لاستيعاب أولئك... - التطورات الإقليمية والدولية على غرار ترتّبات حرب الخليج وانهيار الكتلة الشرقية بعد سقوط جدار برلين وبالتالي أصبحت تسمية الحزب عائقا موضوعيا وخاصة أمام قياداته لربط علاقات دولية وداخلية .... إلا أن هذا التغيير دفع عددا من أعضاء الحزب إلى مغادرته(على غرار بلقاسم حسن وآخرون)، أما من حيث الهيئة القيادية فقد بقي على رأسها محمد حرمل الذي كان أمينا عاما وسكرتيرا أولا للحزب الشيوعي كما حافظت خلايا الحزب السابقة على مواقعها ( وباعتبارها تدير شبكة مصالح الحزب واستثماراته على غرار أحد المعامل في القصرين وبساتين البرتقال في الوطن القبلي)، وقد شاركت حركة التجديد في الانتخابات البرلمانية في 1994 و1999 و قد تحصلت على مقعدين من المقاعد البرلمانية المخصصة لأحزاب المعارضة.... وقد لعبت الحركة خلال هذه المرحلة دور حزب الديكور الديمقراطي بل وساهمت قياداتها في تلميع صورة نظام المخلوع في المحافل الأوروبية، وتحولت صحيفتها الأسبوعية "الطريق الجديد" إلى مجلة شهرية... وقد نقل بعضهم عن محمد حرمل قوله انه نصح الرئيس المخلوع يومها بالإكثار من المُومسات لكي يكون التصدي للتيار الإسلامي ناجعا ... و أعلنت حركة التجديد يومها أنها تناضل "من أجل تكريس الديمقراطية في تونس ومناهضة الاستبداد والدفاع عن اللائكية وتحقيق العدالة الاجتماعية".، وقد شاركت الحركة في انتخابات 1994 و 1999 . البرلمانية المخصصة لأحزاب المعارضة. وقد تحصلت على ثلاثة من المقاعد في أطار الكُوتة التي أهداها الجنرال لبن علي لما أسماه بمعارضته الرسمية ( أي معرضة الموالاة والديكور الديمقراطي ) ... 8- حركة التجديد تصطف مع المعارضة الراديكالية(1999- 2010) اتسم الوضع في بداية الألفية بأن أصبح النظام ضعيفا ولكن أحداث 11 سبتمبر وعوامل أخرى أجلت سقوطه أو على الأقل اختفاء علامات ضعفه الواضحة، واتجه بن علي لإضعاف المؤسسة الأمنية وتصفية بطيئة لكل من يعتقد في خطرهم، بينما اسم المشهد الحزبي فقد اتسم بـــسمات أهمها أن : - بقي مقسما بين أحزاب معترف بها ولكنها مقسمة بين فريقين ( أحزاب ديكور وموالاة مقابل أحزاب أخرى تتسم بالراديكالية) و أخرى محظورة غير مسموح لها حتى بالنشاط الإعلامي والسياسي وبالتّالي خيّرت التواري أو الهجرة أو وقع محاكمة مناضليها سياسيا... - الجنرال بن علي اتخذ سياسة الترهيب والترغيب عبر صنع مشهد ديكوري لحولي 5 من أحزاب المعارضة ومنّ على بعضها بمقاعد في البرلمان ..... - التحقت بصفوف الحزب الحاكم وهياكل النظام نخب كانت معارضة فتحولت أدوات في مراكز دراسات الحزب والمكاتب الإعلامية للوزارات تُبارك وتُهلّل وتُخطّط وتكتب التقارير في رفاق الأمس وضدّ المُعارضين في الداخل والخارج ... وكقراءة لهذا المشهد ونتيجة مواقف المرحومين محمد الشرفي ونورالدين بن خذر والذين اقتربا من قيادة حركة التجديد ، غيرت هذه الأخيرة طبيعة مواقفها السياسية بعد سنة 2001 ، ولكنها و كما شاركت في كل الانتخابات البرلمانية السابقة شاركت أيضا في انتخابات 2004 وتم منحها ثلاثة مقاعد فقط بينما تطور عدد نواب بقية أحزاب الموالاة (وهي إشارة من الرئيس المخلوع على معاقبة حركة التجديد على تغيير مواقفها) كما تقدمت بمرشح لها في انتخابات 2004 الرئاسية هو محمد علي الحلواني ، غير أنه لم يحصل حسب النتائج المعلنة إلا على نسبة دون الواحد بالمائة من عدد الأصوات.... 9- انتخبات 2009 و تحالف "المبادرة الوطنية"، ثم تحالف "المواطنة والمساواة" في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 25 أكتوبر 2009 رشحت أحمد ابراهيم ، وقد نسقت مع حزبين يساريين غير معترف بهما وهما ا"الاشتراكي اليساري "و "العمل الوطني الديمقراطي" حيث تم الإعلان منذ 15 جوان 2008 عن تدعيم التنسيق من خلال "المبادرة الوطنية من أجل الديمقراطية والتقدم" التي أعلن أنها تهدف إلى تجميع القوى الديمقراطية والتقدمية في النضال من أجل الحريات العامة والمطالب الاجتماعية والسيادة الوطنية والدفاع عن مبادئ العدالة والمساواة. إلا أن خلافا جد أثناء انتخابات 2009 وتعلق بشأن ترشيح نوفل الزيادي والذي عدته بعض قيادات التجديد محسوبا على النظام ورفضت ترشيحه على رأس قائمة منوبة ... و عمليا تمت محاصرة حملة أحمد ابراهيم ومصادرة بيانه وإعطائه نسبة ضعيفة وتم فرض نائبين له قريبين من الحزب الحاكم وأجهزة النظام (وهو أمر انسحب على كل الأحزاب الممثلة فيه ) في الكوتة الجديدة للحزب في المجلس النيابي ... وبعد الانتخابات أجرت حركة التجديد تقييمها للوضع السياسي خاصة بعد انطلاق أجواء مناشدة بن علي لانتخابات 2014 فسارعت في ماي 2010 إلى تشكيل تحالف المواطنة والمساواة والذي تكون إضافة إلى التجديد، من حزب التكتل (بقيادة بن جعفر) وحزب الإصلاح والتنمية(بقيادة فتحي التوزري) وعدد من المستقلين مثلتهم يومها هادية جراد، و قد تم توزيع وثيقة مرجعية تعبر عن طبيعة التحالف وقراءته للمشهد السياسي في تونس، بل وتم التأكيد في الندوة الصحفية المخصصة للغرض يومها أن التحالف ليس موجها ضد أحد كما أكّد منظمو الندوة و أطراف التحالف عن إيمانهم العميق بمبادئ المشاركة الإيجابية والحرص على تعزيز أركان الديمقراطية والتعددية في البلاد وتنمية الوعي السياسي وروح المواطنة وتحفيز الناس والمواطنين على العمل في ظلّ القناعة المشتركة بخدمة المصلحة الوطنية دون غيرها.، ويدل هذا التوجه و منطق إعلان التحالف يومها عن الطبيعة الإصلاحية للتجديد وعدم الوعي بالتطورات اللاحقة وما يختزن في عمق المجتمع خاصة وأن أحداث الحوض المنجمي قد جدّت منذ سنتين وان أحداث بن قردان جاءت بعد أشهر فقط من هذه القراءة غير الواقعية وهو ما يفسر قراءة الحركة لتطورات الأحداث أيام الثورة (17 ديسمبر – 14 جانفي 2011)، ومواقفه الإصلاحية جدا عشية فرار المخلوع... 10- حركة التجديد بعد ثورة 14 جانفي فرضت الثورة تحولات سياسية جديدة على مستوى الخارطة الوطنية وذلك بدخول تيارات سياسية وظهور أحزاب عرفت على امتداد النظام السابق قمعا منقطع النظير وغذته ممارسات الإقصاء والتهميش، ولكن حركة التجديد لم تستوعب هذه المتغيرات غداة الثورة حيث كانت مواقفها إصلاحية على غرار مباركتها خطاب 13 جانفي 2011 للجنرال المخلوع، بل وسارعت للمشاركة في حكومتي الغنوشي عبر تولي المسؤول الأول فيها حقيبة التعليم العالي واضطر للخروج من الحكومة نتيجة مطالب القصبة 2 ومجيء السبسي لرئاسة الحكومة، حيث تم تخيير الحزبين ( التقدمي و التجديد) بين المغادرة أو البقاء وعدم الترشح للانتخابات القادمة، وهو ما أوقع التجديد في مخاض سياسي بين أهم قيادييها حول مسارها بعد الثورة واضطر الجميع إلى الذهاب إلى مؤتمر لحسم الخيارات الجديدة وخاصة بعد خوض نقاشات مع شق حزب العمل الذي يقوده الاقتصادي والنقابي عبد الجليل البدوي إضافة إلى انضمام شخصيات يسارية مستقلة جديدة مقابل انسحاب قيادات سابقة .... 11- ظُهور حزب المسار كوريث لحركة التجديد كتقييم لنتائج الانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011 والتي خاضتها حركة التجديد ضمن ما سمي يومها بالقطب الحداثي والذي انطلق بــ 11 حزبا لينتهي بين اقل من 4 فصائل سياسية وهي: حركة التجديد والحزب الاشتراكي وبعض الشخصيات اليسارية المستقلة، خاض الحزب نقاشات مع عدد من المُستقلين اليساريين وشق في حزب العمل ( بقيادة عبد الجليل البدوي) وفعلا تم الإعلان رسميا عن تأسيس حزب سياسي تحت مسمى "حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي" في الأول من أفريل سنة 2012 وبهذا الاسم خيضت نقاشات للاندماج مع الحزب الجمهوري، إلا أنها باءت بالفشل لاختلاف في الخيارات السياسية والاجتماعية والثقافية وبناء على بعد الزعامتية لقيادتي الحزب وعمليا حافظ الحزب على علاقات حركة التجديد من حيث الموقع من اليسار الفرنسي والذي تربط قياداته علاقات لوجستية وإستراتيجية مع عدد من قياداته والقريبين منه ، ورغم عدم ظهور عدد من القيادات اليسارية والوجوه الفرنكفونية في واجهة قيادة حزب المسار فان بعض القيادات على غرار فوزية الشرفي وبعض الجامعيين يعتبرون من الوجوه النافذة والراعية للحزب... • الانضواء تحت لافتتة الاتحاد من أجل تونس رغم أن الإعلان عن الاتحاد من أجل تونس قد تم منذ ديسمبر 2012 من طرف البااجي قائد السبسي بدون الرجوع إلى حلفائه ( من حيث التوقيت وطبيعة الإعلان سياسيا)، فقد أعلن حزب المسار في 29 جانفي 2013 عن انضوائه تحت تحالف الاتحاد من أجل تونس ( وهو التحالف الذي عرف بالتحالف الخماسي و يضم نداء تونس - الحزب الجمهوري - حزب العمل الوطني الديمقراطي والحزب الاشتراكي)، وطبعا كان الحزب من الفاعلين في الاتحاد ومن المؤسسين لجبهة الإنقاذ بل وكان من الفاعلين الرئيسيين في تحركاتها وخياراتها وارتباطاتها في الداخل والخارج وخاصة أثناء ما سمي باعتصام الرحيل و خيارات الانسحاب من المجلس التأسيسي... الا ان الحزب رغم كل ذلك كان أكثر المتضررين الرئيسيين من خروج الحزب الجمهوري ثم تهميش حركة نداء تونس للتحالف لفترة طويلة، لأن حزب المسار يعتبر أن التحالف جسر استراتيجي له لتمرير خياراته وخططه وعمليا طالب الحزب بترأس 9 قائمات وبان يكون في المراتب الأولى في بقية القائمات وهو ما اعتبره النداء مطالب مشطة من الحزب ، ورغم ذلك فقد أصر الحزب على التمسك بالتحالف وتطويره وخوض المعركة الانتخابية تحت يافطته ... وهنا لابد من التأكيد أن الحزب قد خسر جزء من قياداته التاريخية لصالح حركة نداء تونس على غرار بوجمعة الرميلي والمهدي عبد الجواد وعادل الشاوش وآخرين، كان من الفاعلين الرئيسيين في خلايا الحزب الشيوعي وقيادة حركة التجديد ... • الحجم النيابي للحزب بعد 23 أكتوبر 2011 كان الحزب يمتلك عند انطلاقته 5 مقاعد في المجلس الوطني التأسيسي، وفي 23 مارس2013 أعلن عن انضمام النائبتين سلمى مبروك وكريمة سويد، اللتين كانتا تنتميان إلى التكتل، إلى صفوفه، ونواب الحزب في المجلس التأسيسي هم : أحمد إبراهيم ( دائرة تونس 2) - سمير الطيب (دائرة تونس 1) - الفاضل موسى ( دائرة أريانة) - نادية شعبان ( دائرة فرنسا 1) - سلمى بكار ( دائرة بن عروس)- إضافة الى عدد من النواب كانوا قد استقالوا من التكتل وهم : سلمى مبروك ( دائرة بن عروس) - كريمة سويد ( دائرة فرنسا 2 ) - علي بالشريفة ( دائرة باجـة (- عبد القادر بن خميس (دائرة الكاف)، أضافة الى النائبة منال القادري (دائرة سيدي بوزيد (وهي مستقيلة من" حركة الديمقراطيين الاشتراكيين" وعمليا كان نواب الحزب فاعلين رئيسيين في أنشطة المجلس وخاصة في الكتلة الديمقراطية، و المعروف أن نواب الحزب كانوا من أهم الناشطين في ما سمي باعتصام الرحيل، و في تعطيل نشاط المجلس وانسحاب بعض نوابه أثناء فترة الأزمة السياسية التي أعقبت اغتيال الحاج محمد البراهمي.... 12- الحزب وحكومتي الترويكا وحكومة المهدي جمعة وقف الحزب في صف القوى المعارضة لحكومتي الترويكا و نادى بإسقاطها وتعطيلها والعمل على إفشالها بكل الطرق واعتمد على وسائل عدة من اجل الوقوف ضدها و اعتمد التحالفات في الداخل والخارج من أجل ذلك ، وعارض كل خطواتها وهذا واضح مت تصريحات قيادة الحزب ومواقف نوابه داخل قبة المجلس ومن مواقف معلنة وصريحة لعدد من قياداته السياسية على غرار سمير بالطيب ( مواقفه من الوزير سالم لبيض بسبب تردده على المساجد) وسلمى بكار واحمد ابراهيم... أما بالنسبة لحكومة التكنوقراط ، فيعتبر أحمد ابراهيم هو أول شخص اقترح اسم مهدي جمعة أثناء جلسات الحوار الوطني ، كما تغيرت مواقف حزب المسار من عدد من القضايا الاجتماعية والسياسية وأصبح مواقفه ايجابية على عكس مواقفه من نفس الإشكالات خلال مرحلة حكومة الترويكا ، واقتصرت مواقفه على التشدد في تطبيق بنود خارطة الطريق من حيث تفاصيلها ( التعيينات وتحييد المساجد ...) ، وعمليا تغيرت مواقف حزب المسار من حكومة جمعة مباشرة بعد المؤتمر و أصبح انتقادها على مستوى الخطاب واضحا وجليا ... 13- أشغال المؤتمر الاخير و مستقبل حزب المسار انعقد مؤتمر الحزب الديمقراطي الاجتماعي لمدة ثلاثة أيام بالضاحية الشمالية للعاصمة ( أيام 20 و21 و 22 جوان) كما عقد المجلس المركزي الجديد اجتماعا يوم 22 جوان 2014 في الساعات الأولى من الفجر لانتخاب الأمين العام و المكتب السياسي و أسفرت عملية الاقتراع على انتخاب سمير بالطيب أمينا عاما جديدا للحزب بعد أن نافسه القيادي الجنيدي عبد الجواد، و عقد المكتب السياسي للحزب اجتماعه الأول بمقره المركزي يوم 25 جوان 2014 و تم انتخاب أعضاء الأمانة الوطنية. و تم خلال أشغال المؤتمر مناقشة الوضع السياسي و الأوضاع العامة من ارتفاع في الأسعار و وجوب مراجعة الجباية و خطر الإرهاب، وأكد بالطيب في الندوة الصحفية الخاصة بأشغال المؤتمر ونتائجه عن عدم قبول الحزب للقانون الانتخابي الذي يسمح للكبار فقط للترشح و قال بان الوعي الديمقراطي محدودا و تأسف لعزوف التونسيين عن الانتخابات و فقدان ثقتهم في الأحزاب السياسية. دعا سمير بالطيب خلال استعراضه أشغال المؤتمر ومطالب المؤتمرين مواقفهم أثنائه إلى : - التوحد و حذر من التشتت الذي سيجعل المواطن يعزف عن الانتخابات و من التمويل السياسي للأحزاب و قال بان أصحاب المال هم الذين سيتحكمون في السياسة و بأنه لم يعد مشروع الحزب السياسي هو إصلاح الدولة والمنظومة التعليمية إنما كتلة مالية محددة يخضع لها الحزب لأنها هي التي مولته في الانتخابات . - كما طالب باستقلالية الإدارة و قال بأنه "إن لم تكن الإدارة مستقلة لن تكون هناك انتخابات ديمقراطية و شفافة وبان التدليس الذي كشفه كمال الجندوبي في انتخابات 23 اكتوبر سيتكرر و سيصبح الآن الوضع أكثر خطورة لان الانتخابات لمدة خمس سنوات و ستتاح إمكانية تأويل النصوص حسب المصالح الشخصية...". - دعا إلى تامين اجتماعات المرشحين للانتخابات و هذه قضية مركزية لأنه هناك تعد كبير من الحركات السلفية خاصة منها الإرهابية الجهادية,حسب تعبيره. - و بخصوص حركة النهضة فقد ردد بالطيب الاسطوانة التي طالما رددتها حركة التجديد وأكد عليها العديد من المؤتمرين أثناء الأشغال ، حيث قال بان حركة النهضة قامت بحماية رابطات حماية الثورة و الدفاع عنها هو نوعا من التشريع و إعطاء الإمكانية للحملة الانتخابية، كما دعا إلى ترك الصراع السياسي جانبا و قال بان الانتخابات بالنسبة لتونس هي الركيزة الأساسية للاتجاه نحو التقدم. - و عرج على مسالة التوافق على رئيس الجمهورية رافضا مبادرة حركة النهضة معتبرا إياها مناورة سياسية، و قال أن حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي يسعى إلى التوحيد و انه كان بودهم أن تأتي النهضة بمبادرة أخرى وهي حكومة وحدة وطنية و انه سيكون لهم نقاش مع حركة النهضة. - و بالنسبة لمسالة الانتخابات التشريعية قبل الرئاسية قال بأنهم أول حزب ناضل من اجل أسبقية التشريعية قبل الرئاسية و بأنهم يحترمون خارطة الطريق ويساندونها و بان الحوار الوطني مازال متواصل خاصة في الأمور التي تتعلق بالقائمات الحزبية , المال السياسي , الإعلام ,و تحييد المساجد و الإدارة. و عمليا بينت الأشغال أن أكثر أعضاء الحزب من النساء و حسب قول سمير بالطيب ان ذلك تجسيد لمكانة المرأة و أن "المساريين" اختاروا نساء لكفاءتهن و بأنه وقع انتخاب 40 % من النساء و أنهم أعطوا مكانة كبيرة للشباب كما صرح بان عدد نواب المسار تضاعفوا و أن المساريين يحافظون على مكاسبهم و يجددون في كل مرة أنفسهم. واعتبر قادة الحزب في تصريحاتهم الصحفية أن الهدف الأساسي الذي حدده حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي هو خلق جدل سياسي و التنسيق قبل الانتخابات، وبالتالي بينت الأشغال وطبيعة القيادة الجديدة المنتخبة أن المؤتمر لم يستطع أن يخلص بقايا الشيوعيين التونسيين من إرثهم التاريخي ومقولاتهم الكلاسيكية ولا ارتباطاتهم في الداخل والخارج بل ن تم تكريس عدد من المقولات الجامدة التي طالما رددتها القيادات التاريخية من جراد مرورا بمحمد نافع ومحمد حرمل وأحمد إبراهيم وصولا الى سمير بالطيب الذي يمثل أقصى اليسار فكرا وسلوكا وارتباطات رغم تموقع حزب داخل وسط اليسار منذ عقود.... 14- الخُلاصة الواضح أن حزب المسار ورغم انه تواصل وتجاوز للحزب الشيوعي ووريثته حركة التجديد ورغم تقلص عدد من القيادات المحسوبة على خلايا الحزب الشيوعي مقارنة باليساريين المستقلين مع حضور نسبي للفرانكفونيين والآفاقيين وخاصة لقيادات سابقة بتيار الوطد ( سمير بالطيب كان قياديا بالوطد سنة 1979 وماهر حنين وغيرهما) أما على مستوى الفكر والممارسة فلم يتطور حزب المسار رغم المآلات الجديدة على المستوى السياسي والتنظيمي ، فقد بقي محافظا على مقولاته الفكرية والثقافية و الإيديولوجية وارتباطاته في الداخل والخارج وموقفه من القوميين والإسلاميين ومن المسائل الاجتماعية والاقتصادية وطبيعة المجتمع التونسي وخصائصه الحضارية في حين سيتقلص الهامش السياسي للحزب ومن حيث موقعه داخل المشهد السياسي في أفق الانتخابات القادمة ...