أثارت مواقف حزب العمال من حركة نداء تونس وزعيمها السبسي، خلال مؤتمره الأخير استغراب البعض، بحيث أن النداء…
ان أحد ضيوف الحزب في مؤتمره الرابع وأحد حلفائه في معاركه السابقة مع حكومة الترويكا طوال سنتين، بينما نعتت لوائح المؤتمر وورقاته السياسية، الحزب بأشنع وأبشع النعوت (العمالة – النظام القديم)، والتي لم يطلقها الحزب على أي من خصومه تاريخيا؟، فما هي تلك المواقف المتضاربة؟، ولماذا تبدو هناك مفارقات عجيبة في مواقف أحد أقدم أحزاب اليسار الماركسي في تونس من حليفه منذ اشهر أي نداء تونس منذ ظهور هذا الأخير في منتصف جوان 2012؟
• حزب العمال من العداء المُحكم لنداء تونس الى التحالف الاستراتيجي والمُعلن معه (جوان 2012- جانفي 2014)
[caption id="attachment_102660" align="alignleft" width="148"] شعار حزب العمال[/caption]
عندما ظهر حزب نداء تونس توجس منه حزب العمال وأعتبره يمينا ليبراليا وإعادة إحياء للنظام القديم، و لم تتغير مواقف الحزب علنيا الا في ديسمبر 2012 عندما صرح حمة الهمامي لإذاعة "موزاييك آف آم"، على اثر اجتماع جربة (والذي سماه البعض باجتماع المناشف)، بالقول "نحن نعتبر استهداف نداء تونس هو استهداف لنا" و وتوضح ذلك الموقف عشية اغتيال السياسي والقيادي بالجبهة الشعبية المرحوم شكري بلعيد، حيث اصطف الهمامي بجانب قيادات "نداء تونس"، و تماهت المواقف بينهما بل وتقاربت الأطروحات والتحركات السياسية للطرفين وأصبح التنسيق واضحا وعلنيا، لكن مع تشكيل حكومة علي لعريض في مارس 2013 ، صرح حمة لإذاعة "شمس آف آم"، مستغربا لماذا لا يلتحق النداء بالجبهة، ثم أكد أن الجبهة لن تتحالف مع حزب نداء تونس، وجاءت تلك التصريحات بعد تردد بعض معطيات و تأكيد بعض مُحلّلين ومراقبين أن شكري بلعيد تم اغتياله لأنّه وقف ضد تحالف الجبهة مع النداء، وقد أكد حمة أيضا و في تصريحات متعددة و متتالية أن حزبه والجبهة لن يقفا أبدا في نفس الخندق مع النداء...
وبعد تطور الأزمة السياسية في تونس اثر اغتيال الحاج محمد البراهمي في 25 جويلية 2013 تخندق الحزب من جديد مع نداء تونس وحلفائه في ما سمي بالاتحاد من أجل تونس وتم تأسيس جبهة الإنقاذ وتعددت اللقاءات بين حمة والباجي وتصدرت الصور المشتركة الشاشات وصفحات الجرائد والمواقع الالكترونية، والتي ضمت شخصيات يسارية و دستورية وأحزاب التحالف الخماسي بقيادة النداء وأحزاب الجبهة بقيادة حزب العمال بل وخاضا الطرفين معاركهما طوال أشهر في ما سمي يومها باعتصام الرحيل في باردو (أي قريبا من مقر المجلس التأسيسي)، بل وتماهت المواقف حتى قال القيادي عمر الماجري والذي انسحب من الجبهة الشعبية مبكرا ، حيث أكد "أن الجبهة تحولت إلى حديقة خلفية لليمين الليبرالي" ( تصريح الإعلان – مارس 2014)، وهو ما أكده القيادي بالوطد الثوري عبد الله بن سعد (الإعلان - ماي 2014) ورئيس حزب تونس الخضراء ( السور – أفريل 2014) وهو ما دفع الجبهة الشعبية للتفكك بعد انسحاب حركة الشعب نهائيا وانسحاب القيادي برابطة اليسار العمالي وأيضا انسحاب حزب النضال التقدمي ( بقيادة محمد لسود) لتقتصر الجبهة سياسيا في الأخير وبسبب مواقف حزب العمال ، على الحزب العمال والوطد والحزبين البعثيين وحزب الحرية والتقدم، وحزب التيار الشعبي(بقيادة زهير حمدي) بعد أن تأسست بأكثر من 13 حزبا في أكتوبر 2012....
ورغم ذلك ورغم لقاء باريس بين الغنوشي و الباجي قائد السبسي فقد تواصل التشاور بين حمة الهمامي والباجي وقيادة حزبه وكان التواصل أثناء جلسات الحوار الوطني وحول اختيار رئيس الحكومة يومذاك بل و تماهت المواقف ضد مرشح النهضة والجمهوري، أحمد المستيري وضد "جلول عياد" أيضا، بل أنّ حزب العمال (والذي طالما تغنى بأنه ضد الامبريالية الأمريكية وضد صندوق النقد)، وقف مساندا لترشيح مصطفى كمال النابلي ومحمد الناصر و عبد الكريم الزبيدي وآخرين لرئاسة الحكومة ...
ووصل الأمر بحمة الهمامي، أن تخلى لأوّل مرة في حياته عن مواقفه التاريخية فقد التقى السفير الأمريكي لمرتين بل وقال لجريدة السفير كتبرير لتحالفه مع المنظومة القديمة واصطفافه معها، "لقد دفعتنا النهضة لذلك"...
• تفكك جبهة الانقاذ وتفكك عرى التحالف بين مكوناتها(جانفي – جوان 2014)
[caption id="attachment_102661" align="alignright" width="201"] جبهة الانقاذ[/caption]
بعد نجاح الحوار الوطني في الحد الأدنى والمصادقة على الدستور واختيار الهيئة المستقلة للانتخابات تغيرت المعادلات وبدأ التفكك الفعلي لجبهة الإنقاذ وانهار تحالف الاتحاد من أجل تونس و تباعدت المواقف بين حزب العمال وحركة نداء تونس وزاد سقوط قانون العزل السياسي إرباكا لتلك العلاقة وبدأ الطلاق البيني ولكنه غير معلن بين الطرفين ودخلا الحزبين أزمتين داخليتين حادتين تمادتا لعدة أسابيع وحاولا الحزبين إيجاد حل وبالفعل مثل المؤتمر الرابع محاولة لإنهاء الأزمة الداخلية لحزب الهمامي في ما مثلت قرارات المجلس الوطني لنداء تونس في دورته الخامسة حلا وقتيا لخلافاته الداخلية التي تم تأجيلها إلى ما بعد المعركة الانتخابية على حد عبارات القيادي فوزي اللومي...
وبذلك بقيت العلاقة بين الحزبين مفتوحة على كل الخيارات ويمكن دفعها في كل الاتجاهات...
• مفارقة الموقف الأخير خلال المؤتمر الرابع
رغم أنه لا خلاف في أن العلاقة بين الحزبين أصبحت يعتريها الفتور خلال المدة الأخيرة إلا أن هذا لم يمنع حزب العمال من توجيه دعوة لحزب نداء تونس في الجلسة الافتتاحية خلال مؤتمر الزهراء وقد مثله الطيب البكوش و الذي ألقى كلمة نقلتها صحيفة صوت الشعب في عددها الأخير( وهو العدد الذي خُصص للمؤتمر عمليا) في حين قرأت اللائحة السياسية موقفا من الحزب يبدو غريبا وغير منتظر لطبيعة العلاقة التي جمعت الحزبين طوال فترة حكم الترويكا وهذا نص اللائحة الذي قرأ هوية حزب نداء تونس:
"... فهذا الحزب يُمكن اعتباره واحدا من أكير مُمثلي البورجوازية الكبيرة العميلة دون شك وهو يعمل على الوصول إلى الحكم مُستفيدا من إخفاقات النهضة وحلفائها ومن تجربة وعلاقات بعض رموزه البارزة سواء لماكينة الحكم السابقة أو ببعض الدول الاستعمارية ذات اليد الطويلة ببلادنا " (المصدر – صوت الشعب – العدد الأخير وهو العدد 156 بتاريخ 6 جويلية 2015 ، ص 8 )، أي أن هذا الموقف يتلخص في ان حزب نداء تونس هو وريث لبن علي وهو حزب ليبرالي عميل...
• الخلاصة
عرفت مواقف حزب العمال بعد الثورة تطورات دراماتيكية كبيرة وتغيرت إستراتجيته وخاض معارك سياسية بغض النظر عن فشلها أو نجاحها، وخسر الكثير من رصيده النضالي وعددا من أنصاره بل وبعض قياداته، وتغيرت مواقفه في هذا الاتجاه أو ذلك...
أمّا غرابة موقفه الأخير من نداء تونس وإن لم يبدو غريبا بشكل عام نظرا لاضطراب الحزب في قراءته لأطراف اليمين الليبرالي وعلى رأسها نداء تونس والذي خسر سابقا من أجله عديد الحلفاء وانقسمت بسببه الجبهة الشعبية وغادرتها حوالي خمس فصائل ( الجبهة الوحدوية – حركة الشعب – النضال التقدمي – تونس الخضراء – شق من رابطة اليسار العمالي – الوطد الثوري ...)، إلا أن الموقف الأخير وبتلك الدقة في الأحكام والعبارات، يبقى قابلا لعديد القراءات وهو في الأخير موقف ناتج عن خيارات داخلية بالأساس وربما حسب الحزب أن يمر هذا الموقف مرور الكرام من طرف النداء ومن طرف المتابعين...