مع بداية العد العكسي للانتخابات البرلمانية والرئاسية في تونس التي ستجرى موفى العام الحالي طفت على السطح…
بادرة تقدمت بها حركة النهضة الإسلامية تقترح فيها التوافق على مرشح رئاسي يكون «ديمقراطيا، مناصرا للثورة، مؤتمنا على تحقيق أهدافها، ضامنا للحريات، رامزا للوحدة وجامعا للتونسيين والتونسيات»، وذلك «ضمن أفق مشروع وطني يقوم على مبدأ التشاركية في الحكم من خلال بناء قاعدة وسطية واسعة للحكم في إطار حكومة وحدة وطنية تواصل الإصلاحات الكبرى التي تنتظرها بلادنا وتضمن الاستقرار السياسي والاجتماعي وتجنب بلادنا الاستقطاب والفوضى».
المبادرة أدخلت نوعا من الارتباك في أوساط الأحزاب التونسية التي تبدو حاليا بين مشككة أو منتقدة أو متحفظة. في الوقت الذي تقول فيه حركة النهضة إن مبادرتها «لا تهدف إلى تغيير قواعد الديمقراطية ولا إلغاء الانتخابات بل هي مبادرة وطنية تعزز الوفاق بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة»، بل وسعى سمير ديلو أحد قيادات النهضة إلى التوضيح أنه «لن يكون هناك مرشح واحد للرئاسة بل سيكون هناك مرشح ذو توافق واسع يتقدم معه مرشحون آخرون»… رأى القيادي المعارض أحمد نجيب الشابي أنه من غير الوارد إعادة غلطة عام 1989 حين اتفق الجميع على أن يكون زين العابدين بن علي المرشح الوحيد الذي حظي برضا الجميع ، فيما لم يتردد لزهر العكرمي القيادي في حزب «نداء تونس» المعارض في وصف المبادرة بأن «ظاهرها غير باطنها» خالصا إلى أنها لا تعدو أن تكون «مقترحا رومانسيا على ضوء شموع».
الواضح إلى حد الآن على الأقل أن مبادرة النهضة أثارت من التساؤلات أكثر مما قدمت من تطمينات. هذا بدوره يؤشر إلى أن غيوم عدم الثقة بين الفرقاء لم تتبدد بالكامل رغم الحوار الوطني الواسع الذي أدى قبل أشهر إلى انسحاب «النهضة» وحلفائها من السلطة لمصلحة حكومة توافق غير حزبية برئاسة مهدي جمعة تسير البلاد إلى حين إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية. من أبرز نقاط الاستفهام هذه:
- طالما أن الانتخابات البرلمانية ستسبق الرئاسية،، أي معنى يمكن أن يكون لتوافق عدد من الأحزاب الفاعلة على مرشح رئاسي توافقي وهي التي كانت قبل أسابيع قليلة في حمى تنافس يبشر بمشاريع ورؤى مختلفة؟
- خوف التونسيين من أن يكون اختيار رئيس الجمهورية أقرب إلى التزكية منه إلى الانتخاب وأن في ذلك نوعا من وأد لصراع البرامج والوصاية الحزبية على عموم الناس الذين يأملون في القطع مع سنوات لم تكن فيها لأصواتهم وللانتخابات أية قيمة.
ـ توجس قطاع لا بأس به من التونسيين من ألا تكون المبادرة هادفة إلى إخراج منصب الرئاسة من التجاذبات الحادة بقدر ما قد تصبح خطوة لإدخال هذا المنصب دائرة المساومات والتنازلات المختلفة خاصة عندما تكون الأحزاب التي اتفقت على المرشح الرئاسي قد باتت في وضع قوي بعد ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية. هذا فضلا عمن يعتقد منذ الآن بوجود «صفقة» ما تدبر حاليا حول المنصب لم تغب عنها أطراف دولية فاعلة في الساحة التونسية.
في المقابل، استطاعت حركة النهضة من خلال مبادرتها أن تظهر بمظهر الحريص على تجنيب البلاد هزات سياسية لا يتحملها الوضع الاقتصادي الاجتماعي والاقتصادي الصعب ولا المحيط الإقليمي المضطرب، إلى جانب رغبتها في التعايش وتجنب الإقصاء. هي بذلك كأنها تبرىء ذمتها مما يمكن أن يحدث لاحقا خاصة وقد رأى الجميع نتيجة رفض كثيرين الدخول معها بعد انتخابات أكتوبر – تشرين الأول عام 2011 في حكومة ائتلافية واسعة.
ومهما يكن من أمر وبعيدا عن قراءة النوايا، فإن مبادرة حركة «النهضة» أدخلت نوعا من الحيوية في الساحة السياسية في تونس وهي في كل الأحوال تستحق مناقشة وطنية واسعة تقلـّــب المزايا فيها والمثالب وهذا في حد ذاته «تسخين» جيد لللانتخابات المقبلة.