حديث ليس في السياسة، غير أنه في النهاية قد يصب فيها.
الحديث هو عن تراجع ملحوظ أصاب عددا لا بأس به من التونسيين…
ي مزاجهم العام وحسهم المدني وأخلاقيات تعاملاتهم الاجتماعية.
من يسجل ذلك بحسرة هم في الغالب من التونسيين الذين يعيشون خارج الوطن فالغربة، كما يقال، لا تتيح فقط فرصة التعرف على شعوب وثقافات أخرى وإنما تسمح للمرء أيضا بأن ينظر إلى قومه ثانية بعيون مختلفة. بالتأكيد لو ظل هؤلاء المغتربون في تونس لما لاحظوا ذلك أصلا، أوعلى الاقل لما استهولوه بحكم أنهم كانوا سيكونون حكما هم أنفسهم جزءا منه.
أول ما يلفت الانتباه هو ذلك النفس المتوتر والعصبي وحتى العدواني الذي بات يطبع كثيرا من سلوكيات الناس في الشارع، ولأبسط الأسباب أحيانا. عدوانية تتجلى أكثر في السياقة، التي غالبا ما تعتبر مقياسا لدرجة تهذيب الناس وتقديرهم لبعضهم البعض، فنادرا للغاية أن تتوقف سيارة لترك المارة يقطعون الطريق حتى وإن كان من بينهم عجوزا أو طفلا أو إمرأة حاملا. لا أحد يتوقف ليفسح لك مجال العبور بسيارتك حتى وإن كنت في أمس الحاجة لحركة لطيفة لا تكلف شيئا، وإن فعلت فمن غير الأكيد أن يحييك الآخر امتنانا. عندما تضيء إشارة المرور الحمراء، من العادي جدا أن ترى خمس سيارات أو ثماني وحتى عشر يقطعونها بكل استهتار. الأنكى أنك قد تتعرض للسب والشتم إن أنت توقفت عندها، وقد تجد وراءك من تراه يكاد يطير من كرسي سيارته غيظا. الدخول في طريق ممنوع بات عاديا وقد تصبح أنت المذنب إذا لم تفسح الطريق لفاعله. سائق التاكسي هو من يقرر أن يقف لأخذك أم لا، ويجب أن تكون أنت في طريقه وليس هو من يتوجب عليه أخذك حيث تريد، كما من العادي جدا أن يشعل سيجارة حتى دون استئذان شكلي مغشوش للركاب. عدم احترام القانون صار سلوكا عاديا، وما من أحد يعبأ بالسلطات أو يخشاها، وفي بعض الاحياء يعتدي البعض على الرصيف لتوسيع مساحة بيته وكذلك يفعل أصحاب المقاهي والمطاعم في شوارع أحياء توصف بالراقية في العاصمة. قلة تحترم نظافة الشوارع، وذات المواطن الذي يشتكي من تقاعس البلديات وكثرة إضرابات عمال النظافة لا يتحرج من رمي الفضلات في أي مكان حتى وإن كان أمام بيت جاره!!
هذا في الشارع، أما في الادارات فقد تراجعت بجلاء قيم العمل والاخلاص فيه حتى بت ترى الموظف دائم التجهم ومتأففا، فيما يعمد بعض المراجعين بدورهم إلى اختلاق المشاكل والتعامل مع الموظف بقلة احترام. صار الخلوق والبشوش في تعامله مع الناس في الشارع والإدارة عملة نادرة. الكل على أعصابه والكل متحفز لمعركة في أي لحظة ظالما أو مظلوما!! حتى مظاهر التدين التي اتسعت هذه الأعوام الأخيرة من إطلاق اللحى وانتشار الحجاب لم تنعكس ايجابا على مستوى أخلاق الناس، مع أن الدين المعاملة.
من الظلم التعميم واعتبار كل التونسيين على هذه الشاكلة، ولكن لا مفر من الإقرار بأن هذا هو الجانب الظاهر منهم على الأقل، وبخاصة في تونس العاصمة. البعض يراه ظرفيا ومرتبطا بتراجع قبضة الدولة وهيبتها بعد ثورة 2011 … وآخرون يقولون إن العلة هي بالأساس في تنشئتنا وتربيتنا في البيوت والمدارس وأنه لا مفر من إعادة صياغة الحس المدني عند الناس كافة. قضية جديرة بالمتابعة والتمعن وقد قـُـــدمت عن قصد بلغة قاسية … عسانا نستفيق!!