مقاﻻت رأي

مبادرة "الرئيس الوفاقي" .. هل أنهت خيار الوفاق ؟

زووم تونيزيا | الاثنين، 23 جوان، 2014 على الساعة 23:54 | عدد الزيارات : 1248
شكلت مبادرة حركة النهضة الداعية إلى ترشيح رئيس وفاقي للانتخابات الرئاسية المقبلة، امتحانا لمكونات المشهد…
لسياسي بيساره ويمينه ووسطه المزعوم.. المبادرة امتحان لحركة النهضة ذاتها، ليس فقط من حيث قدرتها على خلط أوراق لعبة بدت غامضة وكأنها تجري وسط صندوق أسود، ولكن من جهة مدى امتلاكها ناصية إنجاح خيار في حجم إيجاد "رئيس وفاقي"، من دون أن يفسد العملية الانتخابية، على ما في هذه المعادلة من غموض وتعقيد جليين للعيان.. وهي ـ أي المبادرة ـ امتحان للأحزاب التي اعتبرت نفسها معارضة للترويكا الحاكمة سابقا بقيادة حركة النهضة: هل تمضي باتجاه الوفاق الذي فرضته على الحركة عندما كانت في الحكم، تحت عنوان "الشرعية الوفاقية"، أم تعمل على إفشال هذا المقترح واعتباره "مناورة جديدة"، كما كانت توصف دائما مبادرات حركة النهضة ومواقفها ومقترحاتها، سواء عندما كانت في السلطة، أو بعد أن تخلت عنها.. الملاحظ إلى حدّ الآن، أن مكونات الساحة السياسية غير مهيأة لتجاوز "المربعات" التي تتحرك فيها، لأنها لم تفقه بعد أن السياسة فن الممكن، وأن المناورة جزء من الفعل السياسي، وأن المبادرات لا يمكن أن تكون إلا طريقا للحل وليست ـ في كل الأحوال ـ عنوانا لمشكل.. ما تزال العديد من الأحزاب "الكبرى" المعروفة، تتمترس خلف مواقف تقليدية، وأحيانا راديكالية. فالبعض منها يرغب في أن يكون زعماؤها وقياديوها، مرشحون للرئاسة، وأي مساس بهذا المعطى، يعدّ عنوانا للإفساد، ومؤشر على سحب البساط الرئاسي من تحت أقدامها.. والبعض الآخر، لغايات إيديولوجية وعقائدية قديمة عفى عنها الزمن، يعتبر أن كل ما يأتي من حركة النهضة تحديدا، بمثابة اللغم الذي يوشك أن ينفجر، وبالتالي فرفضه واستبعاده والعمل على إفشاله، هو "الحل السريع"، و"الموقف الجاهز" الذي سرعان ما تلتقطه بعض المنابر الإعلامية، وتتحرك لترويجه بشكل مرضي، لا يفيد المشهد السياسي، ولا يقدم بالساحة الإعلامية، ولا يضيف شيئا على صعيد نضج الرأي العام ونخبه وطبقته السياسية.. ثمة نوع من "الوعي الزائف" الذي يحاول البعض أن يقنع به الآخرين، من خلال رفض مبادرة "الرئيس الوفاقي"، والقول بأن ذلك سيؤدي إلى تهميش العملية الانتخابية، أو العودة القهقري إلى العام 1988، عندما تم تقديم المخلوع وفاقيا كمرشح وحيد لجميع مكونات الطيف السياسي. يدرك هؤلاء وأولئك أن السياقات مختلفة، والظروف متباينة، والمنا خات متباعدة، وحتى اللعبة تدار بأدوات مختلفة تماما عن تلك الظروف.. وقتئذ، كانت عملية تدشين للاستبداد بمساعدة "الأحزاب الديمقراطية"، وحينئذ، محاولة للبحث عن وفاقات تجتاز بنا المرحلة الانتقالية للقطع نهائيا مع فيروس الاستبداد، والتأسيس لنهج ديمقراطي جديد.. في 1988، كان الخيار الوحيد، رجل عسكري متورط في قتل التونسيين في محطات سياسية واجتماعية متعددة ومتراكمة، وراهنا، نحن إزاء شروط محددة لمبادرة "الرئيس الوفاقي"، تفرض أن يكون الوفاق على معايير وقيم ورموز، ليست "أمرا واقعا" بقدر ما سوف تكون محل مفاوضات وحوار، يفترض أن يكون جديا، من أحزاب وشخصيات وقيادات سياسية، خبرت الحوار الوطني، وساهمت تحت سقفه، في إخراج البلاد من مأزق كاد يأتي على الأخضر واليابس في بلاد "ثورة الياسمين".. لكن، في المقابل، لماذا يتعامل البعض مع مبادرة النهضة، قبل مناقشتها في مفاصلها ومضمونها والسياقات التي يمكن أن تتحرك فيها ؟ ولماذا هذا التعجّل في الحكم لها أو عليها ؟ لماذا تقطع يد السارق قبل أن يقدم على فعل السرقة ؟ ربما عيب هذه المبادرة، أنها لم تحشد خلفها بعض الأحزاب والرموز والشخصيات قبل الإعلان عنها، ما جعلها تحمل بذور التخوف منها، والتشكيك في النوايا التي تثوي خلفها، قبل مناقشتها والتعامل معها، كفرضية ممكنة لمعادلات يمكن أن يتسع لها المشهد السياسي في بلادنا.. مشكل عديد الأحزاب والنخب عندنا، أنها ترفض الوفاق عندما يكون صادرا عن غيرها، وتقبل بالديمقراطية عندما تكون هي فقط من يكتب وصفتها، ولا تقبل بالرأي الآخر، عندما لا تكون قادرة على إنتاج موقف يناكفه.. قد لا تكون مبادرة "الرئيس الوفاقي" التي طرحتها حركة النهضة، الحلّ الأمثل للوضع التونسي الانتقالي الراهن، لكنها قد تؤدي ـ من زاوية أخرى ـ إلى التشجيع على رئاسيات برؤوس متعددة، ربما فاز فيها أحدهم بنسبة 51 % من نسبة التصويت، لكن من يضمن أن يكون هذا الرئيس القادم، حرا، ديمقراطيا، ضامنا للحريات، وراعيا وللوحدة الوطنية.. ومن يضمن أيضا أن لا يكون الرئيس المنتخب (من دون الوفاق)، موضع استهداف وتعطيل من بعض الأحزاب والمنظمات واللوبيات الإعلامية ؟ لعل الشيء الوحيد المؤكد، أن كافة الطيف السياسي، مطالب بمراجعة حساباته وإعادة النظر في منطقه السياسي، وبنية مواقفه، وأفق تحركه.. فقد لا تكون مسألة "الرئيس الوفاقي" سوى بالونة اختبار نهضوية، ستضطر الجميع للخروج من "أوكارهم" السياسية التقليدية بحثا عن مواقع وتحالفات جديدة..