المثقّف و السياسي
أسئلة على هامش رسالة المناشدة ...
بقلم سامي براهم
هي رسالة مفتوحة من جامعيّات و جامعيين…
رموقين بعضهم من المنتمين لحزب نداء تونس و بعضهم من المستقلّين المساندين لهذا الحزب باعتبار تفرّده بالقدرة " على الوقوف أمام المشروع المناهض للتّوق التّونسيّ إلى الحداثة والتّمدّن "
أمّا المتحزّبون إلى هذا الحزب من التّائقين مثل عموم التّونسيين إلى الحداثة و التمدّن فقد كان أحرى بهم بمقتضى قواعد التمدّن تلك و بمقتضى ما ورد في نصّهم من تأكيد على أنّ " التّسيير المؤسّساتيّ للأحزاب السّياسيّة هو الكفيل بإرساء قواعد ديمقراطيّة وعقلانيّة للعمل السّياسيّ " كان أحرى بهم إرسال رسالتهم لمؤسّسات هذا الحزب ذات الصّفة المرجعيّة و المحكّمة للفصل في المسائل التي طرحوها في رسالتهم و التي هي من الخطورة بمكان " الغنيمة و الغزو المحاباة على أساس القرابة الدّمويّة و الجهويّة و تقلّد أصحاب المسؤوليّات الجسيمة في النّظام السّابق مهام قياديّة صلب حزبهم أو أصحاب السّمعة السيّئة و السّوابق الماليّة و إعادة ّإنتاج السّلوكات المنافية للدّيمقراطيّة و المواطنة ... "
أمّا و قد أرسلوها إلى من فيه الخصام و هو الخصم و الحكم في قضيّة الحال فدليل على ضرب من العبث و اللامعقول السياسي و المنهجي و تكريس الارتهان للفرد المطلق الملهم الذي تتركّز في يده كلّ السّلطات ... لقد كان رئيس الحزب و لا يزال و سيبقى الفاتق النّاطق في هذا التجمّع الحزبوي العصبوي المدعوم من رجال المال المتنفعين من النّظام القديم ... يتوجّهون إليه برسالة كأنّه المحايد الحكم الحكيم بينما هو الحاكم بأمره المهندس الأوّل لكلّ التّفاصيل و الفواصل و الدّقائق و " الشّقائق و الرّقائق " واضع النقاط على الحروف ... لقد كان أحرى بهم أن يحمّلوه مسؤوليّة ما يعيبونه على حزبهم و ما يتحفّون عليه فيه و أن يجعلوا مؤسسات هذا الحزب حكما بينهم و بينه للتّصحيح و التّرشيد كما يطالبون ... لكنّ تشخيصهم كان خجولا كتوما في توجيه اللوم و تحميل المسؤوليّات لأصحابها غير الأخفياء ... يطالبونه بإنجاز مهام كبرى هي في عرف السياسة المدنيّة أكبر من شخصه و صلاحياته و سلطاته ... يكرّسون صفته المرجعيّة و المحكّمة دونا عن المؤسّسات الوهميّة المختزلة في شخصه ... اختصروا الطّريق لمعرفتهم بالوضع الحقيقي لهذا الحزب رغم محاولة المراوغة اللفظيّة و التورية البلاغيّة ...
أمّا المستقلّون المساندون المعوّلون على حزب بهذه المواصفات ليكون سفينتهم للحداثة و التمدّن و مناهضة الرجعيّة فنسألهم بأيّ وجه منهجي تميّزون بين الدّستوريين و التجمّعيين ؟ فتشيدون بهؤلاء و تتبرّأون من اولائك ؟ و أيّ معيار للمسؤولويّات الجسيمة التي تخشون من تقلّد أصحابها لمهام صلب هذا الحزب ؟ أليس من تتوجهون اليه برسالتكم ممن تقلدوا مهامّ جسيمة صلب مؤسسات القرار و التدبير و التنفيذ ؟ ثمّ كيف قرّرتم أنّ سنوات الحكم غير الرّشيد و غير الكفء بعد الثورة سنتان لا غير و هما سبب الأزمة ؟؟؟ !!! نفهم من ذلك أنّ ما بين 14 جانفي و 23 أكتوبر حكم رشيد كفء و هو امتداد لنفس المنظومة التي تنتقدونها و التي ثار عليها الشّعب و ناهضها معتصمو القصبتين !!!
السّادة المثقّفين ... منتمين و مستقلّين ...
لقد كرّستم بنصّكم المليء بالتناقضات نفس عقليّة الارث التجمّعي و ثقافته التي دعوتم لمناهضتها ... فقط لتوهّمكم أنّ حزبا بهذه المواصفات منذ تأسيسه مؤهّل للوقوف أم ما المشروع المناهض للتوق التّونسي للحداثة و التمدّن ... و هنا موطن الخلل المنهجي و القيمي حيث تنسبون أنفسكم و من تختارونهم بكلّ وثوقيّة إلى التّمدّن و الحداثة تماما مثلما تفعل الحركات الدّينيّة التّماميّة المؤمنة بالفرقة الناجية و الطّائفة المنصورة و هو انتساب قائم على عناوين ايديولوجيّة ثقافويّة لا على استحقاقات الثّورة التي تقتضي بناء منظومة سياسيّة جديدة تقطع مع منظومة الماضي بشكل جذري ... و بمجرّد إزاحة أعداء الحداثة و التمدّن من المشهد تصفو الحداثة للحداثيين و الحداثيّات و ينعمون بثمار التمدّن و خيرات المدنيّة ... باختصار هو وهم الحداثة المزيفة ذات النزعة الذرائعيّة الكليانيّة السكتريّة المغلقة ... بينما الحداثة مشروع إنسانيّ متواصل مفتوح على جهد البشريّة من أجل التعارف و التلاقح و التّعايش و التّضايف بين المختلفين ...