مقاﻻت رأي

العائلة الدستورية والتيار الديني (1920- 1955)

زووم تونيزيا | السبت، 26 أفريل، 2014 على الساعة 00:20 | عدد الزيارات : 2842
تطوّر العلاقة التاريخية بين "الدساترة" و التيّار الإسلامي قبل وبعد الثورة (1 من 8) أظهرت حركة النهضة الإسلامية…
عد انتخابات 23 أكتوبر، براغماتية كبيرة في متابعة موضوع علاقاتها مع الدساترة والتجمعيين وإحاطة مواقفها بهذا الشأن بمسحة من الغموض انتبه له خصومها وأنصارها،  بل وتمت إدارة الموضوع بشيء من التعتيم إعلاميا وسياسيا حتى داخل هياكلها القيادية لتعدد تفاصيله وجزئياته وطبيعة الجذور التاريخية للعلاقة بين العائلة الدستورية بمختلف مكوناتها والتيار الديني بمختلف تشكّلاته عبر العقود الماضية؟ ( أي منذ مارس 1920 تاريخ تأسيسي الحزب الحر الدستوري إلى الآن). و لفهم ذلك وتبيان ذلك التطور بمختلف تشكلانه التاريخية ومنعرجاته الحاسمة و تبيان ملامح تأثير ذلك في طبيعة الصراع السياسي والإيديولوجي اليوم وفهم بعض المواقف المتضاربة داخل العائلة الدستورية وداخل التيار الإسلامي بأحزابه وتنظيماته و أساسا داخل حركة النهضة وطبيعة تطور العلاقات بينهما مستقبلا في أفق الانتخابات القادمة ، قسمنا هذه الدراسة إلى 8 حلقات كاملة : -         الحلقة الأولى: العائلة الدستورية والتيار الديني (1920- 1955) -         الحلقة الثانية : التيار الديني وموقعه من الصراع اليوسفي – البورقيبي (1955 – 1962) -         الحلقة الثالثة : سياسة ورؤية بورقيبة للمجال الديني (1962-1972) -         الحلقة الرابعة : بورقيبة من توظيف الظاهرة الإسلامية في تونس إلى القصور عن فهم أبعادها الإستراتيجية (1972- 1980) -         الحلقة الخامسة: الإسلاميون وبورقيبة: المواجهة وموقع مزالي في المعركة بين الطرفين (1981- 1986) -         الحلقة السادسة: بن علي والتجمع في مواجهة حركة النهضة وطبيعة الاختراق المتبادل (1987-2010) -         الحلقة السابعة: غموض علاقة التجمع المنحل والإسلاميون قبل انتخابات 23 أكتوبر -         الحلقة الثامنة: مرحلة الضغوط المتبادلة بين التجمعيين والنهضة ولعبة الغموض المتواصلة؟ الحلقة الأولى: العائلة الدستورية والتيار الديني  (1920- 1955) لا يختلف اثنان في أن الدساترة خلال مرحلة التحرر الوطني هم من قادوا الحركة الوطنية و بنوا المنظمات الوطنية ولكن من الإجحاف إنكار دور التيار الديني في خوض معركة التحرير الوطني وبناء هياكلها بل وتأسيسها وأنه كان النواة الباعثة والفاعلة في بداية القرن الماضي ولكن بتماه كامل مع تأثيرات حركة الإصلاح وبدعم وتفاعل متبادل مع النواة الأولى للحركة النقابية التونسية ووفق لمؤثرات الحداثة، واستلهاما  لمؤثرات  لليبرالية المعاصرة وبعدها التحرري أنذاك والذي ظهر في تسمية الحزب ( الحزب الحر الدستوري التونسي) وأيضا في كتابات الثعالبي (كتاب "روح التحرر في القرآن" مثالا لا حصرا)... وقد مرت العلاقة بين العائلة الدستورية والتيار الديني بمختلف تشكلاته بمرحلتين أثناء فترة الحماية الفرنسية : 1-   مرحلة التعايش وامتدت واقعيا من 1920 إلى سنة 1934 في بعدها التنظيمي وتواصلت إلى حدود بداية الخمسينات فكريا وسياسيا 2-   مرحلة التمايز والخلاف والصدام والمواجهة وهي المرحلة التي بدأت تنظيميا سنة 1934 ولكنها لم تتجلى فكريا إلا بداية الأربعينات ولم تتوضح سياسيا و إعلاميا الا مع بداية مفاوضات الاستقلال أي منتصف الخمسينات .... 1 – تعايش أنصار الجامعة الإسلامية وتيار الحدثة داحل الحزب الحر الدستوري التونسي(1919-1934) تأسس الحزب الحر الدستوري التونسي الذي قاد الحركة الوطنية التونسية في مراحلها الأولى،  في بداية العشرينات من طرف عدد من الوطنيين على غرار الشيخ عبد العزيز الثعالبي، وقد تأثّر هذا الحزب بالحركة الإصلاحية التي عرفتها البلاد في أواخر القرن التاسع عشر، وكان ذا توجه إسلامي وعُروبي بمسحة ليبرالية وتحررية و تمحورت مطالبه في قيام نظام دستوري مع تشكيل حكومة وطنية من طرف الشعب التونسي، و يعتبر موضوعيا تطورا لحركة الشباب التونسي التي نشطت وقُمعت قبيل الحرب العالمية الأولى، وقد التفت المجموعة المؤسسة حول كتاب "تونس الشهيدة" للشيخ عبد العزيز الثعالبي، و من المؤسسين إضافة إلى الشيخ الثعالبي : صالح فرحاتومحيي الدين القليبيوأحمد توفيق المدنيوأحمد الصافيوأحمد السقاوعلي كاهيةوحمودة المستيريوالحبيب زويتن، وعمليا تعايش في الحزب تيارين أو بالأحرى اتجاهين ظهرا في واقع الأمر قبل تأسيس الحزب بل منذ نهاية القرن التاسع عشر : -         الاتجاه الإصلاحي، ومثله البشير صفر ومحمد الاصرم والذين برزت آراؤهم بوضوح أثناء انعقاد المؤتمر الاستعماري سنة 1906 .... -         الاتجاه الاسلامي (أي المتأثرون فكرة الجامعة الاسلامية)، وأول رواده هو محمد السنوسي (والذي كان عضوا في جمعية العروة الوثقى بقيادة جمال الدين الأفغاني) وتطور هذا الاتجاه في اتجاه تأسيس حركة الشباب التونسي بزعامة علي باش حامبة و بداية من سنة 1933 عقد الحزب مؤتمرا استثنائيا قرر على إثره ضم مجموعة جديدة... ونتيجة وجود هذين الاتجاهين ونتيجة عوامل ذاتية وموضوعية وخاصة تركيبة الحزب التنظيمية بدأت منذ شهر مارس 1921 بوادر انشقاق داخله وظهر حزبين آخرين انشقا عنه : أ‌-    الحزب الاصلاحي تأسس عام 1921 وهو غير ورتبط عضويا بالجناح الإصلاحي للحزب الحر رغم التناغم  في التسمية، وقد طالب يومذاك "بالالتزام بنصوص الحماية ومنح التونسيين إصلاحات في إطارها وربط تونس بفرنسا ربطا كليا"[1] وكان من أبرز مؤسسيه المحامي حسن القلاتيوالصادق الزمرلي و قد انتقد جماعة الحزب الإصلاحي مواقف الحزب الحرّ الدستوري التونسي التي اعتبروها متصلبة من الاستعمار، و قد عبّر "الإصلاحيون" عن آرائهم من خلال الصحافة وقد اتخذوا في البداية صحيفة "البرهان" لسان حالهم، ثم عوضتها جريدة النهضة عام 1923، قبل الاندثار تماما في أواسط العشرينات، بعد أن وقف ضد جامعة عموم العملة التونسية التي أسسها محمد علي الحامي. ب -  الحزب الحر الدستوري المستقل تأسس في نوفمبر1922، و قد كانت للإقامة العامة الفرنسية بتونس يد في ظهوره. ب‌-ترأسه فرحات بن عياد الذي كان ممثلا للحزب الحر الدستوري التونسي في العاصمة الفرنسية باريس، وقد راهن عليه المقيم العام الفرنسي "لوسيان سان" من أجل شق الحزب . وفي مطلع عام 1924 عين في منصب كاهية صاحب الطابع في الحكومة التونسية، مما أنهى وجود الحزب فعليا بل وعاد عدد من أنصاره إلى صفوف الحزب الحر الدستوري وقد ناصرته بعض الصحف من بينها "مرشد الأمة" للشيخ سليمان الجادويو"المنير" للشاذلي المورالي وغيرهما... 2- الخلاف بين التيّارين  الإصلاحي و العروبي الاسلامي و تأسيس الحزب الدستوري الجديد بداية من سنة 1933 عقد الحزب مؤتمرا استثنائيا قرر على إثره ضم مجموعة جديدة تُساند توجهاته، ولكن ما لبث إن نشب خلاف أفضى إلى انشقاق مجموعة   كوّنت الحزب الحر الدستوري التونسي الجديد و ذلك بسبب الخلاف بين التيار التحرري وذا المنحى العروبي و الإسلامي  الذي يمثله الحزب القديم و التيار ذي الثقافة الغربية و الذي مثلته مجموعة العمل التونسي والتي سمت حزبها بالحزب الحر الدستوري الجديد وقد انحصر الخلاف بينهما في خصوص طريقة التعامل مع المستعمر لحل مسالة استقلال البلاد و نتيجة لذلك انعقد مؤتمر قصر هلال في 02 مارس 1934، و أطلق عليه تسمية مؤتمر البعث، قاد الحزب الحر الدستوري الجديد الكفاح الوطني إلى غاية حصول البلاد على استقلالها و من أبرز قياداته يومها صالح بن ويسف والحبيب بورقيبة ومحمود الماطري، وقد تواصل الخلاف في الواقف فكريا وسياسيا حتى أثناء أحداث افريل 1938 والتي سقط فيها العشرات من الشهداء، بل أن بورقيبة اطلق على انصار الحزب القيد تسمية "الغرانطة" بل وتمت محاصرة لثعالبي بعد عودته من المشرق العربي وتشويهه من طرف بورقيبة ومحاولة عزله شعبيا عاى غرار حداثة ماطر المعروفة بل أن البعض ذهب إلى وجود مخطط لتصفية الثعالبي يومذاك( وهو ما توصلت اليه طالبة في كلية 9 أفريل بالعاصمة بعد دراستها وثائق عائلة الثعالبي وقد تم الضغط عليه امنيا من اجل التخلي عن بحثها  سنة 2008) .... 3-تعايش وتمايز داخل الدستوري الجديد ورغم ذلك تعايش الدستوريون في الحزب الجديد مع التيار العروبي الإسلامي ولم تظهر أي بوادر خلافات فكرية كبيرة  حيث كان بورقيبة وقادة الدستور الجديد منفتحين على العالم العربي  والإسلامي وكان هناك تفاعل مع التيارات الإسلامية في المشرق والمغرب مكنت الحركة الوطنية التونسية من التجذر وهذا لا ينفي وجود بوادر صراع إيديولوجي خفي وغير معلن وهو ما بينه الباحث يوسف مناصرية في كتابه "الصراع الإيديولوجي في الحركة الوطنية التونسية 1934-1937" ... وعمليا ظهرت في تلك الفترة منظمة البعث الإسلامي والتي كان نشاطها سريا ومغلقا وكان أعضاؤها يرون في الحزب الجديد خطرا على هوية تونس العربية والإسلامية كما أن الشيخ عمار لبيض وهو من رواد الإصلاح الديني في الجنوب التونسي قد ذهب إلى مصر وبايع حسن البنا ثم عاد إلى تونس وقابل كل من بورقيبة وصالح بن يوسف وعبر للمقربين منه أن بورقيبة سيكون مشروعه خطرا على تونس وأن بن يوسف هو من يجب أن يقود الحركة الوطنية في المستقبل و إلا في أن البلاد ستتجه في اتجاه الإلحاق بالغرب .. ومنذ الأربعينات نبه الهادي نويرة بورقيبة من أن صالح بن يوسف يتجه للسيطرة على الحزب وان له توجهات هي نفسها توجهات الثعالبي وبالتالي بعث إليه برسالة خاصة يؤكد فيه أنه يجب أن يعود وإلا فان ما فعله هو بالثعالبي سيفعله به بن يوسف...   بقلم : علي عبد اللّطيف اللافي   يتبع في الحلقة القادمة   التيار الديني وموقعه من الصراع اليوسفي – البورقيبي (1955 – 1962)     [1] مناصرية يوسف ، الصراع الايديولوجي في الحركة الوطنية التونسية 1934- 1937، ص 8