بقلم: ياسر أبو هلالة
في المخاض العسير الذي يعيشه العالم العربي في سعيه الدؤوب نحو الحرية، تصادف يوم السبت…
كرى اغتيال القس مارتن لوثر كينج، وهو اليوم الذي رحل فيه المفكر الإسلامي محمد قطب شقيق سيد قطب. وكان محيّرا أن تكتب عن أي منهما، وهل بينهما من رابط إلا مصادفة يوم الرحيل؟
يشتركان في المظلمة لكنهما يختلفان في الكثير. فحركة الحقوق المدنية في أميركا، والتي عبر كينج عن ذروتها لم تكن خطابا ملهما له عند نصب لنكولن، صرخ فيه مدويا "لديّ حلم" كانت صراعا داميا استمر عقودا، وكان الرئيس الأميركي إبراهام لنكولن بطلا من أبطاله البيض ولم يكن التطور التاريخي ليتم لولا الشراكة في النضال بين السود والبيض.
قبل الجماهيرية التي عبرت عنها المسيرة المليونية (بالمناسبة كانت 250 ألفا!) التي ألقى فيها كينج خطابه الشهير، كان لنكولن خاض حربا أهلية ضارية حصدت أرواح مئات آلاف الأميركيين في سبيل تحقيق المساواة. وبموازاة سيل الدماء كان في واشنطن يمارس من خلال الإعلام والكونجرس والبيت الأبيض أبرع ألاعيب السياسة للوصول إلى إعلان تحرير العبيد. لم يتردد الرئيس في تقديم رشى للنواب للحصول على أصواتهم، ولا ترويع آخرين في سبيل التحول التاريخي.
كان لدى لنكولن حلم، وكذلك لكينج ومالكوم إكس، في المقابل كان لدى خصومهم الرصاص. قضى الأبطال الثلاثة برصاص غادر، لكن دماءهم مع دماء عشرات الألوف من الأميركيين كانت الوقود الذي حرك عجلة التاريخ. وفي النهاية سكن أوباما الأسود البيت الأبيض. في بلد لم يكن مسموحا بسبب اللون الدخول للجامعة.
الحروب الأهلية والاغتيالات السياسية ليست حكرا على منطقتنا، والتحول التاريخي ليس قرارا ينفذ في ساعات، وحتى بعد ذلك كله تظل العنصرية موجودة، وها هو اليمين المتطرف في انتخابات البلديات يثبت حضورا في فرنسا؛ بلد التنوير وحقوق الإنسان!
ما علاقة ذلك بمحمد قطب، من المهم أن تعرف الأجيال أن آل قطب سيد ومحمد وأمينة وحميدة دفعوا ثمن اختلاف المفكر سيد قطب مع عبدالناصر. والأهرام كانت تنشر بكل صفاقة في عهد هيكل صور حميدة إلى جانب صلاح نصر مدير المخابرات العتيد الذي ألقى القبض عليها. من المهم أن تعرف أن كل التنظيم السري الذي ألقي القبض عليه وكان فيه الدكتور محمد بديع المرشد اللاحق لجماعة الإخوان المسلمين لم يكن لديه قطعة سلاح، وأن سيد الذي كان معتل الصحة فوق الستين لا يحكم بالإعدام وفق القانون المصري، وأن القادة العرب عبدالسلام عارف في العراق إلى الملك حسين في الأردن توسطوا للشهيد دون جدوى.
لم تكن عائلة قطب من الإخوان، كانت عائلة تشتغل كلها بالأدب نقدا وفنا ورواية، وللأربعة رواية مشتركة. وجد سيد نفسه في صفوف الثورة، وعمل في إذاعتها وصحفها، وعندما انقسمت الثورة بين نجيب والإخوان من جهة وعبدالناصر ورفاقه من جهة أخرى انحاز سيد للإخوان.
استمرت مأساة العائلة حتى بعد رحيل عبدالناصر، فقد قتل زوج حميدة الشيخ كمال السنانيري تحت التعذيب في بداية عهد مبارك. هذه السيرة العائلية مع سيرة أمة مقهورة مغلوبة أنتجت موقفا فكريا جذريا لدى سيد وشقيقه محمد، الذي وصف أفكار شقيقه وهو كان متبنيا وشارحا لها بأنها "نشيد الحركة الإسلامية".
لم تتحقق أحلام سيد ولا محمد، وأسوأ ما في نظام عبدالناصر أعيد إنتاجه في انقلاب السيسي، وهو ما يعطي شرعية للأفكار الجذرية في التغيير، بعيدا عن الإصلاح التدريجي والتعايش مع الواقع.
في أميركا كان الرصاص يحاول إسكات أصحاب الأحلام، في مصر كذلك، سواء القيادات التي تصدر بحقها أحكام الإعدام بالجملة أم الشباب والشابات الذين يخترق الرصاص جماجمهم.
المؤكد في تجربة أميركا ومصر أن الرصاص لا يقتل الحلم. على العكس يسرع في تحقيقه.