مقاﻻت رأي

عوامل نشأة التيارات السلفية في تونس

زووم تونيزيا | السبت، 8 مارس، 2014 على الساعة 13:15 | عدد الزيارات : 2096
رغم أن دراسة مرحلة التسعينات يكتنفها الغموض وما زالت أسرار عدة لم تظهر في علاقة نظام الرئيس المخلوع…
لإقليمية والدولية، فانه يمكن القول عمليا أن التيار السلفي لم يظهر في تونس واقعيا قبل نهاية تسعينات القرن الماضي، رغم رسالة محمد بن عبد الوهاب التي أرسلها إلى لعلماء تونس في بداية القرن التاسع عشر، فما هي أهم عوامل نشأة التيار السلفي في تونس أو لماذا و كيف وقع التلقي ألثاني لــــ"الوهابية" في تونس؟ • التلقي الأول في بداية القرن التاسع عشر لم تكن تونس في نهاية القرن الثامن عشر في معزل عما يقع في العالم وخاصة الدول العربية والإسلامية وبالتالي عندما شاعت "الدعوة الوهابية" وصلت أخبارها إلى تونس عن طريق تنقل الأشخاص (الحجاج – الطلاب – القوافل التجارية...) و ذياع الأخبار إضافة إلى وجود البعدين يعني الديني و السياسي لتلك "الدعوة"، و وهوما حدا بـــ"الباي" يسعى إلى تسقط أخبارها تباعا لما أحدثته في المشرق العربي، وهو ما جعله يسعى إلى تقديم موقف منها في البداية قبل وصول الرسالة أو بالأحرى الرسالتين وعلى اعتبار انهم سمعوا بأفكار الرجل وصولها أي الرسالتين على عكس ما يعتقد البعض أنها رسالة واحدة. فالأولى قصيرة وهي التي رد عليها عمر محجوب (نشر بالاتحاف لابن أبي الضياف) بينما الثانية طويلة وهي تحت عنوان كشف الشبهات ورد عليها الشيخ التميمي في كتاب تحت عنوان "المنح الالاهية في كشف الظلالة الوهابية" وهو ما يعني انه مطلع على الوهابية بالتفصيل أي أكثر من الرسالة نفسها، وما يجب لفت النظر إليه أن الرسالتين لم تصلا إلى تونس إلا بعد وفاة محمد بن عبد الوهاب في السعودية فهو قد توفي سنة 1792 في حين تم الرد على الأولى سنة 1807 بينما تم الرد على الثانية سنة 1832 .... • الطابع السلفي و الحركة الإسلامية المعاصرة في تونس حتى منتصف التسعينات لم يكن ظهور الحركة الإسلامية المعاصرة متوقعا أو طبيعيا فقد رآه البعض مستحيلا من وجهة نظر العلوم الاجتماعية وهو ما ذهب إليه الدكتور عبد الباقي الهرماسي في دراسته حول "الإسلام الاحتجاجي في تونس" لعوامل عدة فقد أغلق بورقيبة جامع الزيتونة ( كمؤسسة تعليمية) وتمت محاصرة مظاهر التدين وكل أبعاد الثقافة الإسلامية واختفت النشريات الإسلامية ما عدا أعداد قليلة من مجلة "جوهر الإسلام" وتحول ضارب مادة التربية السلامية إلى نصف الضارب (0.5) لا غير، وعندما نشأ التيار الإسلامي في نهاية الستينات كان مبنيا على مكونات ثلاث بعيدا عن السلفية بالمفهوم التقليدي والفكري لها، هذه المكونات هي: - مكون الإسلام التقليدي ( عبد الفتاح مورو...) - مكون بقايا الزواتنة ( محمد صالح النيفر والشيخ عبد القادر سلامة) وشيوخهم وصوت الطالب الزيتوني - مكون أنصار الفكر والتيار ألإخواني والمتأثرين بأدبياته ( نوير - الغنوشي – شورو – الدولاتي – بن سالم ...) وعمليا تأثر الإسلاميون بصراعهم مع التيار الماركسي في الساحة الطلابية وبالصراع مع النظام البورقيبي، إضافة إلى عامل تعدد مشاربهم الفكرية والسياسية جعل الطابع السلفي مغيبا في أدبياتهم و حلقاتهم و اهتماماتهم السياسية والاجتماعية والفكرية ( محمد باقر الصدر- مرتضى مطهري- علي شريعتي، مالك بن نبي- أو الأعلى المودودي ـ الترابي ...)، كما لا ننسى أن بعض القيادات خاضت تجارب تنظيمية ماركسية وقومية عربية (حبيب اللوز – حميدة النيفر وآخرين...) وهذا يعني أن السلفية فكرا وسلوكا وتنظيما لم تستطع أن تطبع الحركة الإسلامية المعاصرة في تونس من نهاية الستينات إلى منتصف التسعينات نتاج العوامل سالفة الذكر باستثناء نقاشات جرت في منتصف الثمانينات حول تبني الفكرة الجهادية وهو ما كان مقدمة و نتاجا لأحداث جدت سنة 1986، كما أن تلك النقاشات أدت في ما بعد إلى تأسيس تيار الجبهة الإسلامية التونسية سنة 1989 بقيادة محمد علي الحراث ومحمد خوجة وهو موضوع سنأتي عليه في مقال لاحق... كما لابد من التأكيد أن العقلية الإستراتيجية للجماعة الإسلامية في تونس ثم لحركة الاتجاه الإسلامي لم تكن لتدرك خطورة بعض سياساتها (طبيعة الخطط السياسية المستقبلية – الأدبيات...) التي تركت البلاد بعد ذلك فريسة سهلة للفكر السلفي في بعده الاصطلاحي لا اللغوي وهو ما نبهها إليه الدكتور حسن الترابي (قيادي إسلامي سوداني) عندما التقى قيادات الإسلاميين في منتصف السبعينات... • عوامل نشأة التيارات السلفية (التلقي الثاني) في منتصف تسعينات القرن الماضي اجتمعت عوامل عدة ورئيسية لظهور السلفية في تونس بداية مع متصف تسعينات القرن الماضي وتحديدا بداية من سنة 1998: 1- عودة الذين درسوا وعملوا في الخليج: غياب مؤسسات دينية أو تدرس الثقافة الشرعية الدينية بداية من الستينات دفع بعدد من التونسيين الذهاب إلى المشرق لتلقي تلك العلوم الدينية وعديد منهم عاد مع منتصف التسعينات على غرار الممرض و الشيخ الخطيب الإدريسي (تلميذ ابن باز) والذي استقر في معتمدية سيدي علي بن عون مع تردده على بعض المساجد و أنصاره في العاصمة وبعض الولايات مع أنه كان ضد فكرة تأسيس تنظيم خاص بالتيار الجهادي، وبالتالي كان لهؤلاء دور كبير في نشر الفكر السلفي وانتشار أنصاره خاصة في جهتي الساحل والوسط الغربي. 2- عودة بعض التونسيين من الخارج: في بداية الستينات وبداية السبعينات غادر تونس الألاف من العمال الى اوروبا للعمل هناك وبعضهم تعرفوا على قيادات فكرية ودينية سلفية بل و تبنوا فكرا سلفيا و تعرفوا على قيادات للتيار السلفي في أوروبا على غرار أبو قتادة (الفلسطيني) وغيرهم، وبعودتهم أسسوا بعض المشاريع الصغرى والمتوسطة ونشروا الفكر السلفي لدى بعض التجار الصغار وانتشرت فكرة المشروعات التجارية الصغرى أمام المساجد والمؤسسات، على إن بعضهم كان اقرب للمدرسة السرورية أو ما يعرف بالتيار السلفي الإصلاحي.... 3- ترتبات علاقات المخلوع بالمرحوم نايف بن عبدالعزيز: كانت العلاقة بين الرئيس والجنرال المخلوع والامير السعودي ووزير الداخلية المرحوم نايف بن عبد العزيز وابنه محمد بن نايف في بداية التسعينات قوية وكبيرة وخاصة في مؤسسة وزراء الداخلية العرب، ولكن كانت لهذه العلاقة ترتباتها الكبيرة ايضا فقد سمحت السلطات بانتشار الادبيات السلفية العلمية بشكل غير مسبوق، والغريب انه في تلك الفترة بالذات كان الكتاب الإسلامي مُحاصرا بل لا يوجد اصلا في المكتبات وتم جمعه ومصادرته حتى من البيوت (حيث اضطرت عائلات بعض الإسلاميين لحرق كتب ابنائها المعتقلين أو الموقوفين) خوفا من زبانية النظام، وتحولت فجأة في منتصف التسعينات، محطات النقل ومداخل المبيتات والمساجد الى مكتبات متنقلة تبيع الكتب بأثمان زهيدة، وهو ما سمح بانتشار ثقافة سلفية الخلفية في الأوساط الطلابية، وبين أئمة بعض المساجد وبعض التجار الصغار وباعة الكتب وغيرهم... 4 – خلفية أجندات بعض الأجهزة الأمنية: إضافة إلى فشل سياسة نظام المخلوع المعروفة بخطة "تجفيف منابع التدين"، في محاصرة الصحوة الإسلامية باعتبارها أمرا واقعا في البلدان العربية عمل نظام بن علي على تغيير في استراتيجيا خططه مع التيار الإسلامي فأصبحت خطته تسمى "تلويث منابع التدين" في نهاية التسعينات، و انبنى ذلك على تقييمات قامت بها أجهزة أمنية مختصة تؤكد أن أنصار حركة النهضة لن يتنازلوا عن انتماءاتهم الإسلامية حتى لو انفصلوا عن حركتهم سياسيا، و بذلك خطط النظام لدعم كل ما يختلف عن حركة النهضة وأجنحتها الفكرية ماليا ولوجستيا وإحداث الصراع والتصادم الفكري والثقافي والتنظيمي معها فحُددت خطط لإيجاد تيار سلفي نمطي مُهادن ويحقق بعض الأجندات فانتشرت كتيبات ودراسات وزعت في المساجد والمبيتات على غرار "الكلب العاوي يوسف القرضاوي" كما تم اختراق بعض الخلايا السلفية وخلق أخرى تحت الطلب ...ولم يكتشف النظام هول ما فعل إلا صبيحة 1 جانفي 2007 (عندما تم اكتشاف أجندات ما سمي بمجموعة سليمان وتدريباتها... ) أي أن الأفعى التي صنعها وديعة أصبحت سامة ولاسعة .... 5 – عوامل أخرى وطنية: لم تكن السياسة التنموية للبلاد ذات جدوى فزادت في الفوارق الاجتماعية المُترتبة عن الفترة الاستعمارية وزادتها عوامل الاستبداد السياسي الحداثوي والتغريب والاستحمار الثقافي وطبيعة النخب ومقولاتها الساخرة من هوية الشعب وثقافته وأصالته (ترويج أغنية "وما نحباش يصلي ونحبو يسكر ويجيني..."، في منتصف السبعينات مثالا لا حصرا) والبرامج التلفزية المُتسمة بالطابع الاستفزازي للشعب وثقافته وتقاليده، كل ذلك أوجد مناخا لتغلغل الثقافة السلفية الدينية السطحة والسهلة على شباب مُغرر به ومستقطب لتلك المستنقعات..... 5- الاختراق الإقليمي والدولي واختراق المال الفاسد وبارونات المخدرات والتهريب كانت نهاية الحرب الباردة دافعا لتغير بعض الاستراتيجيات الإقليمية في التعامل الدولي والتبادل التجاري والثقافي لعدد من الانظمة والدول، وهو ما حدا بأجهزة مخابرات دولية وإقليمية إلى العمل على صنع تيارات وتقوية أخرى تمكنها لاحقا من خدمة أجنداتها لاحقا عبر استقطاب شباب لا ثقافة ولا فطنة سياسية له ومن بين تلك الأنظمة النظام السوري الذي سهل دخول تونسيين لدراسة العلوم الدينية في دمشق كما سها دخولهم بعد ذلك للعراق في حرب الخليج في 2003 أيضا، كما دفع سقوط الاتحاد السوفياتي و أحداث 11 سبتمبر مخابرات دولية إلى توظيف بعض الشباب العربي في أجندات خاصة بها ولابد من التأكيد أيضا أن ما حدث في الجزائر كانت له ترتباته على رؤية بعض الشبان التونسيين الذي استغلتهم أجهزة جزائرية خاصة وبعض التنظيمات المسلحة الجزائرية في تنفيذ أجنداتها المختلفة والمتناقضة... وطبعا غيرت بارونات المال والفساد وأيضا المخدرات والتهريب فلعبت على عوامل المستجدات وأحداث الجزائر ومتغيرات أخرى فركبت الموجة وتداخلت معها أجندات المخابرات الأجنبية وخاصة الإسرائيلية، بل أن تنظيم القاعدة متهم أيضا بأنه ذهب أيضا في الاتجاه المعاكس اي توظيف التهريب والمخدرات والعملة وغيرها من الوسائل، وكل هذه السياسات والأساليب ذهب ضحيتها شبان تونسيين وجدوا أنفسهم عن وعي أو غير وعي ضمن عالم رهيب الدخول اليه سهل والخروج منه مستحيل... 6- عوامل أخرى إقليمة ودولية: وهي عديدة على غرار ترتّبات حرب الخليج الثانية و ظهور تنظيم القاعدة و بداية الخلاف الفكري والمنهجي بين المدرسة السلفية والمدرسة الاخوانية في المشرق العربي ( تصريح المرحوم نايف بن عبدالعزيز المعروف في ماي 2002) وهي العوامل التي أدت بظهور التيار الجهادي خاصة في المناطق الحدودية وهو ما يفسر تزايد أعداد التونسيين الذيم ذهبوا للعراق سنة 2003 .... الخلاصة : لقد وقع تلقي السلفية مرتين في تونس و وقع في المرة الأولى التصدي له منهجيا وعلميا وسياسيا ولكن في المرة الثانية كان مُبيتا دخوله نتيجة عوامل ذكرناها اعلاه ونتيجة غياب الدور الفاعل للمؤسسة الدينية الرسمية ونتاج غياب تيارات إسلامية معتدلة غيبت وغيبت نفسها نتاج أخطائها القاتلة ونتاج التهجير والقمع الممنهجين فحركة النهضة مسؤولة مسؤولية كاملة إضافة إلى أن عقلها السياسي لم يستوعب عوامل تلك النشأة في منتصف التسعينات ولا التطورات الدراماتيكية التي حدثت فيه بعد الثورة، كما لابد للنخب بجميع توجهاتها (إسلاميين وليبراليين ويساريين وقوميين ....) اليوم أن تستوعب أن الظاهرة السلفية هي ظاهرة مركبة وقابلة بطبيعتها للاختراق والاستعمال والتوظيف وأن التيار للسلفي لم يكن يوما وحدة متكاملة لا في المشرق العربي ولا في أي بلد بسبب تعدد تياراته ( تيار سلفي علمي – تيار سلفي جهادي – تيار سلفي إصلاحي – تيار سلفي مدخلي – تيار سلفي مزيف) وسبب عوامل تاريخية وثقافية ودولية، كما لابد من التأكيد أخيرا أنه يوم فرار المخلوع كان قد دخل إلى سجون المخلوع أكثر من 2700 شخص بتهمة النشاط والانتماء للتيار السلفي....