بقلم: توفيق بن رمضان
أولا لنعرّف "المحماش" لمن لا يعرف معنى الكلمة: هي عصا يسجّر بها التنّور، أي تحرّك بها…
لنّار الملتهبة ليسجّر التنّور و يصبح شديد الحرارة، فتصير العصا "محماشا" مسودّا في طرفه، و يطلق على هاته العصا "المحماش" و في بعض المناطق "البرباش".
بعد الثّورة مباشرة لم يكن بإمكان رموز و زعماء المنظومة التّجمّعية و الدّستورية الظّهور و مواجهة الجماهير و الشّعب، و قد استعملوا بعض الرّموز من اليسارييّن من سياسيين و إعلاميين استعمالا تكتيكيّا على واجهتين، الواجهة الأولى في صلب حزب النّداء، و الثّانية في استعمال جبهة أحزاب اليسار كرأس حربة في معركتهم مع من انتخبهم الشّعب، أي مع حكومة التّرويكا و على رأسهم طبعا الحزب الأكبر حزب حركة النّهضة.
و اليوم بعد أن تمكّنوا من التّموقع من جديد على السّاحة السّياسية في عدّة أحزاب و على رأسهم حزب النّداء، هم اليوم لم يعودوا في حاجة إلى استعمال "محاميشهم" من الرّموز اليساريّة و الأحزاب الجبهويّة الذين أجّجوا بهم الأوضاع و أشعلوا بهم البلاد و دمّروا بهم الاقتصاد بالإضرابات و الاعتصامات، و قد بدؤوا منذ أيّام يتخلّصون منهم الواحد تلو الآخر بعد انتفاء الحاجة لهم و لخدماتهم خاصة بعد تمكّنهم من إزاحة حكومة التّرويكا.
و للتّذكير فقد سبق أن استعمل بن علي شيوخ اليسار في معركته مع حركة النّهضة، و لعلم الجميع إنّ ما فعل في الإسلاميين تحت حكم بن علي لا يتحمّله بن علي لوحده بل هناك الكثير من الأطراف الذين "غلّطوه" و هم جميعهم يشتركون معه في الجريمة، و بالطّبع على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة النّظام الدولي الغربي التي استفردت بالعالم و التّي اتّخذت من الإسلام السياسي عدوا جديدا لها بعد تخلّصها من العدو القديم الإتحاد السوفيتي سنة 1989، و بالطّبع لا يمكن التّكتّم على أنّ اليساريّين كانوا هم أيضا شركاء في الجريمة مع الدّساترة و التّجمّعيّين، و لا نبرّئ أيضا القيادات الكبرى لحركة النّهضة الذين أخطئوا في التّقدير و لم يحسنوا قراءة الأوضاع الجيو-سياسية خاصة بعد سقوط الإتّحاد السّوفياتي و استفراد الولايات المتّحدة الأمريكيّة بالنّظام العالمي الجديد و التي كانت وراء تنصيب بن علي و إزاحة بورقيبة.
و اليوم بعد ثورات الرّبيع العربي، الأمر واضح و جلي فالولايات المتّحدة الأمريكية غير قابلة بالإسلاميين في الحكم، بل هي كانت تعمل منذ البداية على تشريكهم في المشهد السّياسي فقط ضمن أحزاب المعارضة، و ما انقلاب السّيسي في مصر إلاّ فصل من فصول إزاحة الإسلاميّين بعد وصولهم للسّلطة عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرّة و ديمقراطيّة نزيهة و شفّافة، و ما الأفاعيل التّي فعلت في تونس من أجل إفشال حكومة التّرويكا و إزاحتها إلاّ دليلا قاطعا على الألاعيب و التّآمر الدّاخل في هذا الإطار و التّوجه و الذّي كان مدعوم من أطراف خارجيّة غربيّة و عربيّة، و كلّ ما فعل من تخريب و تعطيل و خسائر طبعا كان الهدف منه إفشال حكومة التّرويكا و إسقاطها، و لا شكّ أنّ كلّ ما حصل من أعمال تخريبيّة تتحمّله المجموعة الوطنيّة و الشّعب و هذا كلّه على حساب الأمن القومي للتّونسيّين و على حساب رزقهم و ازدهار الوطن و رفاه الشّعب، و هذا كلّه بسبب ما فعلته الأحزاب اليساريّة المتحالفة مع النداء من تعطيل لا بل تدمير للعديد من المؤسسات الخاصة منها و العامة.
و بالطّبع بعد إزاحة النّهضة من السّلطة لم يعد النّداء في حاجة إلى خدمات من استعملهم من جماعة اليسار و لا شكّ أنّه سيعمل على التّخلص منهم الواحد تلو الآخر في الفترة القادمة، و في النّهاية يمكن القول أنّ اليسار محماش النّداء دوره انتهى و لم تعد له حاجة بعد خروج النهضة من الحكم، و من هنا فصاعدا لن تكون المعارك بالوكالة أو بالمرتزقة بل ستكون المواجهة مباشرة بين النّداء و النّهضة.
و بالطبع مستقبلا المعركة ستكون بين القطبين الكبيرين، قطب الدّساترة و الإسلاميين، و لا شك أنّه سيكون هناك أحزاب كرتونيّة بل مجهريّة و سنعود كالعادة إلى أحزاب الموالاة، فالأحزاب ستنقسم إلى أحزاب موالاة للدّساترة و التّجمعيين و على رأسهم النّداء، و أحزاب موالاة لأكبر الأحزاب الإسلاميّة و طبعا هي حركة النّهضة.
كاتب و ناشط سياسي
romdhane.taoufik@yahoo.fr