مقاﻻت رأي

اللّيبرالية واللّيبراليون في تونس

زووم تونيزيا | السبت، 25 جانفي، 2014 على الساعة 16:55 | عدد الزيارات : 1908
رغم التطوّر الكمّي الهائل للأحزاب السياسية في تونس (حوالي 188 حزبا سياسيا) لم تستطع المُسمّيات الليبرالية…
لتونسية أن تجد لها مكانا في المشهد السياسي التونسي المُتقلّب بطبيعته نتيجة مسار تاريخي فريد ونوعي للحياة السياسية منذ 20 مارس 1956، و السؤال المطروح هو لماذا لم تشهد تونس بناء حزب ليبرالي قوي ولا نخبة ليبرالية قادرة على لعب دور المُعدّل بين اليسار الماركسي الأقرب للإستئصالية وبين تيار إسلامي مازال يبحث عن هويته السياسية والتي بقيت متطورة وغير واضحة المعالم؟، و ما هي معالم الليبرالية في تونس ومن هم الليبراليون التونسيون  تحديدا؟ ·       مفهوم "الليبرالية"  و تطور نشأتها تاريخيا  الليبرالية أو "اللبرالية" (من "līberālis" (ليبِرَالِس) اللاتينية وتعني "حر")، هي عبارة عن فلسفة سياسية أو نظرة عالمية تقوم على قيمتي الحرية والمساواة، وتختلف تفسيرات الليبراليين لهذين المفهومين (الحرية – المساواة)، وينعكس ذلك على توجّهاتهم، ولكن عموم الليبراليين يدعون في المجمل إلى دستورية الدولة، والديمقراطية، والانتخابات الحرة والنزيهة، وحقوق الإنسان، وحرية الاعتقاد والسوق الحر والملكية الخاصة. خلال القرن الثامن عشر الميلادي، أو خلال ما يُعرف بعصر التنوير، تجلّت الليبرالية كحركة سياسية مستقلة حيث أصبحت شائعة جداً بين الفلاسفة وعلماء الاقتصاد في العالم الغربي، و لقد  اعترضت الليبرالية على أفكار شائعة يومها كالمزايا الموروثة و تديّن الدولة و الملكية المطلقة، وحق الملوك الإلهي.  انتهج قادة الثورتين الفرنسية والأمريكية المنهج الليبرالي، ورأوا فيه مبرراً للإطاحة بالحكومات الدكتاتورية التي كان يقودها طغاة ومستبدين. وشهد القرن التاسع عشر الميلادي قيام حكومات ليبرالية على نطاق أوروبا وأميركا الشمالية أي في الفترة التي كانت فيها الفلسفات المحافظة الكلاسيكية في صراع مع الليبرالية. أما في القرن العشرين فقد انتشرت الأفكار الليبرالية بشكل كبير وواسع خصوصاً وأن الجانب الليبرالي الديمقراطي كان هو الجانب الرابح في كلا الحربين العالميتين، كما أن الليبرالية ظهرت متحدية فلسفات أخرى كالفاشية والشيوعية والنازية في أوروبا والولايات المتحدة، و أصبحت الليبرالية الكلاسيكية أقل شيوعاً ومهدت الطريق لليبرالية الاشتراكية وبدأ مفهوم الليبرالية بدأ بالتغير وبخصوص العلاقة بين الليبرالية والأخلاق، فإن الليبرالية لا تأبه لسلوك الفرد ما دام محدوداً في دائرته الخاصة من الحقوق والحريات، ولكنها صارمة خارج ذلك الإطار؛ فالليبرالية تُتيح للشخص أن يُمارس حرياته ويتبنى الأخلاق التي يراها مناسبة، ولكن إن أصبحت ممارساته مؤذية للآخرين مثلاً فإنه يُحاسب على تلك الممارسات قانونياً. ·                       بداية نشوء و حضور الفكرة الليبرالية في تونس          عرفت تونس مع بداية القرن التاسع عشر التدخل المباشر للدول الأوروبية في الشؤون التونسية، حضورا لافتا لما يُعرف بــــ"الليبرالية الفكرية" بأشكال مُتعدّدة و مختلفة، من دون أن يكون ذلك مصحوبا بأي بُعد فكري و إيديولوجي أو بالأحرى " تصور نسقي واضح أو حضور إيديولوجي تتبناه الحركات السياسية والأحزاب بصورة معلنة وصريحة، بحيث يمكن القول انه ومنذ بداية الاحتكاك مع النفوذ الأوروبي الممتد بشكله الاستعماري (أواسط القرن 19 إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية) كانت الحرية هي المطلب الأساسي والحيوي للمجتمع التونسي والعربي عموما، وهو أمر نلحظه في كتابات رواد الإصلاح الذين روجوا لمقولات الحرية السياسية وحق الشعب في اختيار حكامه، وصياغة دساتير تضمن منظومة الحقوق"[1]، وعمليا كانت شعارات "الحرية" و "الليبرالية" وغيرها من الشعارات مرفوعة  لأنها كانت حاجة أساسية لحركات الشباب التونسي يومذاك بل لكل النخب التونسية بل هي حاجة اجتماعية مُلحّة للبلد في ظل خضوعه وكل المنطقة العربية الإسلامية، كما أن كل الأحزاب السياسية والتيارات الفكرية ومكونات المجتمع المدني و التي ظهرت في ظل الاحتلال الفرنسي لم تكن تُخفي توجهها التحرري سوى عبر أدبياتها أو بياناتها أو خطب زعمائها (كتاب "الروح التحررية في القرآن" للشيخ الثعالبي مثالا لا حصرا).   ·                   الحقبة البورقيبية: ليبرالية بدون ليبراليين            انتشرت الفكرة الليبرالية انتشارا واسعا وطغت على الحياة الفكرية في المنطقة العربية و هو حال تونس أيضا، إضافة لتواجد منظومات فكرية أخرى كالشيوعية والقومية ( ذات النزعة الاشتراكية تحديدا)، ورغم ذلك ابتدأت الحقبة البورقيبية بقمع مناضلي تيار "الأمانة العامة" بقيادة صالح بن يوسف  كما تم حظر الحزب الشيوعي التونسي رغم مواقفه المُتماهية مع بورقيبة وحزبه من الحركة اليوسفية  كما صُودرت كل الصحف والدوريات الحرة والمستقلة التي عارضت سياسة الحزب الحاكم و الذي تبنى لاحقا الاشتراكية الدستورية في مؤتمر بنزرت سنة 1964 وهو المؤتمر الذي اتخذ 3 قرارات أخرى خطيرة ضد المنحى التحرري للحزب عند نشأته وتأسيسه من طرف الشيخ الثعالبي، وهي القرارات التي لا زالت تُؤثّر في حياتنا السياسية إلى اليوم وهي تباعا: -          دعم قرار سبق تنفذيه منذ سنة 1962 وهو حظر كل الأحزاب. -          بعث الشعب المهنية لخنق الإدارة ومراقبة المعارضين والنقابات ومكونات المجتمع المدني. -            ضمّ المنظمات الوطنية تحت يافطة الحزب الحاكم بحيث أصبح المسؤولين الأولين يحضرون اجتماعات الديوان السياسي... ومعنى هذه القرارات هو ضرب التوجه الليبرالي للحزب في عمقه الأساسي فكريا وثقافيا وواقعيا  كما أسلفنا بيانه سابقا، وهو ما يعني أنه لن يكون لشعارات الليبرالية بطروحاتها المختلفة "الجاذبية الكافية لتستميل العناصر الشبابية في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، حيث ظلت الاشتراكية بطروحاتها المختلفة هي الأكثر فاعلية وتأثيرا والأشد حضورا في الأوساط السياسية المختلفة، ..... وتتعالى عنه النخب السياسية التي جعلت من الفكر الليبرالي رديفا للامبريالية والاستعمار والاستغلال، بصورة تكشف عن سطحية فجة ومغرقة في الادلجة والانغلاق الفكري[2]   وعمليا كانت المطالبة بالحرية (أي واقعيا بالليبرالية السياسية) يومها ضرورة لم تعيها مكونات المشهد السياسي (أحزابا و مستقلين)  أمام تغوّل الحزب الحاكم ونفوذه الكبير وغير المحدود والذي لم يكن يومها ممكنا التمييز بينه وبين جهاز الدولة، و عمليا لم يستوعب العقل السياسي لمختلف الأطراف و الأحزاب السياسية المختلفة ضرورة تخليها عن أطروحاتها الشمولية وتبني الأطروحات الليبرالية بل وبقيت متبنية منطق أن تحل   محل الحاكم في السلطة ولكن مع الاحتفاظ بذات جوهر الممارسة التي اعتاد النظام البورقيبي عليها منذ 20 مارس 1956. ورغم كل ذلك نشأ تيّار ليبرالي داخل الحزب الحاكم نفسه  بقيادة الوزير و المناضل أحمد المستيري والذي غادر رفقة آخرين الحزب في بداية السبعينات بعد أن تأكد أن سبل الإصلاح داخله أصبحت غير ممكنة ولكن نفس هذا التيار انقسم على نفسه فقد عادت مجموعة إلى أحضان الحزب الحكم ( الباجي قايد السبسي أولهم ....) في حين أسّست المجوعة الثانية حركة الديمقراطيين الاشتراكيين أي عمليا تخلت عن البعد الليبرالي لصالح الفكرة الاشتراكية و صنفت نفسها ضمن تيارات يسار الوسط رغم أن بعض مطالبها السياسية بقيت ليبرالية نوعا ما. .... ·     الحقبة "انوفمبرية" : الليبرالية في مصانع الاستبداد بعد انقلاب الحنرال بن علي وتحقيق انفراج سياسي مرحلي مصحوب بتوجه اقتصادي قائم على ما يعرف بـــ"اللليبرالية المتوحشة"، والتي كرستها واقعيا مافيات النهب والتهريب عبر التحكم في عمليات التصدير والاستيراد بل وكل مفاصل الحياة الاقتصادية أي عمليا احتكار و ممارسة التغول على حساب قوت الشعب وهو ما جعل الحريات السياسية تتقلص بشكل متسارع خاصة بعد تغييب الإسلاميين في المنافي والسجون واستهداف بقية المعارضين كما تم صنع حزب للقوميين على المقاس، تم أيضا منح تأشيرة لحزب ليبرالي للمرة الأولى وهو الحزب الاجتماعي التحرري بقيادة الأستاذ منير الباجي، والذي كان في البداية جزءا من الديكور الحزبي وحزبا من أحزاب المولاة فقد تم منحه مقعدين في البرلمان سنة 2004، و نتاج عدم الرضا على الباجي لاحقا وتطور علاقاته الدولية وبالمنظمة الدولية الليبرالية والتحررية تم إيصال المنذر ثابت (كان ناشطا سياسيا تروتسكيا أثناء دراسته الجامعية) إلى رئاسة الحزب بعد التحاق مجموعة بالحزب بدفع من النظام والحزب الحاكم ( منذر بلحاج علي – بسيس و آخرين) وبالتالي تحول الحزب الليبرالي الوحيد والفريد الى خادم أمين للإستبداد وملمع لصورة الحاكم وحزبه.   · بعد الثورة : أحزاب ليبرالية متعددة تبحث عن مكان في مشهد سياسي متقلب          فتحت الثورة المجال لكل القوى الحزبية للإعلان عن حضورها في المشهد السياسي، ورغم ذلك  فان وضعية الأحزاب الليبرالية ظلت تراوح مكانها من حيث الضعف في البناء الحزبي والعجز عن الحضور و الاستقطاب السياسيين، قد تم الاعتراف بعشرات الأحزاب التي تتبنى المنهج الليبرالي في برامجها، وأهمها من حيث الحضور السياسي والإعلامي، الاتحاد الوطني الحر(بقيادة سليم الرياحي)- حزب الأحرار التونسي(بقيادة منير بعطور)- الحزب الليبرالي المغاربي(بقيادة محمد البوصيري بوعبدلي)- آفاق تونس(بقيادة ياسين ابراهيم). وهي أحزاب ضعيفة واقعيا وعاجزة عن الاستقطاب خاصة في الجهات الداخلية كما تفتقر  فعليا إلى برامج سياسية حقيقة تنبئ عن فهم للواقع السياسي والاجتماعي المتغير بالبلاد، ويعحز عقلها السياسي عن فهم المتغيرات السياسية الكبيرة التي حدثت في تونس بعد الثورة    وواقعيا فإن أزمة الأحزاب الليبرالية في تونس (وربما الفكرة الليبرالية ذاتها) تعود في جانب منها إلى الأزمة التي تعرفها المنظومة الحزبية، باعتبار أن "الأحزاب التونسية بعد الثورة لم تصل بعد إلى درجة النضج وفهم معنى الحزب السياسي في بنيته العميقة، باعتباره وبالدرجة الأولى مدرسة للتربية السياسية للمواطن ينخرط فيها ليتدرب على مساهمته في الشأن العام وعلى ممارسة حقوقه السياسية الأساسية، ولكن تحقيق هذه المهمة في صورتها المثلى ليس بالأمر اليسير في ظل حالة الاضطراب التنظيمي الذي تشهده غالبية الأحزاب السياسية وحالات الانشقاق التي تعرفها"[3] بالإضافة إلى السياحة السياسية  و هو أمر زاد من قتامة  المشهد الحزبي القائمة في أغلبها  على منطق المؤسس و الزعيم الأوحد،  أكثر من أنها أحزاب قائمة على تنظيم ذو بنية واضحة وأهداف سامية ... [1]  حمدي (سمير) ،هل لدينا أحزاب ليبرالية في تونس صحيفة الزيتونة العدد 14 بتاريخ  21 سبتمبر 2013 [2]  حمدي (سمير)، نفس المصدر السابق. [3]  المصدر السابق.