مقاﻻت رأي

حول حقيقة وتفاصيل ما حدث يومي 14 و 15 جانفي 2011

زووم تونيزيا | الثلاثاء، 14 جانفي، 2014 على الساعة 00:09 | عدد الزيارات : 1588
  • تمهيد قدم الشعب التونسي الكثير طوال أكثر من نصف قرن و استشهد خلال أيام الثورة (17 ديسمبر 2010- 14 جانفي 2011)،…
كثر من 320 شهيدا من خيرة رجاله و شبابه و نسائه و حتى أطفاله، وجرح ألاف المواطنين الثائرين والمحتجين والمنتفضين، وكُل ذلك لأنّه طلب كرامته و حريته بعد 23 سنة من القهر و القمع و شُبّه ذلك الشباب بـ"المُلثمين" ثم "المُشاغبين" و لفقت لهم كلّ التّهم والتي تفنن سمير العبيدي (وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة يومها) في إطلاق مفرداتها ومعانيها، لكن الحق يأبى إلّا أن ينتصر، و هذا ما حصل بل كان عاملا حاسما لأنّ إرادة الشعوب لا تُقهر، ولكن ماذا حصل تحديدا يوم 14 جانفي 2011؟ خاصة وأن هذا اليوم غيّر تاريخ البلاد و أصبح تباعا من حيث الأهمية في مستوى أيام خالدة في تاريخنا الوطني على غرار 9 أفريل 1938 و3 جانفي 1984 وأيّاما أخرى خالدة لا تنسى. • ماذا حصل يوم 14 جانفي؟ قد لا يفهم التونسيون ماذا حصل بالضبط في 14 جانفي 2011 تحديدا من حيث التفاصيل ووضوح الصورة للأطراف والقوى في الداخل والخارج، لكن الواضح أن الرئيس السابق والمخلوع من طرف شعبه يوم 14 جانفي 2011 قد غادر فارا يومها و البلاد في حالة حرجة ، وهو ما يعني أنه فرّ بعد ما مارسه من سياسات عرجاء وقمعية وسط غموض وتصارع بين بيادق حكمه وبين نُفوذ خارجي مُتعدّد الأقطاب لكن الشعب كان قد أعلن فرض إرادته، بالتوازي كان البعض يُعدّ لانقلابات بل أنّ التسابق كان جار على قدم وساق من يخلف المخلوع الفار وكل له حساباته وارتباطاته ووسائله وتضاربت المساعي ولكن الجماهير بقيت مُصرة على إحراز النصر في كل تراب الجمهورية، و في ظل هذه الظروف ونظرا لتسارع وتيرة الأحداث و أن الوضع يقتضي أن لا يبقى منصب رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة شاغرا في حين أن حالة الطوارئ أعلنت قبيل المغادرة بسويعات قليلة، وجد رئيس الحكومة يومها محمد الغنوشي نفسه يتولّى رئاسة الجمهورية مؤقتا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وسط تقاطعات أدت إلى ذلك رغم رغبة القلال وتردد المبزع، وكان ذلك نتاجا أيضا للرّوح الوطنية لبعض أعوان الأمن الرئاسي رغم سعي الطاغية طوال سنوات لمحوها وهو الذي سعى جاهدا إلى فرض الرعب فارتعب مثلما لم يرتعب أي تونسي طوال 23 سنة من تاريخ دولة البوليس، وتقول إحدى أقرب الروايات للواقع أن "اللعبة" بدأت عندما سافر أحد الوزراء المعنيين بالخلافة ليلا الى أحد العواصم محاولا احتواء ثورة الجماهير و قابل من قابل في ذلك البلد وفعلا استطاع الإقناع بأنّ "بن علي" انتهى، لذا تمّ بحث كيف تُسرق ثورة الشباب، كانوا يتوقعون أنّه عندما يخرج ساكن قرطاج فالشعب سينسى كل شيء و سيصمت وتم اللجوء يوم 13 جانفي لبعض المسرحيات، من خبير هنا و خبير هناك فخُدّر بن علي بلكمات استشارية تُنهيه وطُلب منه السفر لبضع أيام حتى يهدأ الشارع ثم رافقه علي السرياطي إلى المطار و كان كل شيء على ما يرام و سافر على أمل العودة وفقا لروايته، و كان يتوقع أن يعود لكن هنا حصل الانقلاب المخطط له من بين أربع أو خمس انقلابات كانت تعد من طرف أطراف متضاربة ومتصارعة، و في المطار أُلقي القبض على السرياطي لأنّه الوحيد الذي سيفهم أبعاد المؤامرة الكبيرة التي خططوا لها وتنفيذا لسيناريو نسق بين أطراف عدة رغم الارتباك في التنظيم والتنسيق، لكن الشعب اكتسب روح الثورية عبر بناء تراكمي بدأ منذ 1955 في الحقيقة، و من الغد حاول المخلوع إنقاذ ما لا يُنقذ عبر مكالمات هاتفية لكن الغنوشي قال له وفقا للترتيبات الجديدة "لا مكان لك في تونس". • حول حقيقة وتفاصيل ما حدث يومي 14 و 15 جانفي 2011 الواضح أن ما حدث يوم 14 جانفي 2011 غير تاريخ البلاد و أن أهميته هي في مستوى أيام خالدة في تاريخنا الوطني لكن تفاصيل ما حدث بالضبط لم تُعرف بعد لان الأطراف المتداخلة أكثر من أن تعد ولان بعض الأحزاب والمؤسسات والأجهزة في تونس بُنيت جميعا على الزبُونية والطبيعة المخابراتية كما أن تونس كانت قبلة كل الأطراف الخارجية منذ سبعينات القرن الماضي، ولأنّ جميع الأطراف لم يرتق وجودها الواقعي إلى بسط هيمنتها أو مسكها لكل الخيوط بل حتى استيعاب منهجي لكل منظوريها، وان الثابت أن الرئيس السابق قد غادر البلاد فارا بعد أن تيقّن في الساعة الثانية من أنّه لن يستطيع أن يجمع الأوراق بيده كما حدث مرارا وان قدر الأحداث لم يعد بيده وان من خدموه طوال أكثر من عقدين أصبحوا فعلا يعملون لصالحهم لا لصالحه ويوظفون ذلك لأجنداتهم وأنهم غدرُوه فقال للسرياطي عبارته الواضحة بالفرنسية "الأمر لم يعد بيدنا انه بيد العسكر ( ولم يقل الجيش)" ((c’est ne plus notre affaire c’est l’affaire de l’armée وكان المخلوع عند اجتماعه بأحد الأمناء العامين لحزب سياسي قال وفقا للرواية : "لو يعود الوضع إلى طبيعته أنا مُستعدّ لقتل ألف تونسي لا 30 فردا فقط " ( للأمانة أن ذلك الأمين العام رغم موالاته للرئيس المخلوع قال له يومها : "سيدي الرئيس لقد تعدد عدد القتلى وهذا ليس في صالح أحد"). ولقد تسارعت عليه الأحداث وتراتبت بشكل دراماتيكي حتى نسي بعض الأمور والشكليات فتغيّرت حساباته في أدقّ التفاصيل رغم تأكيد البعض انه لم ينس الإشارة للنهضة وحزب العمال ، الإسلاميين النهضويين صباحا (الثامنة ) ،عندما هاتف مرجان منتقدا حديث الأخير عن مشاركتهم في حل تحدث عنه لوسيلة إعلام أجنبية، وفي احد المكالمات الهاتفية عندما تحدث عن إيقاف أصهاره وفي القصر في حديث مع السرياطي ، أو في الحديث عبر الهاتف مع المازري الحداد قبل يوم (يعني يوم 13 جانفي 2011)، كما أصرّ في نقاش مع فريعة على المساومة في إطلاق خصمه الثاني حمة الهمامي زعيم حزب العمال اليساري ، والثابت الأكيد أن الجنرال "بن علي" قد فر ولو على غير تخطيط ، قد ترك تونس في حالة حرجة جدا خاصة في غياب أي تصريح رسمي من طرفه برغم انه تمت البرمجة لخطاب رابع و الواضح اليوم أن جميع رجاله كل منهم كان يخدم أجندته الخاصة او أجندة شخص غير "بن علي" بل يمكن الحديث أن انقلابات عدة كان يخطط لها رجاله وأقاربه وأجهزته وقوى خارجية كانت تتواصل معه ومعهم ، وهي تقريبا انقلابات أو محاور خمس ( بغضّ النّظر عن بُعد الوطنية أو المصلحية فيها ) منذ انطلاق الأحداث بل وقبلها بأشهر وبعضها بسنوات : - انقلاب أو مُخطّط يعد له السرياطي ويُظهر انه يخدم بن علي في جانب ، كما يُظهر انه يساعد حاكمة قرطاج بشكل ثان بينما هو يُرتب أمر ثان تفاعلا مع الأحداث وتراتبيتها. - انقلاب يُعد له رفيق الحاج قاسم في تواصل مع اطراف داخلية وخارجية ويُظهر انه في خدمة حاكمة قرطاج الأولى ولكنه يعمل لصالحه وهو ما يبرر اتصاله برؤساء المناطق والمراكز الأمنية بشكل مباشر، بل وكان يفعل ذلك منذ أحداث سليمان سنة 2007. - انقلاب تعد له ليلى باستعمال أطراف داخلية عدة وتوظيف الجميع بدون استثناء مُعتقدة أن رجال زوجها ليس لهم أجندات خاصة وقد وضعت لمسات مخططها في احد المنتجعات الاسبانية، بعد أن أعدّت سيناريو سابق لتولي الرئاسة في 2013 وأن تترأس حزب التجمع أيضا الذي كان طوال 23 سنة مجرد قطعة قماش تمسح فيها بل وعن طواعية واختيار كل الجرائم .... - انقلاب يعد لع عبد الوهاب عبدالله ويُظهر انه في خدمة السيدة الأولى لكن أوراقه تداخلت منذ سنة 2008 لأسباب عدة وعديدة.... - انقلاب يعد له الوزير الأوّل محمد الغنوشي في تواصل مع أطراف متعددة وعمليا نجح هذا الحلف نسبيا دون غيره، وهذا الطرف يكتنفه الغموض في علاقة مع أطراف في الداخل والخارج وبعض القوى السياسية والوقت لم يحن بعد لانكشاف بعض أوراقه وتجسد في تراتبية بعض الأحداث طوال كامل سنة 2011 وتتجسد بعض ملامحه في أحداث وقعت سنتي 2012 و 2013 وفي الايام الماضية أيضا وجسدته تصريحات الجنرال أحمد شابير لقناة التونسية و أيضا تصريحات غيره ... بينما الحقيقة أن بعض الأطراف في الداخل والخارج كانت تُدير الحسابات وتستفيد من جميع تلك القوى وتخطيطاتها وتدفعها بشكل خيطي وتدفع نحو نجاح عامل الفريق الأخير أي الخامس ولابد من الإشارة ان المستشار بن ضياء وحده كان يعمل لغيره أي عمليا لصالح ليلى ولصالح صخر الماطري كما لابد من الإشارة إلى ان كل من سمير العبيدي ورضا قريرة ومحمد الغرياني كانت لكل منهم حساباته الخاصة رغم تداخلهم مع باقي الأطراف ، وذاك موضوع ثان. والثابت ان الشعب كان مصرا على استرداد كرامته واثبات ذاته والقطع مع الماضي وبن علي ورجاله والقطع مع الحزب الجهاز واسقط كل الحسابات في الماء وبقي له الفريق الاخير وتمكن من طرده من بعد في القصبة 1 والقصبة 2 . أما من حيث القرارات وتراتبيتها فالثابت ايضا أن الرئيس المخلوع قد : ـ حل الحكومة يوم 14 جانفي 2011 بعد فشلها وفشله الذريعين بعد أن حاولت ماكينة إعلاميين مُتزلّفين خداع الشعب طوال 23 سنة بل حتى مساء 13 جانفي في أوتيك وعبر مشاركة نخب كنا نظنها مناضلة...، بل وعبر الاستعانة بماكينة بوليسية تثير الرعب في كل البلاد. ـ طلب من الوزير الأول اقتراح تكوين حكومة جديدة في نفس اليوم لأول مرة وهو الذي حدد كل الحكومات طوال فترة حكمه . ـ طلب من الوزير الأول الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة في ظرف 6 أشهر، وهو ما يعني حل البرلمان. ـ غادر البلاد فارا إلى وجهة غير معلومة ، دون تقديم استقالته ودون تفويض صلاحياته إلى الوزير الأول عمدا او لم يجد الوقت او دفعا من هذا الطرف او ذاك. وعمليا تمت هذه المغادرة في ظل حالة طوارئ أعلنت في نفس اليوم ، وهو ما يعني أن الرئيس تخلى عن البلد في ظرف استثنائي جدا مشابه لحالة "حرب"، في ظل هذه الظروف ونظرا لأن الوضع يقتضي أن لا يبقى منصب رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة شاغرا في حين أن حالة الطوارئ أعلنت قُبيل المغادرة بسويعات قليلة ، تولى الوزير الأول رئاسة الجمهورية مؤقتا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وبصورة عملية، وعمليا لم يكن من الممكن إعلان الشغور الدائم في منصب رئيس الجمهورية وتفعيل الفصل 57 دون إجتماع المجلس الدستوري وهو ماكان سيأخذ بعض الوقت او لتداخل اجندات البعض وقد حصل ذلك فعلا صبيحة 15 جانفي وتم إنقاذ الوضع مؤقتا بحل منطقي تحت ضغط الشارع إذ أعلن الشغور الدائم في منصب رئيس الجمهورية . واعتبر الشعب التونسي ونخبه ان الرئيس فر من البلد باعتبار تواجده خارج الوطن في ظل حالة طوارئ يعتبر تنصلا من المسؤولية بل هو خيانة ، مما استوجب تفعيل الفصل 57. وقد وجدت تونس نفسها صبيحة يوم 15 جانفي 2011 في وضع غير مسبوق ووضع دستوري غامض للغاية : ـ شُغور نهائي في منصب الرئيس وتولي رئيس مجلس النواب رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة ـ حكومة مقالة تقوم بتسيير الأعمال. ـ مجلس نواب تم حله والدعوة إلى انتخابات جديدة في ظرف 6 أشهر ، وهو ما لن يحدث لتطورات الوضع ... الجدير بالتذكير أن الفصل 57 يمنع القائم بأعمال الرئيس من حل الحكومة والبرلمان ، والحال يومها أنهما محلولان أصلا لدى تولي رئيس مجلس النواب لرئاسة الجمهورية ، لذلك دعا فؤاد المبزع ، الغنوشي إلى تكوين حكومة جديدة في حين أن هنالك فراغ دستوري يومها في ذلك الصدد. و حاول بن علي مرارا وتكرارا مخاطبة الشعب ولكن الأحداث تسارعت تباعا لينتصر الشعب في القصبة 1 و 2 وفي تسديد ضربات للثورة المضادة عبر أشكالها المُتعدّدة حتى صبيحة الذكرى الثالثة .... وعلى الشعب الوفي لثورته ونضالته أن يتصدى للدولة العميقة التي أخذت تمتد من جديد وبأشكال عدة رغم هزائمها المتكررة في أكثرة من محطة، خاصة بعدما خذلته أحزاب عدة كان يخال أنها ستحمي ثورته .... • خاتمة وخلاصة: إن كتابة التاريخ الفوري وتحليل أحداثه ، تتداخل فيه طبيعة الأحداث والواقع السياسي الحالي اعتبارا للذاتي والموضوعي وان حقائق لو تنشر أو تكتب قد تخلط الأوراق الآنية وما كل ما يُعرف يُنشر أو يُقال ، والمهم جدا أن حقيقة ما حدث لا يمتلكها أيُ جهاز أو فرد كان ، لكن ما يمكن أن يعرف جليا أن شعب تونس أنجز رغم كل ذلك أسرع ثورة في التاريخ بدم شهدائه وانه أدار رقاب العالم والهم ثورات عربية عديدة وفتح الطريق واسعا وكبيرا أمام شعوب العالم و صنع تراتبية تاريخية البشرية في اتجاه ثان.   تونس – علي عبد اللّطيف اللافي