بقلم : علي اللافي
التأسيس ومرحلة الثمانينات:
يُعرّف حزب العمال التونسي نفسه بأنه "منظمة ثورية، تجمع مناضلين…
نضموا إليها عن طواعية للنضال سويا من أجل تحقيق الهدف الأسمى الشيوعي على مستوى وطني وعالمي"، وهذا التعريف مُرتبط بطبيعة الوضع السياسي والاجتماعي الذي كان سائدا في منتصف الثمانينات حيث كانت منظمة العامل التونسي تتزعم القطب اليساري، و كقراءة من بعض مناضليها للساحة السياسية أسّسوا "البوكت" كحزب جديد وتم في ما بعد تأسيس فصيل شبابي له عرف باسم "اتحاد الشباب الشيوعي"، وكان التأسيس نتاج لنقاشات مُطوّلة ومطارحات فكرية عديدة وسط تفاعلهم مع تطورات الأحداث : أحداث الخبز في 3 جانفي 1984 - التحركات الطلابية سنة 1985 وما قبلها والصراع بين مكوناتها المختلفة - حصار السلطة لاتحاد الشغل....
إلا انه سرعان ما تم قمع قيادة الحزب الوليد من طرف أجهزة الأمن وحُوصر مناضلوه وقيادته السياسية، وبعد انقلاب الجنرال بن علي سارع الحزب إلى انتقاد التغيير الحاصل في أعلى هرم السلطة وطبيعة النظام الجديد، وخاصة في الساحة الطلابية باعتبار أن فصيله الطلابي المعروف باسم "النقابيين الثوريين" كان يكتسب يومذاك الأغلبية قاعديا وحتّى ضمن الأطر القيادية للمنظمة الطلابية (الاتحاد العام لطلبة تونس) مُقارنة ببقية الفصائل الطلابية اليسارية، كما رفض الحزب إمضاء الميثاق الوطني من حيث المبدأ، رغم اتهام الحزب من قبل البعض بأنه انخرط في سياسة تحجيم دور الحركة الإسلامية خاصة بعد مقابلة القيادة للجنرال بن علي في قصر قرطاج بعد وساطة قام بها كمال لطيف رجل الاعمال المعروف وحكاية الكاسات الشهيرة...
التسعينات : النظام يلاحق مناضلي الحزب
مع بداية التسعينات تمكنت قيادة الحزب من إصدار صحيفة أسبوعية ناطقة باسمه هي "البديل" والذي كان خطها التحريري جذريا ومعبرا عن أطروحات الحزب وخياراته السياسية والثقافية، إلا أن طبيعة تسارع الأحداث بعد قمع الحركة الإسلامية بكل مكوناتها عمد النظام إلى إيقاف البديل و محاصرة الحزب وقيادته ومناضليه ومحاكمة العديد منهم في بعض الجهات ( قفصة – قابس – العاصمة ...) وهرسلة البعض الآخر، ثم حدث الخلاف في التقييم داخل الحزب (الموقف من السلطة ومن الحركة الاسلامية...) فانشق الرجل الثاني في الحزب ومنظره محمد الكيلاني بعد خلاف مع بقية العناصر القيادية وأسس مجموعة "الشيوعيون الديمقراطيون"... و بقي الحزب في غمار السرية طوال فترة التسعينات بل و قامت السلطات في فيفري ومارس 1998 بالقبض على 16 ناشطا في الحزب وحوكموا بتهمة الانتماء لمنظمة غير مرخص لها، في حين دخل حمة الهمامي وعمار عمروسية وسمير طعم الله وبقية القياديين في حالة السرية التامة ولم يخرجوا منها إلا في 2 فيفري 2002 أثناء محاكمتهم التي انتهت بنقلهم إلى السجن.
حزب العمال قُبيل الثورة
خرج الحزب ومناضليه من مرحلة السرية واستفاد من تجذر خطه السياسي و راجع خياراته وتحالفاته السياسية وخاض جملة من النضالات مع بقية القوى السياسية بل وكان أحد الأطراف الرئيسية لهيئة 18 أكتوبر للحريات التي ظهرت عام 2005 والتي تضم إلى جانبه الحزب الديمقراطي التقدمي وحركة النهضة وشخصيات يسارية وقومية مختلفة، واتخذ الحزب جملة من المواقف المناصرة للحريات السياسية ودافع على الإسلاميين واحتج على زيارة شارون وناصر انتفاضة الحوض المنجمي بل وقاد تحركاتها العديد من أنصاره والمقربين منه كما قاطع انتخابات 2009...وشارك أنصاره في أحداث الثورة التونسية من 17 ديسمبر 2010 إلى 14 جانفي 2011 جنبا إلى جنب مع بقية الأطراف السياسية والجماهير الشعبية، وقد عمد النظام فجر 12 جانفي 2011 إلى اعتقال زعيم الحزب حمّة الهمّامي وبعض قياديي الحزب ولم يقع إطلاق سراحهم إلا يوم 14 جانفي والأيام الموالية...
حزب العمال بعد الثورة:
بعد ثورة 14 جانفي 2011 تم الاعتراف بالحزب ( 18 مارس 2011)، وعقد مؤتمره الأول في قصر الرياضة بالمنزه تحت شعار "من أجل استكمال مهام الثورة" من 22 إلى 23 جويلية 2011، كما خاض غمار انتخابات المجلس التأسيسي بقائمات "البديل الثوري" إلّا أنه تحصل على نتائج مُخيبة حيث تحصل على نسبة لا تتعدى الــ1 بالمائة من أصوات الناخبين.
وقد تناقضت مواقف الحزب اثر ذلك إزاء القضايا المطروحة بل و تباينت مع بعض مواقفه السابقة و مع مطالبه صبيحة الثورة التونسية و بدا التخبّط واضحا في مواقفه في العديد من المحطات، وبقي الحزب عنصرا مُهمّا في الساحة السياسية وهو الآن يتزعم الجبهة الشعبية المتكونة من فصائل يسارية و بعثية، بل و يعتبرها مُؤهلة لتولي الحكم كبديل للحكومة الحالية بعد الانتخابات القادمة وقد اختارت الجبهة زعيم الحزب حمة الهمامي كمرشح قادم للانتخابات الرئاسية....
يتبع في الحلقة الثالثة والأخيرة "حزب العمال بعد انتخابات 23 أكتوبر"