مقاﻻت رأي

بالمناسبة .. تونس والإسلام الثورة

زووم تونيزيا | الأحد، 29 ديسمبر، 2013 على الساعة 13:23 | عدد الزيارات : 834
بقلم : علي اللافي كانت تونس على مدى ثلاثة آلاف سنة مهدا لحضارات عريقة توالت عليها، فجعلت منها أرض اللقاء…
الحوار والتسامح. فهي وريثة قرطاج، السبّاقة إلى فتح عهد الحريّة والديمقراطية. وظلّت دوما متفتّحة على محيطها، مؤثّرة فيه، متأثرة به. وكانت في كلّ محطاتها التاريخية، رمزا للتلاقح الثقافي والتفتح الحضاري، بما أهلها للإسهام إسهاما فاعلا في إثراء الحضارة الإنسانية. فانطلاقا من أرضها، أشع الفتح الإسلامي في مختلف الاتجاهات، حيث كانت جسر عبور نحو أوروبا للحضارة العربية الإسلامية، ولقيم الاعتدال والوسطية. واضطلعت بدور بارز في نشر الدين الإسلامي الحنيف وتركيزه، عقيدة وحضارة، بإفريقيا والغرب الإسلامي (شمال إفريقيا والأندلس) وجنوب الصحراء الكبرى. وقد مثّلت القيروان والمهدية وتونس منارات مضيئة للعلم والمعرفة على ضفاف البحر الأبيض المتوسّط، وفي العالم الإسلامي. وكان جامع الزيتونة المعمور الذي تأسس سنة 116هـ/734م، أسبق المعاهد التعليمية للعروبة والإسلام مولدا وأعرقها في التاريخ عهدا، وقد حمل مشعل الثقافة الإسلامية أكثر من ثلاثة عشر قرنا بلا انقطاع، كان خلالها مؤئل تدريس العلوم الشرعية، ونشر القيم الإسلامية الزكية، وبقي على مرّ العصور قطبا للتعليم والبحث والاجتهاد. وأصبح أكبر جامعة إسلامية تخرّج فيها أجيال من العلماء الأفذاذ، أمثال علي بن زياد (المتوفّى سنة 183هـ/799م)، الذي بعث نفسا علميا جديدا ومنهجا مُتميّزا في تدوين العلوم ودرس المسائل، وكان أول من أسس المدرسة الفقهية النقدية بإفريقية التي اقترنت بأسد ابن الفرات والإمام سحنون، فعدّت آثارها من أصول الفقه المالكي. ونستحضر في هذا الإطار عددا من الأسماء البارزة في مجال الفقه الإسلامي من أمثال عبد الله بن أبي زيد القيرواني (ت:386هـ/996م) والإمام المازري (ت:536هـ/1141م) والإمام ابن عرفة (ت:803هـ/1400م) والعلامة ابن خلدون (ت:808هـ/1406م). ومن مفاخر جامعة الزيتونة، أنها كانت موطنا تخرّج فيه العديد من روّاد الحركة الإصلاحية. وكان لأراء الشيخ محمود قبادو وسالم بوحاجب ومحمد بيرم الخامس، دور كبير في إصلاح التعليم الزيتوني وفي تفتحها على علوم العصر. وقد جابه الشعب التونسي بكل بسالة وشجاعة محاولات النيل من هويته الحضارية، مبديا على الدوام ثباتا في مقاومة جميع أشكال الاستعمار والهيمنة، وعزما لا يلين في التصدي لأيّ مظهر من مظاهر الزيغ والانحراف، وأكد باستمرار، إرادته القوية للمحافظة على الطابع العربي والإسلامي، كما واجه بصمود كبير الاستعمار الفرنسي الذي جثم على أرضه مدة خمس وسبعين سنة. وبفضل مواقف شيوخ الزيتونة المُستنيرين، والنخب الفكرية من الصادقيين، وغيرهم من المثقفين، وبفضل جهود المصلحين والزعماء والمناضلين، أمكن إحباط محاولات السلط الاستعمارية المتكررة ونواياها الرامية إلى الاستلاب الثقافي والحضاري وإلى تفويض القيم المتأصلة في نوفس التونسيين والتونسيات. وكان الذود عن الدين الإسلامي الحنيف، والدفاع عن مقدساته في مختلف أطوار تاريخ الحركة الوطنية من أجل التحرر والانعتاق، خير حافز على تعبئة الفئات الشعبية لمقاومة الاحتلال وإفشال مخططاته الرامية إلى النيل من ثوابت الشعب وهويته. وعلى أساس هذه الرؤية الواضحة، ظلّ الإسلام في هذه الربوع مُقوّما أساسيا للشخصية الوطنية، ومن أقوى ما يُوحّد بين التونسيين، وهو إلى ذلك، دين يرفض التحجّر والانغلاق والغلوّ، ويحضّ على الاعتدال والوسطية والتكافل ومُسايرة التطور العلمي والتكنولوجي. ولقد ساهمت ثورة 14 جانفي بعد دكها لحصون الاستبداد، في بلورة مرحلة جديدة لتطلعات شعبنا من خلال سلميتها ومطالبها العادلة بضرورة التمسك بالهوية الحضارية والانفتاح على معالم الحداثة والمدنية من أجل آفاق أرحب و حتّى يسعد الناس كُلّ الناس في تونس، شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا وان تمتد جهود أبنائها وبناتها حتى يمتد الإسلام كدين إلى الأرض كلّ الأرض.