مقاﻻت رأي

أيّ مستقبل للجهاديين في تونس؟

زووم تونيزيا | الجمعة، 30 أوت، 2013 على الساعة 18:29 | عدد الزيارات : 1299
بعد تصنيف تيار أنصار الشريعة تنظيما ارهابيا أيّ مستقبل للجهاديين في تونس؟ علي عبد اللطيف اللافي كاتب تونسي…
تخصص في الأحزاب السياسية والحركات الإسلامية   طرح اعلان رئيس الحكومة بداية الاسبوع الحالي انصار الشريعة تنظيما ارهابيا عديد الاسئلة والاستفهاهمات لعل أهمها اي مستقبل للتيار السلفي في تونس وتحديدا الجهاديين منهم خاصة؟ لا يمكن الحديث عمليا و موضوعيا ومنهجيا، عن السلفيين أو عن التيّار السلفي في تونس قبل نهاية تسعينات القرن الماضي ( رغم رسالة محمد بن عبد الوهاب التي أرسلها إلى لعلماء تونس في بداية القرن التاسع عشر والتي رفضوا مضمونها و ردّوا عليه). و ورغم الظهور المتأخر مقارنة ببقية البلدان العربية الأخرى فان فسيفساء التيارات السلفية مُعقدة ، والسلفيين ليسوا محدة متكاملة وهو مجموعة مُكوّنات مختلفة المشارب والتكوين والتوجهات والاهداف.... • فُسيفساء التيّار السلفي في تونس: 1- الجهاديُون: وهم الذين يؤمنون بأفكار تنظيم "القاعدة" و يتبنّون أطروحاتها، بغض النظر عن علاقاتهم التنظيمية بها وبقادتها التاريخيين (بن لادن – الظواهري) و القريبين منها إقليميا ( تنظيم القاعدة في المغرب السلامي) ، و تنحدر معظم عناصرهم من الأحياء الشعبية بالعاصمة (التضامن – المروج - الكرم) و ولايات بنزرت و سيدي بوزيد و مدنين و يتشكلون عمليا في أربع مجموعات : أ‌- تيار رئيسي و أغلبي عدديا من حيث ولاء أغلب السلفيين الجهاديين له مقارنة ببقية المجموعات، يقوده سيف الله بن حسين (أبو عيّاض) وله تواصل تشاوري وأبوي مع بعض شيوخ السلفية في تونس على غرار خطيب الإدريسي ( والذي رفض تأسيس تنظيم أنصار الشريعة) و تنشط بعض عناصرهم من خلال أنشطة مختلفة ومن خلال " تنظيم أنصار الشريعة"، وهو تيّار له عديد الارتباطات في الداخل والخارج ومعقد التكوين تنظيميا و يُناور في تبني مقولة "تونس أرض دعوة وليس أرض جهاد"، وهو تيار وان أنكر مشاركته في احداث بئر علي بن خليفة والروحية والشعانبي الا ان عناصر منه شاركت في بعض من تلك العمليات سواء اختيار منه أو بناء على عوامل الاختراق التنظيمي له من طرف مجموعات أخرى..... ب‌- تيار أبو أيوب (سليم الفندري) وهو مُنشقّ عن التيّار الأوّل و له أنصار في العاصمة وبعض الولايات، ولكنّه انحسر تنظيميا بعد الثورة و شقته خلافات عديدة واتهمت بعض عناصره بالولاء والارتباط بقوى خارجية وأجهزة مخابرات داخلية وخارجية وقد حكم على زعيمه في الفترة الماضية نتاج أحداث العبدلية بعد اتهامه بممارسة العنف والدعوة إليه. ت‌- مجموعة أبو إسحاق وهي مجموعة صغيرة تبنّت بعد الثورة مباشرة مقولة "تونس أرض دعوة وليست أرض جهاد"، و أصبحت اقرب للتيّار السلفي العلمي من حيث مقولاتها ونشاطها. ث‌- تيّار رابع مُتشدد دينيا وعُنقودي التكوين و لا يظهر إعلاميا ويمكن اطلاق تسمية مجموعة الجزارة عليه، له علاقات لوجستية بالجماعات المتشددة في الجزائر و تقف عناصره وراء أحداث "الروحية"(ماي 2011) و "بئر علي بن خليفة" (فيفري 2012) و فرنانة (ديسمبر 2012) واحداث الشعانبي أو جريمتي اغتيال بلعيد(06 فيرفير 2013) والبراهمي(25 جويلية 2013)، وهو عبارة عن مجموعات ذات ارتباطات مع عصابات التهريب ولها قدرة على التوظيف والمناورة والتخفي ولكنها عمليا قابلة للاختراق والتوظيف في كل الاتجاهات كما أنه متشابك تنظيميا مع المجموعتين الأولى( أبو عيّاض) والثانية(أبو أيّوب) من حيث العلاقة التاريخية بين العناصر المكوّنة للمجموعات الثلاث. و لكن السلفية الجهادية في تونس وبحكم التداخل بينها و التواجد الميداني يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام بغض النظر عن التقسيم التنظيمي: - سلفيّة جهاديّة معتدلة تنأى بنفسها عن العنف وتميل إلى التوازن في سلوكها ومجموعة أبي إسحاق أقرب إلى هذا التصنيف، وهو ما يجب أن تنتبه إليه بعض النخب والحكومة والمعارضة تجنبا للتعميم. - سلفيّة جهاديّة متشدّدة يغلب عليها الحماس والغلوّ والغلظة وسوء التقدير، وهناك تفاوت بين أجنحة أبو عياض وأبو أيوب و مجموعة الجزأرة (القريبين من الجزائري أبو مصعب عبدالودود وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي). - سلفيّة جهاديّة زائفة مخترقة تحت الطلب صنعتها دوائر الفساد المالي والإجراميّ والأمني والمخابراتي، وهي ميّالة إلى التشدّد والغلوّ وليس لها من السلفيّة إلاّ المظهر المخادع ( وتبين من خلال التحقيقات الأخيرة في قضية مقتل السياسي شكري بلعيد وأحداث العبدلية هذا الاتجاه من حيث علاقة عناصر إجرامية بالتيّار السلفي وركوب موجته المُوجّهة إعلاميا في بعض الأحيان، كما تبيّن من خلال أحداث أخرى علاقة بعض بارونات المال ببعض منتحلي صفة الانتماء للتيار السلفي). وفي القسمين الأخيرين من "السلفيّة الجهاديّة" يكمن المشكل والخطر على أمن تونس و استقرارها، فهذان النوعان هما الأكثر استعدادا للانجرار إلى العنف والجريمة، الأوّل بغلوّه وتنطّعه وتعجّله وسذاجته وانعدام الحكمة لديه، والثاني بطبيعته الإجراميّة أصلا وبزيف انتمائه إلى التيّار السلفي الجهادي وارتهانه لصانعيه الفاسدين المتآمرين. 2– الجاميون أو المدخليون: و ينتسبون لــ"الجامية"(نسبة للشيخ الارتري الأصل محمد أمان الله الجامي) أو "المدخلية" (نسبة لربيع المدخلي)، و تتكوّن في تونس أساسا من بعض العناصر الذين يرفضون الاشتغال بالسياسة، و عمليا ليس بين هذا التيار ارتباطات تنظيمية كما لا توجد له زعامة موحدة بل زعامات كثيرة متنوعة يتقارب بعضها ويجتمعون في بعض المسائل ويحصل بينهم افتراق واختلاف أحياناُ وقد يصل إلى حد القطيعة، وإنما يجمع هذا التيار تشابه المنهج في التعامل مع المخالف ومحاولة احتكار التسمي بالسنة والسلفية وتضليل بقية التيارات و لهذا التيار موقف متشدد من العمل السياسي والحزبية والانتخابات والتقارب مع الآخرين، كما أنه مغال في ما يسمى طاعة ولي الأمر، و في تونس تتواجد بعض عناصره في العاصمة (رادس – باب الجديد – المنيهلة ... ) و المنستير و القيروان . 3 –العلميون: السلفية العلمية هي احد أحد فصائل التيار السلفي و هو فصيل سلمي يحمل أطروحة دعوية وعظية بالأساس ويركز دعاتها جهودهم على الجوانب الفقهية والعقائدية وطلب العلوم الشرعية وهم في ذلك متقيدون بالمراجع السلفية العلمية كمصر وخاصة بالمؤسسة الدينية في السعودية، ظهر هذا التيار في تسعينات القرن الماضي واجتهدوا في تبليغ أفكار السلفية العلمية في صفوف الشباب وازداد انتشاره بفضل الفضائيات وشبكة الانترنت. وعمليا في تونس تعتبر السلفية العلمية هي التيار الغالب على بقية المكونات و تتواجد في سوسة والعاصمة أساسا، ومن أبرز الوجوه المعروفة الشيخ "البشير بلحسن". 4- الإصلاحيون أو السّروريون: أصل تسمية "السروريون" تعود إلى مؤسس التيار "سرور زين العابدين"(داعية سوري عاش في السعودية ودرّس هناك)، و تم إطلاقها أثناء حرب الخليج الثانية، و في تونس لهذا التيار بعض الأنصار (قابس - سوسة – صفاقس -أريانة – الضاحية الشمالية للعاصمة)، و لكنّهم إجمالا عتاصر قليلة. 5- الأحزاب السلفية شكل بعض السلفيين أحزابا وحاولوا النشاط من خلالها و هذه الأحزاب هي: أ‌- حزب جبهة العمل و الإصلاح: هُو أوّل حزب سلفي في تونس، وهو تواصل لتجربة تنظيم "الجبهة الإسلامية" (بقيادة محمد علي الحراث) في تونس والتي شن نظام الجنرال المخلوع حملة اعتقالات عليها في نهاية الثمانينات ، يرأسه حاليا الجامعي محمد خوجة وللحزب أنصار في صفاقس والعاصمة (حي التضامن أساسا). ب‌- حزب الأصالة: تأسس سنة 2012، وهو حزب سلفي جديد و صغير الحجم ( من حيث عدد المنتمين عليه)، يرأسه علي المجاهد ( شخص عاش في فرنسا و أفغانستان وغريب الأطوار من حيث مساره التاريخي وعلاقته في فرنسا وبعض البلدان الأخرى) تتراوح مواقفه في الفترة الماضية بين الثناء على الحكومة ثناء وانتقادها ( تم منع أحد ضيوف الحزب من الخارج) وتتواجد عناصره في مدنين و تطاوين والعاصمة. ت‌- حزب الرحمة: تأسس في بداية أوت الماضي، وهو حزب جديد وغير معروف يقوده الإمام سعيد الجزيري و الذي كان مقيما في كندا، ينتقد زعيمه حركة النهضة ويُصرّ على توظيف المساجد في العمل السياسي ويعتقد أن ذلك ضرورة منهجية للعمل "الحزبي الإسلامي" واغلب عناصر الحزب من أحياء المروج. • أي مستقبل للجهاديين في تونس بعد تصنيف أنصار الشريعة؟ كان لسياسة الحصار و الملاحقة الأمنية التي مارستها حكومة الجنرال والرئيس المخلوع تجاه التيارات الإسلامية وكل المتديّنين في تونس (خطة تجفيف منابع التدين المتوخاة منذ بداية التسعينات والتي أصبحت في 2002 خطة تلويث منابع التديّن)، أثر سلبي في تنامي الظاهرة الجهادية فانخرط بعض السلفيين في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي واتجه البعض الآخر للانضواء في خلايا مستقلة وبمجرد قيام ثورة الكرامة انبرى أنصار هذه الخلايا في عمل حركي و ميداني. حاول "الجهاديون" في تونس، لأول مرة بعد الثورة جمع صفوفهم فبدئوا ببعض التحركات الميدانية والإعلامية، كما عقدوا اجتماعا عاما في جويلية 2011 بسكرة تحت يافطة "أنصار الشريعة" ، واجتماع ثان في أفريل 2012 بالقيروان كما وقفت بعض عناصرهم وراء أثناء أحداث العبدلية وأحداث السفارة الأمريكية في 14 سبتمبر 2012. تؤمن النخب المعتدلة في تونس اليوم بأنه من المحبّذ عقلنة التيارالسلفي و ضرورة احتوائه و ذلك من خلال الحوار لأن المقاربة الأمنية ثبت فشلها إذا ما اعتمدت لوحدها خاصة أنّ البلد ونتيجة لطبيعة الوضع الانتقالي والثوري يحتاج لإصلاح سياسي واقتصادي شامل يقطع مع الاستبداد والفوارق الاجتماعية المُجحفة التي توظّفها الجهات المدعمة للتيار في الداخل والخارج، وتحتاج كذلك إلى إصلاح ديني شامل يقطع مع الفكر الشمولي المطلق. ومن الضروري الإشارة إلى تحركات قوى الردة في النظام السابق التي كانت ولا تزال تستعمل الفزّاعة السلفية كما أنّ أطرافا وكما سبق ذكره أعلاه تخترق التيار السلفي الجهادي وتُوظّفه لصالحها عبر توظيف أحداث في الداخل (طبيعة خطاب النخب "الحداثية") والخارج ( التطوّرات لحروب الإقليمية) وقد تواترت الروايات منذ أشهر عن أشخاص مشبوهين حاملين للّحي الاصطناعية وقع الزجّ بهم في عمليات مواجهة تمت في عديد المحطات خلال السنة المنقضية. و رغم أن تورّط بعض السلفيين في أحداث العنف هي وقائع على الأرض و وقائع ملموسة ميدانيا،و آخرها تُوضّح معالم مشاركة و تورّط عناصر "سلفية متشددة" في عديد الجرائم النكراء من مثل الجريمة التي اغتيل فيها السياسي شكري بلعيد أو التي اغتيل فيها السياسي الحاج محمد براهمي أو جريمة تصفية جنودنا البواسل (بغضّ النظر عن تفاصيل الملابسات وطبيعة الجهة المخططة والمساعدة على التنفيذ والتي ثبت أنها اخترقت اخترقت بعض الخلايا السلفية الجهادية وتنظيم أنصار الشريعة وكتيبة عقبة بن نافع وحولتهم لاجنحة مسلحة ). لكن المعروف أن غالبية السلفيين في تونس هم من صنف السلفية العلمية الذين لا يُشرّعون استعمال العنف وهو ما يؤكد أنّ الحل الأنسب اليوم وقبل غدا هو عمل السلطة والمجتمع المدني إلى دفع السلفيين إلى إصلاح منظومتهم الفكرية عن طريق الحوار المعمق لا دفعهم إلى متاهات الراديكالية خدمة لحسابات سياسية حزبية ضيقة تقف وراءها جهات لها مصلحة في مزيد من إحداث الإرباك في إطار الثورة المضادة واركان الدولة العميقة، إضافة إلى ضرورة فتح حوار وطني حول أبرز القضايا والمسائل التي تهم حاضر ومستقبل المواطن، ويتم ذلك بين كل الفئات الفكرية والسياسية حتّى تلك التي تُوسم بالتطرف (أيّ استثناء فقط من يستثني نفسه من الحوار)، لأنه بالحوار يصبح تفكيك الألغام سهلا، و نُجنّب مجتمعنا مزيدا من التوتر و لانّ تونس الثورة ستكون قوية بكل أبنائها. وبناء على ذلك، و مع تحسّن الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية فإن ظاهرة الغلو الفكري والسياسي والديني ستكون في أدنى مستوياتها ولا يجب أن نخشى من التيارات الإسلامية الراديكالية لأنه إذا توفرت فرص الحوار و المُحاججة العلمية وحريّة التعبير فإن تلك التيارات ستلجأ إما إلى التعقل والتسامح والتعايش، شأن الغالبية العظمى من التونسيين عبر تاريخهم الطويل، أو أنها ستعزل نفسها وتتقلص قاعدتها الاجتماعية. إن مقومات نجاح التجربة الديمقراطية التونسية عديدة لعل أبرزها التجانس العرقى واللغوي والديني، يضاف إليها مجتمع مدني يزداد قوة يوما بعد يوم وبالتالي وجب المحافظة على هذه الميزة ففي ذلك ضمانة لحماية تونس من كل تطرف. و في الأخير، يُمكن القول أنه لا مستقبل للجهاديين على المدى البعيد لطبيعة المجتمع التونسي و طبيعة تطوره التاريخي ومكاسبه الحضارية المتراكمة، على أن آفاقه ترتبط بفعل القاعدة على المستوى الإقليمي وخاصة في الجزائر ومالي وليبيا، و يمكن رفع التحدي الذي يمكن أن يُسببّه هذا التيار الجهادي عبر الممارسة الديمقراطية ونجاح الثورة التونسية في تحقيق أهدافها واستكمال مهامها والنجاح في الوصول إلى الانتخابات القادمة و فتح باب النقاش على مصراعيه عبر الندوات والأدبيات التقويمية للتجربة الإسلامية التونسية و مناقشة أطروحات الإسلاميين في كامل العالم العربي، بما فيها أطروحات السلفيين والقاعدة بالخصوص.