يظهر أن حزب الوطد المُوحّد خسر رهان الاستفادة السياسية من اغتيال زعيمه المرحوم شكري بلعيد في 6 فيفري الماضي…
غم محاولاته المتكررة داخل وخارج الجبهة الشعبية في توظيف دمه سياسيا، و بناء على أدائه السياسي وقراءة لمواقفه المختلفة يصح التساؤل هل انتهى الحزب عمليا أم أنّه تحول إلى باحث عن الفرقعات الإعلامية والمتكررة مثله مثل العريضة الشعبية، أم أنّه أصبح فعليا مجرد حزب يصدر بيانات إعلامية و مناسابتية على غرار حزب المجد و بعض الأحزاب الأخرى؟
• مسار الحزب حتى اغتيال بلعيد
تعود أصول الحزب التاريخية إلى التيار الوطني الديمقراطي (الوطد) حيث ظهر الوطنيون الديمقراطيون سنة 1973 في الجامعة التونسية على اثر انشقاق حصل في منظمة "الشعلة" الماوية التي اختلفوا مع قيادتها حول مسألة بناء "الحزب الشيوعي" و نشطوا باسم حركة الطلبة الوطنيون الديمقراطيون، و عُرفوا بالمسائل المثيرة للجدل و التي طرحوها مثل طبيعة المجتمع في تونس و التي يعتبرونه شبه مستعمر شبه إقطاعي و بدعوتهم إلى الثورة الوطنية الديمقراطية، وعمليا ظهرت عدة تنظيمات تمثلهم مثل الوطنيون الديمقراطيون بالجامعة و الوطنيون الديمقراطيون "الوطد" و الشيوعيون الوطنيون الديمقراطيون("الشود") وعدّة تنظيمات أخرى صغيرة، و أسّسوا نواتات تنظيمية في الجامعة و الاتحاد العام التونسي للشغل و المنظمات الحقوقية، و مباشرة بعد نجاح الثورة التونسية في تحقيق أولى أهدافها أسّس المرحوم شكري بلعيد و البعض من رفاقه في ما يعرف سابقا بتيار الوطج، حزبا سياسيا سمي في البداية بالحود - أي حركة الوطنيين الديمقراطيين- و قد تحصل على تأشيرة العمل السياسي في 12 مارس 2011، و رغم هزيمتها في الانتخابات ( لم تتحصل على أي نتائج تذكر حيث أن لها نائب وحيد بالمجلس التأسيسي)، فانها كانت رقما في المشهد السياسي والاعلامي وهي تسيطر عمليا على بعض النقابات الأساسية في الاتحاد العام التونسي للشغل (أساسا في مدنين و قفصة والقصرين وبن عروس وجندوبة وسيدي بوزيد) وتتواجد بعض عناصره الشبابية في عدد من الأجزاء الجامعية( آداب سوسة و منوبة و9 أفريل والحقوق) وعدد من المنظمات الحقوقية ولها مقربين منها في عديد من وسائل الإعلام، و تم اتهام الحزب عديد المرات من طرف البعض – أحزاب الحكومة و المعارضة - بالتطرف اليساري و إشعال الفوضى و التحريض على الاعتصامات و التحركات العمالية.
• تراجع كبير للحزب بعد 06 فيفري و فشل خياراته السياسية
يجمع المتابعون على تراجع الحزب بعد اغتيال المرحوم بلعيد، فقد فشل في الحفاظ على وحدته السياسية نتاج الخلافات حول خلافة بلعيد بين أفراد عائلته على غرار شقيقه عبد المجد و طليقته بسمىة لخلفاوي و نائب رئيس الحزب محمد جمور والقادة التاريخيين للتيار ( عبيد البركي – الهادفي ....) و رجال تنظيم الحزب الذين استطاعوا فرض زياد لخضر كرئيس جديد للحزب ولعضوية مجلس أمناء الجبهة الشعبية (12 فصيلا حزبيا من اليسار والقوميين)، ولم يستطع المكتب السياسي تحقيق أي مكسب على الأرض أو حسن التموقع داخل الجبهة الشعبية التي أصبحت عمليا وكأنها جبهة حزب العمال و الحزبين البعثيين ( حركة البعث – حزب الطليعة)، كما لم تنجح قيادة الحزب في قطع أي خطوة في اتجاه توحيد العائلة الوطنية الديمقراطية المنقسمة على نفسها من خلال 3 أحزاب داخل الجبهة ( حزب الوطد الاشتراكي الثوري بقيادة جمال لزهر – حزب الوطد الموحد بقيادة زياد لخضر – حزب النضال التقدمي بقيادة محمد لسود) أو حزب العود (بقيادة عبدالرزاق الهمامي) أو بعض قيادات نداء تونس ( العكرمي – مرزوق وغيرهم) أو بعض رموز تاريخية كانت محسوبة على الوطد ( سمير بالطيب - ناجي جلول – ماهر حنين – الحبيب الزرقي ....) أو القدرة على توظيف اعلاميين مقربين من الوطد (على غرار الخضراوي – بن فرحات – الغربي ...) وهو ما كان بلعيد ناجحا فيه بامتياز، وميدانيا اكتفى الحزب بتحرك أسبوعي في إطار الجبهة للاحتجاج على اغتيال بلعيد فانكفأ على نفسه سياسيا و اكتفى ببعض الفرقعات الإعلامية ( ادعاء الرحوي بزيادة في منح النواب وهو ما فنده الجميع داخل المجلس وخارجه) كما تم اعتماد خطاب وطد الثمانينات في التعامل مع كل التطورات السياسية الراهنة وتم اصدار بيانات مناسبتية.....، وكل ما سبق يدل على فشل كبير للخيارات السياسية والتنظيمية للحزب وهو ما انعكس على رابطاته الجهوية والمحلية.
• مواقف الحزب الأخيرة تعبر على وضعه السياسي والتنظيمي
بعد قرار مكتب المجلس الوطني التّأسيسي يوم الثلاثاء الماضي والخاص بإحالة العريضة الّتي أمضاها 120 نائبًا ضدّ النّائب عن الحزب منجي الرّحوي على لجنة النّظام الدّاخلي للتّفاعل معها واتّخاذ القرارات المُناسبة، سيجد الحزب نفسه في مأزق مع السلطة التأسيسية وهنا اختار الهروب إلى الامام بعد يومين من البحث عن حل حيث ندّد الحزب بالعريضة المُقدّمة، وأشار البيان الصادر أول مس الجمعة، على الصّفحة الرّسميّة للحزب إلى "ما يتعرّض له النّائب عن حزب الوطنيّين الدّيمقراطيّين المُوحّد والجبهة الشّعبيّة المُنجي الرّحوي" من "حملة تشويه..."، داعيا كلّ القوى الديمقراطية والتقدمية المناضلة إلى الوقوف إلى جانبه، وعبّرت الجبهة الشّعبيّة من جانبها في بيان لها، عن مساندتها وتضامنها الكامل مع المنجي الرحوي، مُحمّلة الأطراف الحزبيّة والكُتل بالمجلس التّأسيسى مسؤوليّة "انحراف المجلس عن إطاره وصياغة الدّستور الجديد".
وأكّد الرحوي طبيعة مواقفه الارتجالية بقوله أنّه لن يَمثُل أمام لجنة النّظام الدّاخلي بسبب غياب نصّ قانوني واضح يُحدّد هذه المسألة صُلب النّظام الدّاخلي للمجلس، وأضاف أنّ إحالة العريضة على لجنة النّظام الدّاخلي، يُؤكّد “أنّ المجلس يَسعى إلى التّضييق على حرّيّة التّعبير والصّحافة وإخماد الأصوات الحُرّة”.
ومختلف هذه المواقف تدل على أنّه لم تعد للحزب خيارات سياسية وانه وضع نفسه في مأزق كبير بعد، خاصة و أنّ هامش تحركاته تقلّص إعلاميا و ميدانيا وأن خطابه السياسي تحديدا أصبح غير ذي جدوى لدى حتى أنصاره في الولايات الداخلية وانه تحول إلى قيادة مركزية مُنكفأة على نفسها وليس لها أي بدائل برامجية أو تواصلية مع جماهير الشعب وان لخضر فشل في أن يكون بديلا لبلعيد في اتجاهات ثلاث: الحضور الإعلامي والتواصل السياسي والامتداد مع بعض القطاعات... ، و حتى يكون الحكم موضوعيا يبقى التساؤل قائما : هل انتهى الحزب عمليا أم أنّه تحول إلى باحث عن الفرقعات الإعلامية والمتكررة مثله مثل عدد من الأحزاب أم أنّه أصبح فعليا مجرد حزب يصدر بيانات إعلامية و مناسابتية؟