مقاﻻت رأي

السبسي يتأرجح بين وضعتي المسك بكل الخيوط ونهاية دوره

زووم تونيزيا | الخميس، 30 ماي، 2013 على الساعة 00:13 | عدد الزيارات : 980
بعد تصريحات بلحاج و تجدد الصراعات في حزبه من السهل على قارئ تركيبة الهيئة القيادية لحزب "نداء تونس"،…
لاستنتاج الأوّلي أنها وصفة تهجين إيديولوجي بين مُكوّنات لا يمكن لها الالتقاء إلاّ في حلبة مُصارعة، خاصة أنّها ضمّت في تركيبتها المعلنة : التجمّعي الباحث عن رسكلة لهويته السياسية، و الدستوري الطاعن في السن، و الشُيوعي ومشتقاته المختلفة والمتناحرة، و الوزير السابق، و المُنشق عن حزبه، و النائب النقالة أو من فاتهم قطار التَموقع، وهو ما يُحيلنا إلى أن الحزب و في ظل التطورات الأخيرة داخله وداخل التحالف الخماسي، هو عبارة عن إطار تقُوده ماكينة غير واضحة المعالم فالملتحقين به يعتقدون جازما أنّه ماكينة انتخابية ستُوصلهم إلى سدّة الحُكم، لكن لماذا تجددت الصراعات واحتدت في المدة الأخيرة بل لماذا بدا الترنّح والتصدّع ظاهرا للعيان ولماذا صرح المدير التنفيذي للحزب بما صرح به لإحدى اليوميات؟ و هل سيبقى السبسي قادرا على المسك بكل خيوط اللعبة أما أن مرحلة اللاعب الجديد قد بدأت فعليا وان السبسي يكمل ما هو موكول إليه لا غير؟  تجديد الصراعات : لا شك أن الباجي قائد السبسي قد بقي إلى حد الآن داخل حزبه المظلّة القادرة على احتواء كلّ الخلافات داخل الحزب و الاستفادة من تعدد الصراعات و استطاع باعتباره عجوز السياسة في تونس أن يحُدّ من نتائج و انعكاسات تلك الصراعات و المعارك الداخلية الكثيرة وأن يُنهيها وهي في مراحلها الأولى بل وأن يستفيد منها إعلاميا، ولكن السؤال هو:ما مدى قدرته على ذلك في المستقبل؟، خصوصا مع قرب الاستحقاقات الانتخابية و توسّع الحزب جهويا، و الأكيد أن ترأس القائمات ستعتبر عند قيادات الصف الثاني على الأقل أولويّة الأولويات خاصة وان البعض من تلك القيادات سترى في نفسها أهليّة كبرى ورمزيّة، كي تكون فعليا من يرسم الخطط و السياسات في المراحل القادمة. يعمل بعض قادة الحزب مثل "بن تيشة" و "مرزوق" و "العكرمي" على إظهار الحزب في صورة الحزب المتماسك والقوي والذي تسوده آليات العمل الديمقراطي، إلا أنّ الواقع غير ذلك حيث هناك تجلّ لصراع مرير بين شقّين متنافرين يغطيان أكثر من محاور ست متصارعة ومتشابكة تبحث جميعها على التموقع وكسب ولاء الملتحقين بالحزب: شقّ أول ودستوري يقوده فوزي اللّومي ومجموعة من منتسبين سابقين لأحزاب دستورية و تّجمعيّين ( قيادات وسطى وقاعدية بالحزب المنحل). شقّ ثان يساري الهوية يقوده عمليا الطيّب البكُّوش و مجموعة من المحيطين به من نقابيين ويساريين استئصاليين ويُعرّفهم البعض من المتابعين بــــــ "يسار النّداء" و الصراع بين الشقين أصبح خبزا يوميا بحثا من كل طرف عن استمالة هذا العنصر او تلك الجهة او الهيكل التابع للحزب وعمليا فان كلا الشقين لا تبدو عليه مظاهر الوحدة كما قد يلوح للبعض من داخل الحزب أو من خارجه فالمجموعة اليسارية مثلا تشهدُ صراعًا داخليًّا كبيرًا بين فريق أول يتزعمه كل من منذر الحاج علي و نور الدّين بن تيشة، وبين لزهر العكرمي، الّذي تراجع موقعه داخل الحزب بعد أن كان يراهن على أن يكون الرجل الثاني في الحزب والأول في المجموعة أو تحديدا الجناح اليساري فيه ويبدو أن البعض في هذا الجناح يستهدفه ويستهدف موقعه ومستقبله في الحزب، ولم يعد العكرمي عمليا لا ناطقا رسميا باسم الحزب ولا مكلفا بالإعلام أو مسؤولا عن مؤسسات الحزب فيه بعد تأخره في الانجاز والتقدم مما وعد أن ينجزه، كما تم اتهامه على نطاق واسع داخل الحزب وخارجه باختلاس مبالغ مالية ضخمة أدّت فعليا لتراجع دوره القيادي بغض النظر عن صحة الاختلاسات من عدمها باعتبار أنّ البعض اتهم بن تيشة بالوقوف وراءها. ان طبيعة التكوين والهدف والتركيبة لحزب نداء تونس لا تجعل الصراعات داخله تهدأ أو تنتهي لان مربط الفرس للملتحقين به هو ثالوث المال والسلطة والجاه، وبطرح موضوع المرشح الرئاسي ستصبح الصراعات علنية ولن تكون الصورة وردية أو ناصعة امام المتابعين، بل ستهتزّ صورة الحزب وتحالفه الخماسي الذي بدأ بالارتجاج بعد إعلان الشابي الترشح للرئاسية و إعلانه خطوات عدة بدون الرجوع لحلفائه في "الاتحاد من أجل تونس" على غرار اقتراحه مارس 2014 موعدا للانتخابات بشكل منفرد، أما الشق الدستوري ورغم التراجع الظاهر داخل الحزب نتيجة تشكيل الجبهة الدستورية وتأسيس الإعلامي عمر صحابو لحركة الدستوريين الأحرار، وعمليا لا تزال مجموعة اللومي شُقّا أساسيا داخل الحزب رغم التجربة الكبيرة للشق اليساري الذي يسعى لإعادة سيناريو 1988، وخلاصة فان الصراع سيبقى قائما ومحموما بناء على طبيعة الحزب وطبيعة الحزب وطريقة تعاطيه مع المرحلة القادمة وخاصة في العمل على استمالة بعض الوجوه المحايدة على غرار رضا بلحاج الذي صرح منذ يومين لإحدى الصحف اليومية مؤكدا ان حلم السلطة زاد في انتهازية بعض قيادات نداء تونس، بينما يبدو نجل االسبسي الذي سبق للبعض وأن رشحه لخلافة والده اقرب للعكرمي عمليا رغم أنه يخفي ذلك عمليا، منه لبقية العناصر القيادية والتي بقيت مشتتة الذهن بين المؤثرين على الحزب من داخل وخارج تونس او التقرب من السياسي العجوز والذي يتارجح دوره عمليا بين:  أن يكون الماسك الوحيد بكلّ خيُوط اللّعبة، والوحيد القادر على خلط الأوراق وإعادة فرزها في أيّة لحظة يرى هو او مستشاريه غير المعلنين في تونس وحتى من وراء البحار. أن يقوم فعليا بتوديع الساحة السياسية نزولا عند رغبة بعض الفاعلين سوى الظاهرين تماما أو غير المرئيين أي أن دوره ينتهي بإبراز المرشح الرئاسي المخفي اسما كان او زمانا من حيث اعلانه على غرار إبراز الشابي والتوافق معه أو احد القيادات الأولى بعد قدرة و إثبات يبينهما الشخص من خلال مسيرة عام واحد من حياة الحزب وفي تلك الحالة يكون ذلك بعد فك التحالف الخماسي الذي أنشأ أصلا لخدمة أجندات بعينها ولمدة معينة. هل انتهى دور السبسي فعلا ؟ ولترجيح كفة أي من الاحتمالين أصحّ و أنسب فانه لابد من طرح السؤال بطريقة أخرى وهي : هل غير اللاعب الأساسي موقعه وعلاقاته وارتباطاته في اتجاه كل الأطراف وتغيرت الوسائل التي استعملها وتستعملها أطراف مُقرّبة له و الأطراف التي تُوظّفه لصالحها أيضا وعبر أساليب عدة؟ و هل تخلّى عن بعض لاعبيه و السبسي أوّلهم، فلقد شهدت شعبية نداء تونس - النسبية بطبيعتها- و اهتزت منذ أسابيع وكشفتها التطورات الأخيرة: استقالات هنا وهناك وفي مختلف الجهات وفشل الحزب في احتواء الأزمة الطلابية أو القدرة على التموقع طلابيا وإعلاميا وعدم وضوح مواقفه من مسائل عدة على غرار حضور احد ممثليه في دمشق. تراجع الأنشطة والاجتماعات في الجهات نتيجة التباينات في البرمجة والاستقطاب وطبيعة الصراعات التي ظهرت مركزيا بين طرفي الصراع في الحزب. و هكذا تتضح اليوم معالم الصراع داخل الحزب وخارجه بل وتتضح أن السبسي مُرشح للتعويض و دفع فاتورة التصدعات والصراعات و أنّ دوره قد يكون انتهى عمليا ليبدأ دور اللاعب الذي بقي في الاحتياط دوما سواء عندما كان مسؤولا بارزا في الدولة أو اليوم باعتباره يُحضى بثقة وقع ترتيبها في إطار تاريخي وضمن شبكة علاقات دولية وخاصة في المجال الاقتصادي ولكن نجاح هذا المسعى من عدمه يبقى مُرتبطا برغبة اللاعب الأساسي في الداخل والخارج لان من يسيّر الحزب فعلا هو أكثر من طرف وفقا للترتيبات الإقليمية والدولية الجارية لاحتواء الثورة التونسية وبقية الثورات العربية ولعل أهم العوامل في خروج لاعب جديد بديلا للسبسي أو حتى بمستقبل بمن يدفع لتغييره مرتبط بــأحد العوامل أو بها مجتمعة: مدى مواصلة الحكومة الحالية لسياسية ضبط الأمور والتصدي للانفلات والسعي نحو مسار يمكن في النهاية من تحقيق أهداف الثورة واستكمال مهامها وعلى الأقل ممهدات ذلك (بسط الأمن وفرض هيبة الدولة - مكافحة الفساد والقدرة على حماية المسار الثوري وحتى تحصينه فعليا و الإيقاف الفعلي لمسار إرباك الانتقال الديمقراطي – خارطة طريق واضحة المعالم من حيث التوافقات وتشكيل الهيئات واعلان مواعيد صريحة وواضحة). مدى نجاح الكتلة الدستورية وحركة الدستوريين الاحرار في مسعاهما عبر التحاق من تبقى من أحزاب دستورية بهما خاصة و أن هناك نقاشات بين العديد من الدستوريين تتفق في مجملها حول إيقاف منطق توظيف يساريين استئصالين وانتهازيين لهم وقطع الطريق أمام إعادة سيناريو 1988. قدرة المجتمع المدني التونسي على التنبه إلى خطورة بعض الندائيين و برامجهم المبهمة والساعية إلى الالتفاف على الثورة و أهدافها و حلمهم في إعادة المنهج "النوفمبري" من جديد.